الجمعة, نوفمبر 22
Banner

هل بات إفلاس لبنان حتميا بعد خسارته ثلثي أمواله؟

كشف آخر تحديث لميزانية مصرف لبنان عن انخفاض في احتياطاته الإلزامية المكونة من العملات الأجنبية لتصبح 9.45 مليار دولار، بعدما كانت 36 ملياراً نهاية عام 2019.

وفي ظل استمرار الاستنزاف المستمر في الاحتياطات كشف مصدر مالي في البنك المركزي عن أن الأموال النقدية المتوافرة في الخزائن انخفضت أخيراً إلى ما دون ملياري دولار قبل أن يشحن في الأسابيع الماضية من البنوك المراسلة كميات كبيرة من الدولارات ليودعها في خزائنه، بالتالي رفع الأموال النقدية الجاهزة للاستخدام الفوري إلى 2.3 مليار دولار، أي ما نسبته 25 في المئة من إجمالي الاحتياطي.

ويوضح أن سبب التراجع المستمر لاحتياطي “المركزي” هو التدخلات في السوق لضبط سعر صرف الدولار والاستيراد الاضطراري المدعوم، مشيراً إلى أن مصرف لبنان ينفق شهرياً نحو 140 مليون دولار شهرياً موزعة بين 35 مليون دولار لدعم الأدوية، و35 مليون دولار أخرى على جزء من سحوبات استرداد المواطنين ودائعهم وفق التعميم رقم 158 (400 دولار نقداً، و400 دولار وفق سعر 15 ألف ليرة)، إضافة إلى 70 مليون دولار لرواتب القطاع العام.

أموال السوريين

ويشير إلى أن مداخيل المصرف المركزي من أموال المساعدات المحولة من المنظمات الدولية تقارب 80 مليون دولار شهرياً، وتسدد للاجئين السوريين بالليرة اللبنانية، وفق سعر صيرفة، بناءً على اتفاق مع “المركزي”، والجزء الآخر يسدد بالدولار النقدي.

ولفت إلى أن المصرف المركزي يتدخل في السوق ويشتري الدولار من مؤسسات الحوالة، ليعود ويستخدمها لاحقاً في دعم استقرار منصة صيرفة، وأن قيمة التدخل مرتبطة بعوامل عديدة، وهي غير ثابتة، مؤكداً أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اتخذ قراراً بالتنسيق مع رئيسي الحكومة والمجلس النيابي لضخ ما يقارب 750 مليون دولار بهدف امتصاص الكتلة النقدية، تحت عنوان “عملية لم الليرات” على تسعيرة تتراوح بين 85 و90 ألفاً، مشدداً على أن تلك الأموال لا علاقة لها بالاحتياطي الإلزامي، إنما عمليات يقوم بها “المركزي”، موضحاً أن باستطاعة “المركزي” إعادة شراء تلك الدولارات من السوق.

حتمية الإفلاس

وكان تقرير صادر عن مصرف لبنان قد أشار إلى أن تدخلاته في السوق خلال الأشهر الأخيرة أدت إلى انخفاض النقد بالتداول بنسبة 22 في المئة، حيث بلغت الكتلة النقدية المتداولة 65 ألف مليار ليرة بعد أن وصلت إلى 83 ألف مليار.

إلا أنه في المقابل وبمقاربة بين انطلاق الأزمة وما وصلت إليه عام 2023، زادت الفجوة المالية من 40 مليار دولار إلى 75 ملياراً، وانخفض الناتج المحلي من 50 ملياراً إلى 18 ملياراً، الأمر الذي تظهر فيه مؤشرات مقلقة ستؤدي حكماً إلى الإفلاس، وقضية انتهاء الاحتياطات المالية هي مسألة وقت إذا لم تتم المعالجة سريعاً والشروع بالإصلاحات التي يشترط صندوق النقد الدولي إنجازها قبل توقيع الاتفاق مع لبنان.

“جريمة”

في المقابل يرفض المتخصص الاقتصادي منير يونس ما يسميه مصرف لبنان “الاحتياطي الإلزامي”، موضحاً أنها ما تبقى من أموال المودعين وتسمية تلك الأموال الاحتياطي هو “خيار غير قانوني”. ويقول إن الاحتياطي الإلزامي ينمو سلبياً منذ عام 2016، وأن استخدام المصرف المركزي لأموال المودعين هو “جريمة متمادية”، لافتاً إلى أنه كلما استخدمت هذه الأموال ارتفعت الكلفة، مضيفاً “في حال تحدثنا عن فجوة بـ75 مليار دولار، سنتحدث لاحقاً عن فجوة بـ85، وبعدها بـ90 مليار دولار”.

وأضاف أن الاحتياطات لدى المصارف المركزية في العالم هي الأموال الأجنبية التي يكونها المصرف من خلال عمليات مالية خاصة يحقق من خلالها الأرباح، وتدخل حينها في حسابات الاحتياطي.

وأشار إلى أن التدخل الأخير لمصرف لبنان في السوق جاء بناءً على قرار سياسي بضرورة استقرار سعر صرف الليرة في هذه المرحلة حتى لو تطلب الأمر الصرف من أموال المودعين، وذلك بطلب من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

عام وتنتهي الودائع

من ناحيته، انتقد المتخصص الاقتصادي باتريك مارديني استخدام مصرف لبنان أموال المودعين لدفع 70 مليون دولار كرواتب لموظفي القطاع العام على سعر صيرفة 60 ألف ليرة الاستثنائي، وهذا يعني أن “المركزي” سيدفع بالدولار أكثر مقابل الأموال بالليرة اللبنانية، مما يعني ضخ مزيد من الدولارات في الأسواق، وهي ما تبقى من أموال المودعين.

وقال إن هذه العملية غير مستدامة لأن الدولارات الموجودة في الاحتياطي قليلة، بالتالي من غير المعروف إلى متى سيستمر المصرف المركزي بهذه السياسة، كاشفاً عن أن دولارات المودعين الموجودة في مصرف لبنان شارفت على الانتهاء، مضيفاً أن “الخسائر لا تزال مستمرة، وفي حال بقاء صيرفة لعام أو أكثر لن يبقى للمودعين أي دولار”.

وأشار إلى أن “الإصلاحات الجدية في لبنان يمكن أن تبدأ إما عن طريق تجميد الدولة للاحتياطي في مصرف لبنان ومنع المس به لتسريع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وإما إعادة الأموال إلى أصحابها”.

وأوضح أن المسار الذي بدأ منذ نحو عامين على منصة صيرفة لا يزال مستمراً، أي طبع كميات كبيرة من الليرات بهدف تمويل عجز الموازنة العامة من جهة، وبهدف تمويل سحوبات ودائع المصارف بالليرة، ومن ثم سحبها من السوق عبر المنصة.

وفي رأيه أن التدخل الذي يعتمده مصرف لبنان “سيئ”، إذ يرى أن الانهيار المتواصل لسعر الصرف مضر في حد ذاته، ويفقر الناس، كما أن هذا التدخل يخلق تقلبات حادة بسعر صرف الدولار تؤدي إلى ضعف الاستثمار والنمو وتأخر إطلاق العجلة الاقتصادية، مشدداً على أنه من الأجدى بدلاً من طبعه الليرة، ومن ثم محاولة امتصاصها من الأسواق من طريق إعادة شرائها وخسارة أموال المودعين، أن يتوقف عن طبع الليرة ووقف ضخ دولارات المودعين في السوق وتدوير الفجوة وتكبير الخسائر وتكبير الأزمة بهدف شراء انخفاض موقت في سعر صرف الدولار.

تحدٍ خطير

وفي ظل استمرار الاستنزاف في احتياطات مصرف لبنان يبرز تحدٍ جديد يهدد بمزيد من الاستنزاف، إذ تشير المعلومات إلى أن الضغوط التي يمارسها القطاع العام على الحكومة من خلال الإضرابات وشلل قطاعات حيوية منها القطاع التربوي والاتصالات، تدفع بالحكومة لإعادة هيكلة رواتب القطاع العام وفق آلية تتم دراستها لتعميمها على جميع الإدارات.

ووفق المعلومات هناك اتجاه لاعتماد آلية “التحفيزات” لإعادة تفعيل الإدارات عبر دفع ما بين 200 و300 دولار لرواتب موظفي القطاع العام، إلا أن هذه الآلية تتجاوز كلفتها 100 مليون دولار شهرياً، في ظل تراجع مداخيل الدولة ومن دون وجود آلية تمويل واضحة.

ويحذر محللون اقتصاديون من خطورة هذه الخطوة التي ستؤدي إلى استنزاف مليار دولار في الأقل من الأموال الأجنبية خلال سنة، أما في حال تم دفعها بما يوازي قيمتها بالليرة اللبنانية، ستؤدي إلى تضخم مفرط في السوق.

طوني بولس – اندبندنت

Leave A Reply