الجمعة, نوفمبر 22
Banner

ثغرات في “خطة الطوارئ” حالت دون زيادة التغذية الكهربائية في لبنان

يوماً بعد يوم، تتبدد الآمال بإصلاح قطاع الكهرباء في لبنان على أرض الواقع، لترتقي إلى مستوى “المشكلات المستعصية على الحل”، فيما يستمر التقنين لأكثر من 20 ساعة قطع يومياً، الأمر الذي يلزم المواطن باللجوء إلى المولدات الخاصة العالية الكلفة.

مجموعة من الخلاصات والتحذيرات، توصلت إليها اللجنة الوزارية لمتابعة ملف “إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان”. ففي الاجتماع الذي ترأسه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، نهار الأربعاء 12 أبريل (نيسان)، وبحضور وزير الطاقة وليد فياض، ومدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، اتضح استمرار المشكلات والعقبات أمام “خطة الطوارئ”، فالمؤسسة ما زالت تعاني في تأمين الاعتمادات لشراء مادة الفيول، كذلك مشكلة تحويل أموال الجباية من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي، إضافة إلى الفشل في مواجهة التعديات على الشبكة. وقد تقرر التواصل مع الجهات الدولية المانحة من أجل دفع قيمة فواتير مخيمات النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، ومطالبة وزارة المال اللبنانية بدفع الفواتير المتأخرة على المؤسسات الرسمية العامة، ناهيك بالسعي مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لتحديد سعر صرف دولار خاص لتحويل أموال الجباية من الليرة اللبنانية إلى العملة الأجنبية، علماً أن تسعير الفواتير ما زال يحصل على سعر 52320 ليرة لبنانية، فيما تحدد سعر دولار صيرفة، مساء أمس الأربعاء، بـ86700 ليرة لبنانية، بالتالي يبقى السؤال حول كيفية سد الفارق بين السعرين، في ظل دولار 97 ألف ليرة لبنانية في السوق الحرة.

خلص الاجتماع إلى الموافقة على فتح اعتمادات لشراء 66ألف طن من الغاز أويل، وإجراء مناقصة جديدة لشراء كميات الغاز أويل و21 ألف طن من الفيول أويل. وفي مؤتمر صحافي للوزير فياض وحايك اليوم الخميس 13 أبريل تحدث فياض عن “نجاح نسبي” في خطة الطوارئ. وأن حملة إزالة التعديات على الشبكة أيضاً تسير “بشكل جيد”. وكشف “أن النية لزيادة عدد ساعات التغذية إلى 8 – 10 ساعات، اصطدم بمحدودية التمويل من قبل مصرف لبنان، ما يعني البقاء على هامش 4 – 5 ساعات تغذية.

التسعيرة غير العادلة

يتطرق المهندس غسان بيضون (مدير عام سابق لوزارة الطاقة) لمسألة رفع التعرفة، فهي “خطوة ضرورية، ولكن ليس بهذا الشكل”، “فهي لا بد أن تأتي ضمن خطة إصلاحية شاملة للمؤسسة”. ويصف ما حصل بـ”المغامرة غير العادلة، وغير القانونية”، معللاً موقفه بأن “رفع التعرفة يجب أن يلحظ ضمن موازنة المؤسسة لأنه يهدف إلى تأمين التوازن المالي للمؤسسة، ومن ثم كشف كامل نفقات وواردات المؤسسة”، كما يجب أن تكون التعرفة بالليرة والعملة الوطنية، ليس بالدولار الأميركي، وأن يراعى سعر النفط العالمي. لذلك، فإن التسعيرة بالدولار، مضاف إليها بدل التأهيل هو قرار ظالم، بسبب الانتقال مباشرة من شريحة أولى للاستهلاك بقيمة 10 سنتات، إلى 27 سنتاً مباشرة، وصولاً إلى 37 سنتاً في حال لم تدفع الدولة الفواتير المستحقة عليها”، فيما يفترض اعتماد ثلاث شرائح في الحد الأدنى، شريحة مدعومة لمحدودي الدخل، شريحة مساوية لكلفة الإنتاج، وشريحة الربح.

يستغرب بيضون اتخاذ سعر صيرفة معياراً للتسعير، فهو سعر متحرك، ولا يمكن للمستهلك معرفة قيمة الاستهلاك مباشرة. علماً أن المؤسسة اعتمدت ما يسمى “صيرفة بلاس” أي سعر صيرفة عند الفوترة مضافاً إليها 20 في المئة، ويوضح بيضون “عندما ذهبوا إلى مصرف لبنان للمطالبة بالاعتمادات، وافق شرط أن يؤمنوا له العائدات، وعمولة بقيمة 20 في المئة، وهذا البند لم يرد في القرار الأصلي، وإنما ضمن مراسلة مع المصرف المركزي”. ويشير بيضون إلى أن “القرارات الأخيرة أسقطت على مؤسسة كهرباء لبنان من فوق، بموجب خطة طوارئ وزير الطاقة وتوجيه رئيس الحكومة، من جهات لا تمتلك قاعدة بيانات ومعلومات واضحة حول وضع القطاع، وحجم الشرائح والاستهلاك، في وقت أن موازنتها الأصلية لم تلحظ مضمون الخطة”.

الجباية رهن الهيبة

يعاني لبنان خفض مستوى الجباية، في موازاة تعاظم السرقات التي تتعرض لها الشبكة. وقد شهدت الفترة الأخيرة سرقة قواعد أعمدة التوتر الكهربائي في منظفة مقنة الواقعة في البقاع الشمالي، مما يهدد محافظة بعلبك– الهرمل بالعتمة لمدة طويلة بسبب الخسائر الكبيرة، وعدم قدرة تأمين بدائل من قبل مؤسسة كهرباء لبنان، الأمر الذي دفع اللواء جميل السيد (أحد نواب البقاع الشمالي) إلى مطالبة المواطنين بإطلاق النار على من يسرق أعمدة التوتر العالي. في المقابل، قام الجيش اللبناني بمداهمة بعض المستودعات في البلدة، حيث تمكن من ضبط أجزاء من أعمدة التوتر العالي وكميات من المخدرات.

يتصاعد الخوف من زيارة السرقات سواء للتيار والبنى التحتية. ويؤكد بيضون عدم أحقية مطلب قطع التيار عن شرائح معينة، متحدثاً عن خطأ شائع مصدره عدم التمييز بين الفوترة والجباية، فالفوترة ترتبط بتسعير الطاقة المستهلكة والمستمدة من العداد النظامي، فهي تقتصر على المشترك الحقيقي، وكانت نسبة عدم الفوترة والتعليق 32 في المئة قبل الأزمة الراهنة، عندما كان الكيلوواط دون 150 ليرة لبنانية، أما اليوم ومع ارتفاع التسعير، واعتماد دولار “صيرفة” فقد تتجاوز التسعيرة سعر الدولار في السوق الحرة. من هنا، يرجح زيادة السرقات من قبل المواطنين والنازحين واللاجئين على حد سواء بسبب زيادة الفقر.

أما فيما يتعلق بالجباية، فهي تتصل بما تحصله المؤسسة من المستهلك، وتصل نسبتها إلى 90 في المئة. من هنا، يؤكد بيضون أن المشكلة هي في الفوترة وليست في الجباية. وهذا يظهر فشل العقود مع مزودي الخدمات، لتخفيض الهدر، وتركيب شبكة وعدادات ذكية من أجل معرفة الكمية المفوترة وتلك المصروفة، وهي أمور لم تتحقق، لا بل الكلفة والأعباء تضاعفت، واستنزفت الموارد من دون أي نتيجة، وبيضون يجزم “بعدم عدالة قطع الكهرباء عن مناطق لا تدفع، لأنه لا يجوز حرمان ناس ملتزمة القانون، بسبب تهرب شريحة من الدفع”.

التقنين هو السائد

لا تتوقف الحلول عند مستوى تحسين الفوترة والجباية، ولكن لا بد من تحسين الإنتاج، وهو أمر متصل بتأمين الفيول. وليس من قبيل المبالغة أن تأمين الدولة للتيار بمقدار 10 ساعات تغذية، سيشكل ضربة للمولدات الخاصة في البلاد، حيث سيكتفي أبناء الطبقة المتوسطة بهذا المقدار لتحقيق متطلباتهم اليومية بسعر أقل. فإن الدولة، لم تتمكن من تحقيق وعودها في زيادة التعرفة، في موازاة زيادة غير مسبوقة في الفواتير، الأمر الذي دفع المواطنين إلى اللجوء لتقديم طلبات بتجميد الاشتراكات لدى مؤسسة كهرباء لبنان، أو تخفيض حجم الاشتراك. يؤكد بيضون عدم تمكن مؤسسة الكهرباء من تأمين ثمن المحروقات والفيول للإنتاج من جباية الفواتير بسبب التعديات الهائلة وعدم مراعاة التعرفة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، قائلاً إنه “أمر مستحيل”، كما يستبعد استجابة مؤسسة كهرباء لبنان مع طلبات تجميد الاشتراكات بسبب الحاجة إلى إجراءات طويلة، لا بل مستحيلة، مقترحاً دمج بدل التأهيل والصيانة بثمن الكيلوواط ضمن الفاتورة لخفض العبء على الشرائح المحدودة، وتحقيق الربح من الشريحة المقتدرة. ويقترح بيضون فتح الباب أمام البلديات لإنتاج الطاقة الكهربائية، وكذلك التوجه نحو الطاقة النظيفة.

رفع الإنتاج

ما زالت التغذية الكهربائية في حدودها الدنيا، يؤكد المهندس يحيى مولود (مسؤول تشغيل معامل الذوق والجية) ويقول، إن المدخل للإصلاح هو تمويل الإنتاج قبل الجباية، وهذا ينطلق بصرف الاعتمادات لتأمين الفيول، ومبلغ 60 مليون دولار الذي أقرته الحكومة، مشيراً إلى أن “المشغلين لم يحصلوا على حقوقهم منذ 15 شهراً، وبعضها عالق منذ 2021″، وبدأ التقصير منذ مارس (آذار) 2019، ولحقت بالشركات خسائر كبيرة بسبب الدفعات بالليرة اللبنانية.

كما يلفت أن “عقود التشغيل تمددت بفعل قوانين تمديد المهل، وبسبب عدم تأمين الفيول انتقلت الشركة إلى الصيانة والحفاظ على المنشآت، وحماية الآلات، بسبب عدم التشغيل، كاشفاً عن أنه في يوليو (تموز)، ستعود الشركة إلى تشغيل معامل الذوق والجية ذات القدرة الإنتاجية 270 ميغاواط، مما سيؤدي إلى زيادة التغذية الكهربائية بحدود ثلاث ساعات”، متحدثاً عن الانتقال إلى توريد الفيول وفق صيغة كل شحنة على حدة، ما يسبب خطورة في عدم انتظام التوريد. وعليه، سيستمر التقنين بفعل اقتصار التشغيل على معامل دير عمار والزهراني التي تولد بحدها الأقصى 900 ميغاواط، وتعتمد على الديزل.

يوضح يحيى مولود أن القدرة الإنتاجية القصوى للمعامل القائمة في لبنان هي 12 ساعة تغذية، في حال تشغيل معامل دير عمار، والزهراني، والذوق، والجية، مما يشي بأن حلم 24 ساعة مستبعد يضاف إلى ذلك أن بناء معامل جديدة يحتاج إلى تمويل، وإلى مدة تتراوح بين الأربع والخمس سنوات.

بشير مصطفى – اندبندنت

Leave A Reply