وكأنه لم يكفِ اللبنانيين انهيار عملتهم وخسارة مدّخراتهم وتراجع مستوى حياتهم، واضطرارهم إلى العودة إلى نقطة الصفر على المستوى المالي ووصول 80 بالمئة منهم إلى حافة الفقر، حتى أتى القرار السياسي بنسف كل احتمالات النهوض والإنقاذ والإصلاح من خلال القضاء على السياسة النقدية من قبل السلطة المالية، ورهن الليرة بالقرار السياسي، إن لم يكن بقرار فريق سياسي وطائفي معين، وذلك عبر مشروع القانون المعجّل المكرّر الرامي إلى تعديل المادتين الخامسة والسابعة والأربعين من قانون النقد والتسليف في الجلسة الحكومية اليوم.
من حيث الشكل، فإن ما قاد إلى السيناريو المالي الكارثي، هو انعدام التفاهم على تعيين حاكمٍ جديد لمصرف لبنان المركزي رياض سلامة، لكن من حيث المضمون، فإن السبب هو طبع العملة بشكلٍ سريع وكلما اقتضت الحاجة السياسية اعتباراً من تموز المقبل. وينبىء وضع اليد على الليرة بخسارة استقلالية المصرف المركزي كمؤسسة مستقلة، وبحصول تشابك في السياستين النقدية والمالية، ودمجهما معاً مثل “طبخة المجدّرة” السريعة، إذ من المستحيل بعد اليوم أن ينهض لبنان من أزمته إذا حصل مثل هذا التشابك، كما يكشف الباحث الإقتصادي الدكتور جاسم عجاقة، الذي يعتبر أن ما يضمن عدم حصول هذا التشابك هو قانون النقد والتسليف، وفي حال تمّ تعديله عبر منح الصلاحيات للحكومة، فإن “الدنيا ستخرب”.
ويوضح الدكتور عجاقة لـ”ليبانون ديبايت”، أن مثل هذا الأمر لم يحصل في أي دولة متقدمة، أي أن تتولى السلطة السياسية صلاحيات المصرف المركزي في طبع العملة، وذلك، بمعزلٍ عن مدى شفافية ونزاهة هذه السلطة وسياساتها وقراراتها، ذلك أن تولّي القرار من قبل مؤسّسة أو وزارة غير المصرف المركزي، يعني تسريع انهيار الليرة.
ومن المفيد التذكير، بأن لبنان كان من السبّاقين في اعتماد قانون النقد والتسليف وحصر صلاحيات النقد بالمركزي منذ الستينات، بينما فرنسا ودولاً أخرى متقدمة أقرّته في السبعينات.
ويؤكد عجاقة، أن تعديل قانون النقد والتسليف المطروح على جدول أعمال الجلسة الحكومية اليوم، يهدف بكل صراحة إلى نقل صلاحيات المركزي إلى السلطة السياسية، موضحاً أن التعديل يطال عملية إصدار النقد، وعدم حصرها بمصرف لبنان، وبحيث تتحوّل إلى السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة المال، أو بالتشاركية في القرار والإدارة بين الطرفين.
ويضيف، أن المسّ التشريعي باستقلالية البنك المركزي، والمحصّنة بقانون النقد والتسليف الصادر عام 1963 وتعديلاته اللاحقة، يشي تلقائياً بإعادة النظر بمنح مصرف لبنان دون سواه، امتياز إصدار النقد المنصوص عليه، وبالتالي، شطب حصرية إصدار النقد المناطة بمصرف لبنان، مع ترجيح منح هذه الصلاحية إلى وزارة المال أو الحكومة مجتمعة.
وعن آثار هذه الخطوة، يؤكد عجاقة، أنها ستؤدي إلى تراجع ثقة المستثمرين والمواطنين بالعملة الوطنية، ما يُشكل ضربة كبيرة لهذه العملة، كما أنها مؤشّرعلى عدم وجود أية خطط إنقاذية أو توجّه جديد نحو الإتفاق مع صندوق النقد الدولي، أو القيام بإصلاحات تلجم الإنهيار.
ويحذِّر عجاقة، من هذا التعديل ومن طبع الليرة، معتبراً أن الخشية من الشغور في موقع حاكمية مصرف لبنان ومواصلة طبع الليرة، قد يكون قد ساهم في تسريع الخطوة “السياسية”.
ليبانون ديبايت