الإثنين, نوفمبر 25
Banner

زيادة رواتب القطاع العام جرعة تضخم لا بد منها… إلّا إذا

 سلوى بعلبكي – النهار

لم يعد من المجدي، او القدرة لدى المسؤولين في لبنان، على مناجاة ومناداة موظفي القطاع العام والمتقاعدين، لتحمل إرتدادت الإنهيار على أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية بعد اليوم. فقد المسؤولون في الإدارة قدرتهم على حث ما بقي صامدا من موظفيهم في الإستمرار بالمياومة في عملهم. لم تعد المسألة حالة مطلبية نقابية، أو سعي لتعزيز المستوى المعيشي لشريحة من ذوي الدخل المحدود، بل تحولت الى ضرورة إنقاذية طارئة، إجتماعيا وإنسانيا، كان على المسؤولين الإقدام عليها بسرعة قبل سقوط هيكل الإدارة على الجميع، وتفكك مفاصل خدمات الدولة أكثر، خصوصا أنها تطال حوالي 400 الف موظف ومتقاعد، جلهم لا وقت ولا قدرة لديهم للعمل في وظائف أو مهن أخرى.

أمس، أقرّ مجلس الوزراء زيادة رواتب موظفي القطاع العام 4 اضعاف على الراتب لموظفي القطاع العام شرط الحضور 14 يوما شهريا ، وتعديل بدل النقل الى 450 ألفا، وذلك على الرغم من أن مالية الدولة في عجز دائم، ومداخيلها لا تفي بما هو مطلوب، ومنافذ سندات الخزينة التي كانت ترتوي منها الدولة في حالات العجز توقفت، بعدما أرهقت الودائع وذوبتها.

مكامن الخلل في الخطوة التي لا بد منها، لا تبدأ من عدم قدرة الدولة على إيفاء إلتزاماتها المالية الشهرية للموظفين والمتقاعدين بسبب شح المداخيل فحسب، بل في خطورة اللجوء الى طباعة المزيد من النقد اللبناني، مما يرفع من نسبة التضخم ويعيق خطوات مصرف لبنان الساعي الى شفط ما أمكن من الليرات اللبنانية، بما تقدر عليه إحتياطاته “الدولارية” عبر منصة صيرفة، لتجفيف السوق والسيطرة ما أمكن على سعر الصرف.

وإذا كانت المساعدة وفق ما يؤكد الوزير السابق نقولا لـ”النهار” ستكون لفترة محددة وتشمل زيادة 4 رواتب للموظفين في الخدمة الفعلية، و3 رواتب للمتقاعدين على السعر الحقيقي لصيرفة، فإن إجمالي الكلفة محدود بسقف معين بنسبة من الدخل القومي والكتلة النقدية وغيرها حتى لا نقع في الفخ الذي أوقعتنا في سلسلة الرتب والرواتب، لافتا الى أن “الزيادات مرهونة بايرادات الدولة وانتظام الموظفين مع مراقبة من التفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية”.

الصيغة التي أقرها مجلس الوزراء تقضي بإعطاء موظفي الادارات العامة والمؤسسات العامة وموظفي القطاع العام كافة زيادة شهرية عبارة عن 4 رواتب، على ان لا تقل الزيادة عن 8 مليون ليرة شهريا ولا تزيد عن 60 مليون ليرة شهريا. كما تقضي بأن يعطى العسكريين وكافة المتقاعدين زيادة 3 رواتب شهريا تحتسب مع متممات الراتب، على أن تضاف الى المساعدة الاجتماعية التي يحصل عليها القطاع العام حاليا. وهذا يعني أن موظفي القطاع العام سيتقاضون بدءا من شهر ايار سبعة رواتب شهريا بدلا من ثلاثة حاليا، فيما سيتقاضى المتقاعدون ستة رواتب شهريا بدلا من ثلاثة حاليا.

كذلك تشمل الزيادات الاساتذة المتعاقدين والمياومين والفنيين، حيث سيرفع بدل الساعة للمتعاقدين من اساتذة في الجامعة اللبنانية واساتذة التعليم الرسمي والتعليم المهني وغيرهم، ويتم تأكيد منح المتعاقدينفي التعليم الرسمي والتقني بدل نقل 3 ايام اسبوعيا سبق واقر سابقا.

بالنسبة لبدل النقل اليومي فقد تقرر احتساب 450 الف ليرة يوميا اي ما يفوق 5 ليترات حاليا، ولكنه مرهون بحضور الموظف العمل وممارسة عمله بحد ادنى 14 يوم شهريا. وفي حال عدم الحضور يتم حسم كافة الزيادات التي سيتم اقرارها. وأوكلت مهمة المراقبة والتطبيق الى التفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية.

وتشمل الزيادات كافة موظفي القطاع العام بدون استثناء، بمن فيهم موظفو أوجيرو وكهرباء لبنان والضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة والبلديات والمستشفيات الحكومية والقضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية وأساتذة وموظفو وزارة التربية ومؤسسات المياه وغيرهم. وتشمل المياومين والمتعاقدين والفنيين، وبتوزيع عادل وضمن الإمكانيات الممكنة.

وفي حين يطالب الموظفون والمتقاعدون بتحديد الرواتب على سعر منصّة صيرفة 28 ألف ليرة، تؤكد مصادر متابعة أن إضافة 3 و4 رواتب توازي قبض رواتبهم الحالية على سعر صيرفة في حدود الـ 40 ألفا.

وتؤكد المصادر الوزارية “بما ان العسكريين في الخدمة الفعلية يتقاضون ومنذ فترة مبلغ 100 دولار نقدي شهريا من جهات مانحة، وهي مستمرة لذا تقرر منحهم 3 رواتب بينما موظفي الادارات العامة لا يتقاضون اي مبلغ من الجهات المانحة. وفور توقف هذا الدعم ترفع الزيادة لاربع رواتب العسكريين في الخدمة الفعلية. وهذا حق لهم”.

ولكن مصادر وزارية أكدت أن المهم في هذه الزيادات أنه “لن يرافقها ارتفاع في الضرائب والرسوم بل فقط العمل على تحسين الجباية. وربما قد يرفع الدولار الجمركي في مرحلة لاحقة لتأمين الواردات لاستمرارية الزيادة وتحسين قيمتها مستقبلا. وتأثير الدولار الجمركي محدود، إذ أن أكثر من 60% من السلع معفاة من الضريبة الجمركية، مثل المازوت والمواد الغذائية. فالدولار الجمركي يؤثر على أسعار الكماليات والسيارات والإلكترونيات، ولكن لا تأثير على المواد الغذائيّة والاستهلاكية الأساسية”.

اما عن مصادر تأمين الايرادات، فأكدت المصادر أنه امر ممكن، وإن كانت ايرادات الدولة ترتفع ببطء، متوقعة ان تزداد هذه الايرادات مع عودة موظفي الادارات والموسسات العامة الى العمل لا سيما النافعة، والشوون العقارية وغيرها، اضافة الى أن رفع الدولار الجمركي لـ 60 الف ليرة سيكون له تأثير ايجابي على الواردات، معتبرا ان “نجاح الحكومة في اعطاء الزيادة دون خلق تضخم اضافي، يحتاج الى عودة الموظفين للعمل وتحسين وتفعيل الجباية”.

ووفق المصادر فإن الكلفة الاجمالية للزيادات تبلغ نحو 3700 مليار ليرة ، اي بارتفاع نحو 133%عن الكلفة الحالية. إذ ان الكلفة الحالية نحو 2900 مليار ليرة شهريا وستصبح نحو 660 مليار ليرة شهريا بعد اقرار الزيادات وبدلات النقل، اي ما يوازي 76 مليون دولار على سعر صيرفة الحالي.

خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي أمل أن لا يكون الحديث عن توجه مجلس الوزراء إلى ‏إقرار إصدار أوراق نقدية جديدة من فئة الـ 500 ألف والمليون ليرة لبنانية، أو/و إقرار زيادة على رواتب وأجور الموظفين في القطاع العام صحيحا. إذ برأيه إن إقرار إصدار أوراق نقدية من فئة الـ 500 ألف أو/و المليون ليرة، أو تعديل (وهو في الواقع ليس تحسين) رواتب وأجور موظفي الدولة قد يكون جيداً إذا سبقه (وليس واكبه) خطوات إصلاحية حقيقية في إدارة المالية العامة (وخصوصاً تأمين الإيرادات قبل إقرار النفقات). غير ذلك، هذه القرارات سوف تقضي على ما تبقى من كرامة في العملة الوطنية بسبب الضغوطات التضخمية التي سوف تنتجها”.

وأشار الى ضرورة إلزام المصارف بفتح حسابات جديدة وتفعيل حسابات مكونة سابقاً بالليرة اللبنانية، وتوطين الرواتب والأجور، وتفعيل العمل بوسائل الدفع المتاحة والمتوافرة من خلال القطاع المصرفي من بطاقات دفع وإئتمان وشيكات وتحويل مصرفي. وإذ اعتبر أن مقاربة الحلول يجب أن تكون على حجم الوطن وليس فقط على حجم موظفي القطاع العام، أو المودعين أو/و المصارف التجارية. الحلول يجب أن تطال كل المواطنين وجميع مكونات القطاع الخاص والعام في لبنان ولتكن الإنطلاقة من تمكين المواطن من تمويل الإستهلاك لتأمين الحد الأدنى من العيش الكريم، والمؤسسات من تمويل المصاريف التشغيلية لتأمين الموارد المطلوبة للإستمرار في الإنتاج وخدمة الإقتصاد الوطني”.

وهذا الامر يشكل برأيه “الحل لجزء كبير من المشاكل النقدية التي قد تنتج عن هذه القرارات والتي يعاني منها لبنان اليوم، ويساعد بشكل كبير على وقف النزيف”، معتبرا أن توافر الظروف لإستعمال العملة المصرفية (Bank Money) تحد من المضاربة وتخفف بشكل ملحوظ الطلب على الأوراق النقدية (Fiat Money)، بما يعيد للعملة الوطنية كرامتها عندما تصبح خياراً أساسياً في تسديد فواتير الإستهلاك للأفراد والمصاريف التشغيلية للمؤسسات من خاصة وعامة، كما انها قد تكون ممرا أساسيا لوصول المتقاعدين إلى أرصدة حساباتهم في المصارف بشكل يُسهل عليهم تمويل مصاريفهم”.

Leave A Reply