عزة الحاج حسن – المدن
للمرة الثانية على التوالي خلال مدة زمنية قصيرة تقل عن الشهرين، رفعت السلطات في لبنان سعر الدولار الجمركي، من دون أي تخطيط أو دراسة مسبقة لما يمكن أن ينتج عن قرار سبقته العديد من القرارات المماثلة، التي لم ينتج عنها سوى التهرب الضريبي وزيادة الضغوط المعيشية على المواطنين.
خضع سعر الدولار المعتمد في احتساب الرسوم والضرائب على البضائع والسلع المستوردة للتعديل عدة مرات منذ أشهر وحتى اليوم، فمن 1500 ليرة للدولار ارتفع إلى 8000 ليرة ثم إلى 15000 ليرة بشهر كانون الأول من العام 2022، ثم ارتفع إلى 45000 ليرة في نهاية شهر شباط الفائت، ليستمر بمساره الصعودي ويرتفع إلى 60000 ليرة، على أن يتم ربط الدولار الجمركي مطلع الشهر المقبل بدولار منصة صيرفة، حسب المعلومات.
وهنا نستند إلى معلومات من وزارة المال، باعتبار أن قرار رفع الدولار الجمركي وإن بات ساري المفعول، إلا أنه لم يتم الإعلان عنه بشكل رسمي. كما لم يتم تفسير مدى الجدوى من رفعه وكيفية ضبط تطبيقه والسلع المشمولة به، وسبب استثناء السيارات المستوردة الجديدة والمستعملة منه.
“تهريب” القرار عمداً
حين رُفع الدولار الجمركي منذ أشهر من 8000 ليرة إلى 15000 ليرة، تم بقرار اتخذه وزير المالية يوسف خليل بالتوافق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ثم صدر قرار رفع الدولار الجمركي إلى 45000 ليرة عن وزير المال بالتوافق مع رئيس الحكومة. أما اليوم فقد تم تسريب قرار يقضي برفع الدولار الجمركي منسوب إلى حاكم مصرف لبنان. وهو ما نفاه مكتبه الإعلامي. أما مصادر وزارة المال فأكدت رفع الدولار الجمركي من دون تحديد آلية القرار، مكتفية بالقول أن رفع الدولار الجمركي نال موافقة الحكومة، وبالتوافق مع مصرف لبنان، بهدف تغطية زيادة رواتب القطاع العام ومعاشات المتقاعدين.
وإذ ينفي مصدر من وزارة المال صلاحية سلامة بتحديد سعر صرف الدولار الجمركي المعتمد لاحتساب الضرائب والرسوم، يوضح أن المادة 35 من قانون الجمارك تحصر هذه الصلاحية بالمجلس الأعلى للجمارك وإبلاغ وزير المال. لكن مصدراً آخر يؤكد أنه ورغم منح القانون صلاحية تحديد الدولار الجمركي للمجلس الأعلى للجمارك، إلا أن القرار اتخذ في واقع الأمر في وزارة المال، بالتشاور والاتفاق مع رئاسة الحكومة ومصرف لبنان. وحسب المصدر، سيتم استكمال الخطة المتعلقة بالدولار الجمركي، حيث سيتم ربطه في وقت قريب بدولار منصة صيرفة.
الضريبة على القيمة المضافة
لا يقتصر تعديل سعر الدولار على الرسم الجمركي بل سيلحق بالعديد من الرسوم والضرائب التي يتم تحصيلها من المواد المستوردة، ومنها الضريبة على القيمة المضافة TVA فرفع سعر صرف الدولار الجمركي من شأنه أن يرفع كذلك الضريبة على القيمة المضافة بشكل مباشر. ولا يطال التغيير نسبة الضريبة على القيمة المضافة، إنما قيمة العملة التي سيتم التحصيل بموجبها.
بمعنى أن السلعة البالغ سعرها 100 دولار على سبيل المثال وتبلغ نسبة الضريبة على القيمة المضافة منها 11 في المئة ستسدد 11 دولاراً على سعر الدولار الجمركي الجديد (60 ألف ليرة) أي 660 ألف ليرة، في حين أنها كانت تبلغ 495000 ليرة حين كان سعر الدولار الجمركي 45 ألف ليرة، وكانت قد ارتفعت من 165 ألف ليرة حين كان الدولار الجمركي 15000 ليرة.
بمعنى آخر، سيرتب الدولار الجمركي الجديد زيادات كبيرة على كل منتج يدخل البلد، مهما كان، حتى وإن كان معفى من الرسوم الجمركية بحكم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. فيكفي أن يكون خاضعاً لـTVA كي يقع في شرك الدولار الجمركي. وحدها السيارات الجديدة والمستعملة تم اعفاؤها من الدولار الجمركي الجديد. كما أعفيت في وقت سابق من دولار الـ45 الف ليرة. أما السبب، فمهما كان، يبقى مخالفاً لأدنى معايير العدالة والمساواة بين المكلّفين.
ذريعة الرواتب
رفعت السلطة سعر الدولار المعتمد لاستيفاء الرسوم الجمركية والضرائب بذريعة تغطية وتمويل الزيادات على رواتب موظفي القطاع العام ومعاشات المتقاعدين، وهي العارفة حق المعرفة بأن زيادة 3 رواتب و4 رواتب ستتآكل بفعل التضخم بعد نحو شهرين، لاسيما مع رفع قيمة الدولار الجمركي ومعه دولار الرسوم والضرائب الأخرى.
وربطاً برفع الدولار الجمركي وانسحابه على الضريبة على القيمة المضافة، ستتعرّض أسعار السلع الإستهلاكية لموجة ارتفاعات كبيرة، على غرار ما حصل عند رفع الدولار الجمركي في المرات السابقة. فالأسعار وإن كانت محدّدة من قبل التجار بالدولار الأميركي، إلا أنها تتغير بشكل عشوائي، فترتفع مع تغير سعر صرف الدولار في السوق السوداء، ومن غير المستبعد أن يرفع التجار اليوم ثمن البضائع على هواهم تماشياً مع رفع الدولار الجمركي.