بلقيس عبد الرضا – المدن
لا يشبه شهر رمضان المبارك هذا العام سابقه، رغم ديمومة الأزمة الاقتصادية نفسها واستمرار ارتفاع مستويات التضخم. إذ زادت نسب العائلات التي وقعت تحت خط الفقر بشكل لافت، وإن غابت الغحصاءات الرسمية عن ذكر ذلك. لكن ارتفاع نسبة تسجيل أسماء العائلات في قوائم الجمعيات أو المؤسسات التي ترعى شؤون الفقراء كان واضحاً ولافتاً.
مبادرات شخصية
تقول سماح شاهين، أم لطفلين، بأنها اضطرت إلى زيارة إحدى الجمعيات الخيرية طلباً للمساعدة، بعدما تعذر عليها تأمين وجبات الإفطار. يعمل زوجها في منطقة الشمال براتب 700 ألف ليرة أسبوعياً، وهو رقم غير كاف لتأمين مستلزمات الشهر الفضيل. تشير شاهين، إلى أنها زارت الجمعية مؤخراً للحصول على كوبونات العيد، وهي عبارة عن قسائم تقدمها بعض المحال التجارية لصالح الجمعية، من أجل توزيعها على المحتاجين.
ظاهرة المساعدات الخيرية سواء قبل الجمعيات أو من قبل مبادرات شخصية ليست أمراً جديداً في لبنان، لكن توسعها في الفترة الماضية بات لافتاً للنظر.
في منطقة برج البراجنة تُعَد سيمارد حرب والملقبة باسم “روبين هود” برج البراجنة، إحدى بلدات ساحل المتن الجنوبي، واحدة من الفتيات التي أطلقت مبادرات شخصية منذ سنوات لمساعدة العائلات الفقيرة والمتواضعة في منطقتها والمناطق المجاورة لها. لم تأتِ المبادرة لمساندة الفقراء والمحتاجين بسبب الوضع الاقتصادي الحالي، ولكنها أخذت منعطفاً أوسع خلال الأزمة. نجحت حرب خلال شهر رمضان في تأمين وجبات إفطار لعدد كبير من العائلات الفقيرة، بعدما حولت جزءًا من منزلها لإعداد وطهي الطعام، وتوزيع المساعدات الغذائية. تقول حرب لـ”المدن”: خلال شهر رمضان، تمكنت بمساعدة العديد من أهالي المنطقة، من توزيع ما لايقل عن 50 وجبة يومياً، بالإضافة إلى تأمين عشرات الحصص الغذائية للعائلات الأشد فقراً”.
في المرحلة الراهنة، بدأت حرب الاستعداد لتأمين كسوة العيد، وتوزيع “عيديات” وحلويات إلى مجموعة كبيرة من الأطفال المحتاجين،. حسب تقديرات حرب، فقد تمكنت من تأمين “عيديات” لنحو 200 طفل في أنحاء المنطقة، بعدما بات من الصعب على ذويهم تأمين احتياجات العيد الأساسية.
كسوة العيد
في منطقة كورنيش المزرعة، تنتشر مبادرات فردية للمساعدة في تأمين كسوة العيد. بدأتها فرح عنتبلي -طالبة في إحدى الجامعات اللبنانية- بالتنسيق مع بعض تجار المنطقة، إذ تقوم بموجبها تأمين بونات تتراوح مابين 10 و15 دولاراً لتأمين كسوة العيد للأطفال المحتاجين.
تقول عنتبلي لـ”المدن”: بدأت المبادرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتأمين كسوة العيد، ولاقت رواجاً بين رواد المواقع الإلكترونية، وبموجبها، تمكنت من جمع نحو 1400 دولار تقريباً، سيتم صرفها على مايقارب من 140 طفلاً في المنطقة.
حسب عنتبلي، تأتي المبادرات الشخصية كنوع من التضامن الاجتماعي مع العائلات اللبنانية التي بات معظمها يعيش تحت خط الفقر، وهي مساندة لما تقوم به بعض الجمعيات الخيرية، خصوصاً في المناطق الأشد فقراً في أحياء العاصمة بيروت وبعض المناطق النائية.
الجمعيات الخيرية
على الرغم من أن بعض مؤسسات الرعاية الاجتماعية نجحت في تأمين حصص غذائية يتم توزيعها شهرياً على بعض العائلات المتعففة، لكن العديد من هذه الجمعيات لم يعد يمتلك القدرات المالية الهائلة للقيام بدورها المعهود، إما بسبب الوضع الاقتصادي الحالي، أو نتيجة غياب المساعدات من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية، والتي أخذت على عاتقها مساندة العائلات الأشد فقراً.
هذا الواقع يتم استغلاله سياسياً. بعض الأحزاب والمؤسسات التابعة لجهات سياسية وسعت من مروحة المساعدات الاجتماعية، وباتت تؤسس مراكز عديدة لها في مناطق مختلفة. تنقسم المساعدات إلى جزئين، الأول يتعلق بتوزيع مواد غذائية، أما الثاني فيتعلق ببطاقات خصومات، أو كوبونات لشراء السلع الأساسية من بعض المحال التجارية.
يحق لجميع العائلات التي يتم تسجيلها في قوائم الجمعيات هذه، شراء احتياجاتهم بأسعار مخفضة، أو الحصول على بعض السلع الأساسية بشكل شبه مجاني مثل الأرز، السكر، الزيت، وغيرها. في الوقت الراهن، بدأت الاستعدادات لتوزيع كوبونات مخصصة لشراء وجبات غذائية خلال فترة الأعياد.
قصة “الدولار الواحد”
في منطقة عرمون، في قضاء عاليه في محافظة جبل لبنان، انطلقت مبادرة “الدولار الواحد”، والهدف من ورائها، تأمين مستلزمات عيد الفطر، لنحو 40 عائلة من الأشد فقراً. بدأت المبادرة كنوع من التضامن الاجتماعي بين أبناء المنطقة، خصوصاً الذين يمتلكون القدرة المالية للمساعدة. تقول ليلى الزعني -صاحبة المبادرة- “الهدف من وراء حملة “الدولار الواحد” تأمين مستلزمات العائلات خلال فترة عيدالفطر، سواء لناحية تأمين الأطعمة والحلويات، أو شراء كسوة العيد”.
بدأت تتوسع الفكرة في المناطق المجاورة، حيث تقوم العائلات الميسورة بالتبرع بدولار واحد في صناديق مخصصة داخل المحال التجارية، والبقالة، ومحلات الثياب. تشير الزعني، إلى أن المبادرة تحاول أن تساعد أكبر عدد ممكن من العائلات ضمن الإمكانات المتواضعة.
تحول عيد الفطر في لبنان إلى مناسبة لإظهار الدعم بين المواطنين، في ظل غياب أي أفق للنهوض بالاقتصاد اللبناني وتغير الأوضاع المعيشية، وباتت برامج التكافل الاجتماعي النمط السائد في البلاد.
Follow Us: