كتب وليد حسن : هي ليست قصة بيضة شوكولا (رفاهية يجب على الأطفال الاقلاع عنها!)، ومتاجر الأحياء السوبرماركت الكبيرة لم تعد تعرضها على رفوفها، بعدما بات ثمنها خيالياً، بل تطويعاً لأطفالنا للتخلي عن رغباتهم، والتعود على شظف الحياة وبؤسها، كما تعودنا نحن طوال هذه السنة.
تلك “البيضة” السحرية التي تنفطر قلوب الأطفال رغبةً فيها، باتت حلماً صعب المنال. ارتفع ثمنها رويداً رويداً، وبات باهظاً ويفوق قدرة الأهل على شرائها، فقرر التجار عدم تسلُّمِها. أدركتُ ذلك بعدما جلت على متاجر عدة في العاصمة لشراء “بيضة شوكولا”، لإسكات بكاء طفلتي. وكان الجواب واحداً: “كبر عقلك يا أستاذ، صار حقها 12 ألف ليرة. ما عم نشتريها لأن بطل حدا قادر يشتريها”.
نفذت دولارات رياض سلامة وبات معظم اللبنانيين فقراء. تخلوا عن سلع كثيرة وعودوا أطفالهم على زمن القلة والعوز. وبعدما تعود الكبار على حياة تعيسة مدقعة، وذل تسوّل أموالهم المودعة في المصارف، كما خططه لهم حكامهم طوال أعوام، ها هي الخطة تشمل أطفالهم. حتى الأطفال الذين لا يعرفون غير الطلب وتلبية الأهل رغباتهم، باتوا يدركون اليوم أنهم مقبلون على قحط وأيام عجاف.
لكنهم يقاومون بنوبات بكاء وصراخ. نحاول إقناعهم بأن دولارات رياض سلامة طارت وأخذت معها “البيضة”، وهي محفوظة وستعود لهم يوماً، إسوة بودائع اللبنانيين المحفوظة بدورها، كما أكد الحاكم مراراً وتكراراً. لكن كيف ولماذا يقتنع الأطفال؟!
يستمرون بالبكاء. وقد يرضخون في نهاية الأمر، كما رضخ اللبنانيون جميعاً. بات الأطفال يشعرون بتداعيات الأزمة الاقتصادية، ويدركون معانيها. وسيعرفونها ويعيشونها أكثر وأكثر، عندما يصبح أهلهم عاجزين عن شراء حتى الدواء لهم.
لن تستغرق المسألة أكثر من أسبوع من البكاء الصباحي المتواصل، لينتهي الأمر باستسلامهم المشروط بوعد الحصول على الكثير من “البيض” عندما يصبح متوفراً. وهذا يشبه ما وعدنا به سلامة: توافر ودائعنا عندما تسنح الفرصة. سيتعلم الأطفال الدرس سريعاً، كما تعلمناه قبلهم: ما كان متاحاً في السابق بات صعب المنال اليوم.
منذ عام تعودنا على البؤس الذي فرضته علينا سلطتنا. وبتنا راضين بكيس أرز مدعوم، أو بجهاد زراعي لتلافي الجوع.
تقبلنا تلك الأفكار “النيّرة” بفخر واعتزاز. تقبلنا نباهة زعمائنا وكرمهم، بلا مراجعة بأن هداياهم مسمومة، لإخضاعنا أكثر وأكثر، بديلاً عن تحطيم السلطة على رؤوسهم. وها نحن اليوم نعوّد أطفالنا على السكاكر المصنّعة منزلياً، بحجة أنها صحية أكثر. وربما نضطر إلى تعويدهم على تحمل ألم أوجاعهم، بعدما ينقطع الدواء، أو يصبح سلعة للمقتدرين فحسب. ومن يعلم ربما نقنعهم بأن هذا يكسبهم مناعة ذاتية بعيداً عن استهلاك الدواء.
تفكر الدولة بترشيد الدعم. أي جعله أكثر رشداً ورجاحة وتفهماً لحال البؤس والإفلاس الذي تعيشه الدولة. ولمَ لا؟! فلنكتفي بربطة الخبز العربي الذي سيبقى طحينها مدعوماً ومؤمناً، كما أكّد مدير عام الحبوب في وزارة الاقتصاد جرجس برباري. ما لنا وباقي الطحين الذي يدخل في صناعة الخبز الإفرنجي والحلويات؟ وهل الظروف تسمح برفاهية تناول الخبز الإفرنجي أو منقوشة الزعتر؟
و”لشو المدرسة؟! ما عم نعلملكم كامل”، ردد ذاك الإقطاعي على مسامع أهالي قرى الجنوب الذين أتوا لمطالبته بتشييد مدارس لتعليم أبنائهم، فصفق له بعض الجمهور.
حسناً، لنجاهد بالصناعة المنزلية، ونصنّع بيض الشوكولا والسكاكر والمناقيش، بعدما جاهدنا زراعياً وتحدينا واشنطن. ووزير الاقتصاد سيؤمن لنا طحيناً مدعوماً يفي بالغرض. فمتى سيخرج علينا وزير الاقتصاد راوول نعمة ناصحاً بأن سندويشة الزعتر المنزلية صحية أكثر من منتجات الأفران؟