المحامي طنوس فرنجية – سفير الشمال
آفة السياسة تشوّش المفاهيم واختلاط معاني المصطلحات التي تسود الحياة الوطنية في أيِّ بلد. إنها ظاهرة تؤدي على الدوام إلى تزايد الشروخ بين مكونات الشعب، لأنها تجعل الحوارات بينها عقيمةً بسبب أن كلَّ فريق يتحدث لغةً مختلفة تمامًا عن الآخر. لكن هذه الظاهرة ترتدي في لبنان طابعًا أشدَّ أذًى وأكثر تفريقًا بسبب طبيعة المجتمع السياسي اللبناني القائم أساسًا على اختلاط المعايير بين الطائفية والمذهبية والمناطقية والحزبية وسواها، اختلاطًا تتعمق فيه ظاهرة التشوش الفكري في فهم المعاني الوطنية. فإذا أردنا على سبيل المثال أن نتناقش في موضوعات السيادة أو المقاومة أو الشهادة أو الاستقلال أو العلاقة مع الخارج، لما أمكننا أن نجد نقطة اتفاق واحدة فيما بيننا عليها، لأن لها عندنا من المعاني المختلفة ما لا تبيحه قواميس العالم أجمع، إذ إن كلَّ طرفٍ يفسر هذه المصطلحات على وفق هواه السياسي، بل مصلحته السياسية.
لكنَّ الأمر يصير من الخطورة بمكان عندما تتجاوز المفاهيم دائرة التشوّش لتدخل دائرة الضلال، كأنْ تكتسب هنا أو هناك معانيَ مشوهة مزورة، لم تقل بها اللغة ولا الفكر ولا التاريخُ ولا الإيمان. ولعل من أكثر هذه المفاهيم ضلالًا في هذه البرهة من عمر الوطن، مفهوم “المسيحية” الذي يبادر بعض السياسيين إلى إسباغه على أطراف وحجبه عن أخرى، بصورة لا يكون فيها مسيحيًّا إلا من انتمى إلى هذا الحزب أو ذاك. إنه مفهوم ضالٌّ ومضلّل، فالمسيحيُّ الحق هو من تخلق بالفضائل التي بشر بها الإنجيل وأولها فضيلة المغفرة، لا من دوِّن الاسم على هويته، أو انتسب إلى حزبٍ بعينه نال بسبب العصبيات الطائفية والقانون المعتل تمثيلًا واسعًا في البرلمان، وهو ينادي بأفكار ومبادئ لا تتفق مع تعليم السيد المسيح، أو يُحدِثُ تصرفاتٍ لا إنجيلية. ومن هذا المنطلق أسأل: من يستطيع أن يجاري إذًا سليمان فرنجية في مسيحيته؟؟
ومن المفاهيم الضالة المضللة أيضًا، ما يروَّجُ له منذ مدة من أن على الذييتولى منصبًا وطنيًّا عامًّا أن يكون حائزًا على الإجماع أو الأكثرية الموصوفة في طائفته التي يعود لها هذا المنصب. فيما يفرضُ العيشُ المشتركُ عكس هذه القاعدة تمامًا، أي أن يكون مثل هذا الشخص مقبولًا من الآخر في الوطن لا من بيته فقط، لأنه عندما يتولى المنصب فللوطن كله لا لطائفته وحدها، وكلُّ تجربة خلاف ذلك لم يكن مصيرُها سوى الفشل كما علّمَنا التاريخ القديم جدًّا والحديث جدًّا. ومن هذا المنطلق أسأل ثانية: من أكثر مقبولية على الصعيد الوطني الشامل من سليمان فرنجية؟؟
وإذا سكتنا عن أدائه الوطني الذي لم يميز فيه بين مواطن وآخر طيلة تعاطيه العمل السياسي، وعن الإمكانيات التي يتمتع بها لناحية قدرته على معالجة الكثير من المشاكل التي تحيط بنا، يبقى السؤال الأساسي إذا كان زعيم تيار المردة هو الأكثر مسيحية بحسب المفهوم الصحيح للكلمة، والأكثر مقبولية من الآخر، بحسب الواقع الذي نراه بأم العين، فمن يكون أجدر منه بتولي سدة رئاسة الجمهورية؟؟