باسمة عطوي – نداء الوطن
يبدو أن الكباش بين موظفي القطاع العام والحكومة لا يزال مستمرّاً بالرغم من قرار مجلس الوزراء في 18 نيسان الجاري، الذي منح الموظفين 4 أضعاف رواتبهم ابتداءً من نهاية أيار المقبل ولمدة شهرين على أن يعاد تقييم القرار لاحقاً. ميزة الكباش الحاصل أن طرفي النزاع يرتديان «كفوفاً» أثناء جولات المنازلة، بمعنى أن كلاً منهما حريص على اتخاذ ما يناسبه من مواقف، لكن من دون إقفال باب الحوار مع الآخر ولو شكليّاً.
بهذا المعنى نجد أن الحكومة أفرغت ما في جعبتها للقطاع العام في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة ومشت، لكنها على استعداد للتواصل مع ممثلي الموظفين خلال الأسبوعين المقبلين من دون إلزام نفسها بشيء. في المقابل يرفض موظفو القطاع العام هذه الزيادة، وأعلنوا استمرارهم بالإضراب، لكن من دون التوقّف عن التواصل مع اللجنة الوزارية المكلّفة ترجمة مطالبهم الى قرارات حكومية نهائية. أما القطاع التربوي بفروعه المتعدّدة، فهو يحتاج أيضاً الى إيضاحات من الحكومة ليعلن موقفه النهائي من الزيادات وليبني على الشيء مقتضاه، علماً أن العام الدراسي في الجامعة اللبنانية والمدارس الرسمية الأكاديمية والمهنية لا يزال مستمرّاً.
زيادات يأكلها إرتفاع الدولار
بناء على ما تقدّم يمكن القول إن الزيادات التي أقرّتها الحكومة للقطاع العام، لم تحلّ المشكلة لا حسابياً ولا واقعياً. فبلغة الأرقام قرّرت الحكومة إعطاء زيادة للعاملين في الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات واتّحاداتها، توازي أربعة أضعاف الراتب الأساسي، تضاف الى الرواتب الثلاثة المقرّرة بموجب المادة 111 من موازنة العام 2022، وذلك اعتباراً من نهاية شهر أيار للعام 2023. وهذا يعني أنه بالنسبة إلى موظف الفئة الرابعة الذي يبلغ راتبه الأساسي 2,800,000 ل.ل (مليونان وثمانمئة ألف ليرة لبنانية) حتى 2023/1/1، فهو يستفيد حكماً من مضمون المادة 111 من قانون موازنة العام 2022 بمساعدة إجتماعية بقيمة راتبين إضافيين على راتبه الأساسي، فيكون راتبه مع المساعدة 8,400,000 ل.ل. لكن هذا الموظف كان يقوم بتحويل راتبه سابقاً على أساس سعر منصة صيرفة الرسمي المحدّد بـ42500 ليرة، فيكون راتبه بالدولار الأميركي قبل الزيادة الأخيرة 197,7 دولاراً. أما بعد إضافة التعويضات الجديدة بقيمة أربعة رواتب، فيكون راتبه 19,600,000 ل.ل. وإذا أراد تحويل الراتب الجديد على سعر منصة صيرفة الجديد المحدّد بـ90 ألف ليرة لبنانية حالياً فيكون بقيمة 217,77 دولاراً أي بزيادة قدرها $20,13، وهذه الزيادة لن تغطي بالتأكيد موجة التضخّم القادمة بفعل رفع الدولار الجمركي والذي سيشمل مواد أساسية وليس كمالية فقط.
نصر: لن نقبل… مستمرّون بالإضراب
تشرح رئيسة رابطة موظفي الدولة نوال نصر لـ»نداء الوطن» أن «الزيادات التي أقرّتها الحكومة لا مفعول لها، وفي القريب العاجل ستتحوّل الى صفر مع ربطها بسعر دولار صيرفة، والزيادات التي حصلت مقارنة مع دولار اليوم لا تساوي شيئاً لأن الموظف الذي يتقاضى 7 ملايين ليرة لن يزيد راتبه عن 50 دولاراً لأن حسومات وزارة المالية ستبلغ 10 دولارات»، موضحة أنه في «شهر آذار كان راتب هذا الموظف نفسه قبل ارتفاع سعر دولار السوق السوداء 100 دولار، مع التنويه بأن هذه الزيادة التي تمّ إقرارها لن يتم قبضها إلا في نهاية شهر أيار، فمن يضمن عدم ارتفاع دولار السوق السوداء ورفع دولار صيرفة؟».
تضيف: «هذه الزيادة لم تترافق مع دعم الاستشفاء لتعاونية موظفي الدولة، أو مع زيادة كافية لبدلات النقل والتي حدّدت بـ450 ألف ليرة يومياً وهي لا تكفي للتنقّل داخل بيروت. كما أننا نرفض إقرار هذه الزيادة ليتمّ التذرّع بها وبنا، لرفع الدولار الجمركي وزيادة الضرائب والرسوم على الشعب اللبناني من دون أن نكون المستفيدين الحقيقيين من هذه الزيادة».
تلفت نصر الى أن «الرابطة لا تزال في حالة إضراب حتى نهاية الأسبوع المقبل، وهي تتفاوض مع المعنيين على أن يستجدّ أي تطوّر إيجابي»، مشدّدة على أن «الاستمرار في الإضراب هو بسبب أن الموظفين لا يمكنهم الوصول الى عملهم من الآن وحتى آخر أيار موعد استحقاق الزيادة الجديدة».
وتختم: «نصرّ على أن يكون هناك سعر خاص لدولار رواتب الموظفين، حتى نستقرّ على رقم يؤمّن العيش الكريم».
الأسمر: سياسة فنّ الممكن
على ضفّة الإتحاد العمالي العام، يقول رئيس الإتحاد بشارة الأسمر لـ»نداء الوطن»، إن «الزيادة في القطاعين العام والخاص لا تفي بما هو مطلوب بل هي نتيجة المفاوضات التي حصلت ونتيجة سياسة فنّ الممكن، وبلّغنا الرئيس ميقاتي أن الزيادات التي طرأت في القطاع العام غير مقبولة، ويجب إشراك المعنيين بالمفاوضات وفي اللجنة الوزارية التي تألّفت لصياغة هذه الزيادات والمساعدات التي لا تدخل في أساس الراتب».
يضيف: «مطالبنا أن يدخل جزء من هذه المساعدات في أساس الراتب كي ينعكس على التعويضات لاحقاً، لأن رواتب القطاع العام لا تزال على دولار الـ1500 ليرة، بالإضافة الى تفعيل خدمات تعاونية موظفي الدولة وايجاد نوع من توزيع عادل بين موظفي الفئات العادية وموظفي الفئات العليا».
ويشدّد الأسمر على أن «الرئيس نجيب ميقاتي منفتح على الحوار مع رابطة موظفي الإدارة العامة، ومن المفترض أن يكون هناك جلسة هذا الأسبوع بين الجانبين، علماً أن الجميع يعلم أن مشروع هذه الزيادات هو لمدة شهرين فقط، وسيعاد تقييمه لاحقاً في ضوء الأموال التي ستدخل الى خزينة الدولة بعد رفع الدولار الجمركي ومدى مواءمتها للزيادات التي أقرّت».
ويختم: «الحوار ينتج الحلول خصوصاً أن مداخيل الدولة الأساسية تعتمد على نشاط القطاع العام، ومن الضروري استنهاض الدولة من جديد لكي تتمكّن من جباية حقوقها ورسومها كما يجب، وليس أن نحمّل الفقير والطبقات الأكثر هشاشة عبء الزيادات المطروحة، لأن القطاع العام بات فقيراً ومعدماً».
شربل: زيادات وهمية للأستاذ الجامعي
في القطاع التعليمي، لم تأت الزيادة على قدر الآمال، لذلك فجميع المعنيين بهذا القطاع في حالة تشاور لاتّخاذ قرار نهائي منها في المقبل من الأيام. وفي هذا الإطار يشرح رئيس رابطة الأساتذة المتفرّغين في الجامعة اللبنانية انطوان شربل لـ»نداء الوطن» أن «الزيادات الوهمية التي حصلت لا تفي الأستاذ الجامعي حقّه، علماً أنه يحاول الاستمرار باللحم الحيّ لإبقاء الجامعة اللبنانية «واقفة على رجليها»، والحفاظ على مستواها الأكاديمي العالي، وهو في حالة انكشاف مادياً وصحياً واجتماعياً، هو حريص على الطلاب والعام الجامعي، وفي الوقت نفسه حريص على كرامة عائلته».
يضيف: «اقتراحي أن يكون هناك خطة طارئة تربوية وأكاديمية لمعالجة الأزمة التي نتخبّط فيها، فالأستاذ الجامعي لا يكافأ بالفتات والترقيع تحت مسمّيات الإنتاجية التي لا تغني ولا تسمن من جوع»، مشدّداً على أن «الرابطة في مرحلة التشاور مع الجسم الأكاديمي في الجامعة، عبر جمعيات عامة في كل الفروع للاستماع الى آراء الأساتذة، وأيضاً من خلال المندوبين لكي يكون القرار الذي سيتّخذ نابعاً من نقاش جماعي، ويصدر لاحقاً عن الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة».
ويختم: «العام الجامعي لا يزال مستمرّاً حتى الساعة وبصعوبة. لدينا أكثر من سيناريو لاحقاً والأمور مفتوحة على جميع الاحتمالات، أي قرار سيتّخذ هو بمشاركة جميع الأساتذة، مطالبنا محقّة ولعلّ أبرزها المستحقات التي تمّ جنيها من فحوصات pcr، والتي يمكن عبرها إنعاش الجامعة اللبنانية بالإضافة الى دعم صندوق التعاضد».
بو فرنسيس: بانتظار الأسبوع المقبل
من جهته يؤكد رئيس رابطة التعليم المهني والتقني سايد بو فرنسيس لـ»نداء الوطن» أن «القطاع التعليمي الرسمي الأكاديمي والمهني مستمرّ في التعليم، لكنّ اتّصالاتنا مكثّفة مع وزارة التربية وبالتعاون مع روابط أساتذة التعليم الأساسي والثانوي، لتوضيح القرارات التي صدرت والى أي مدى ستشمل الأساتذة»، لافتاً الى أن «هذا الأمر سيوضّح هذا الأسبوع من خلال لقائنا المرتقب مع وزير التربية عباس الحلبي، وبناء عليه نبني على الشيء مقتضاه».