عبد الكافي الصمد – سفير الشمال
موقفان صدرا عن المفوضية السّامية لشؤون اللاجئين في لبنان بما يتعلق بالنّازحين السّوريين فيه، في خضم السّجال الإعلامي الواسع الذي نشب في الأيّام الأخيرة حول وجودهم فيه، أعطيا إشارة واضحة إلى أنّ الملف سيكون حاضراً بقوة في المرحلة المقبلة على جميع المستويات.
التصريح الأوّل جاء على شكل تسريب إعلامي من قبل المفوضية شدّد فيه المصدر الذي سرّب الخبر بأنّ “إجبار لبنان النّازحين السوريين على العودة إلى بلادهم بالقوة، سيؤدي إلى توقيف الدعم الذي تقدمه المفوضية إلى لبنان بشكل كامل، ولن تدفع بعد ذلك قرشاً واحداً للحكومة اللبنانية”.
هذا التسريب جاء ردّاً على إعادة السّلطات اللبنانية 62 نازحاً سورياً إلى بلدهم بعد ضبطهم يدخلون لبنان خلسة بطريقة غير شرعية عن طريق التهريب، معتبرة إيّاهم ليسوا نازحين، وبالتالي لا تنطبق عليهم الشروط التي ينبغي توفرها في النّازحين أو المقيمين في البلاد بطريقة شرعية، سواء للعمل أو الدّراسة أو ما شابه.
وأعقب هذا التطوّر موقفين يعبّران عن “الكباش” الدائر بين السّلطات اللبنانية وبين المفوضية العليا لشؤون النّازحين، الأول عندما أشار مسؤولون لبنانيون إلى أنّ نحو 37 ألف نازح سوري غادروا إلى بلدهم خلال عطلة عيد الفطر بطريقة غير شرعية وعادوا إلى لبنان بالطريقة ذاتها، وهؤلاء أسماءهم مسجلة ضمن لوائح النّازحين الذين يستفيدون من تقديمات جهات مانحة، لكنّ ذهابهم إلى بلدهم يعني أنّ صفة النّازح لم تعد تنطبق عليهم، وبأنّهم ذهبوا إلى سوريا وعادوا منها بطريقة غير شرعية لكي يحافظوا على التقديمات والمساعدات التي يحصلون عليها.
تزامن ذلك مع توجيه الحكومة اللبنانية رسالة شديدة اللهجة إلى المفوضية، بعدما أمهل الإجتماع الحكومي الذي عقد مؤخّراً المفوضية أسبوعاً واحداً لإعطاء الحكومة اللبنانية “داتا” المعلومات الموجودة لديها عن النّازحين السوريين في لبنان، ما ينذر بأن يشهد هذا الأسبوع الكثير من التجاذب والضغط حول ملف النّازحين في لبنان الذي فتح خلال الأيّام الأخيرة على مصراعيه.
تداعيات التصريح الأول للمفوضية إستدعى إستدراكاً من المتحدثة بإسم المفوضية ليزا أبو خالد التي حاولت فيه تدوير الزوايا والقول إنّ عودة النّازحين تستوجب تحضيرات لم تنجز بعد، عندما أكّدت أنّ “المفوضية تحترم حق النّازحين الأساسي في العودة بحريّة وطوعية إلى بلدهم، وفي الوقت الذين هم يختارونه”، مؤكّدةً أن المفوضية “لا تعيق عودة النّازحين إلى سوريا”، وموضحة أنّ “غالبية النازحين السّوريين قد قالوا للمفوضية إنهم يريدون العودة إلى سوريا، والسؤال ليس ما إذا كانوا يرغبون بالعودة، ولكن متى يعودون، ولا تزال نوايا النازحين مرتبطة بالوضع داخل سوريا، وتؤثر مجموعة من العوامل على قرارهم بالعودة أو بعدمها”، مبرّرة ذلك بأنّ معظم النّازحين يقولون للمفوضية إنهم “ما زالوا قلقين بشأن السّلامة والأمن والسّكن وتأمين الخدمات الأساسية وسبل العيش”.
هل يعني ذلك أنّ ملف عودة النّازحين السّوريين قد وُضع على نار حامية، أم أنّ ما شهدته الأيّام الماضية ليس أكثر من “فورة” ستخمد قريباً لأسباب ومصالح سياسية ومالية؟ الأيام المقبلة وحدها ستحمل الإجابة على هذا السؤال.