اذا كانت الشكليات تملأ فراغ الساحة السياسية في انتظار الفرج الموعود في تشكيل حكومة طال انتظارها وباتت البيانات الدولية على تنوعها واختلاف مصادرها تردد لازمة استعجالها اسوة بأدبيات الازمات التي اعتاد اللبنانيون سماعها حتى الملل، فان حكومة تصريف الاعمال برئاسة الرئيس حسان دياب كانت امس نجما غير منازع على نجوميته. ملأت اجتماعات السرايا الماراتونية طوال النهار وحتى المساء المتقدم، شكلا على الأقل وفي انتظار استكشاف المضمون من القرارات، ما كان ينبغي لحكومة كاملة الصلاحيات ان تتولاه لجهة بت وتقرير مسألة حيوية معيشيا وحياتيا واجتماعيا واقتصاديا، وهي مسالة دعم المواد الحياتية، رفعا او ترشيدا، بما لا يفجر الواقع الاجتماعي ويشعل الشارع ولا يسرع الاجهاز السريع على المتبقي من الاحتياط الإلزامي بالعملات الأجنبية في مصرف لبنان. شغل يوم الدعم باجتماعاته الماراتونية في السرايا بلوغا الى توصياته بترشيد الدعم المشهد الداخلي بامتياز، فيما ازدادت خلف الكواليس الشكوك في امكان ان يخرج رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مساء اليوم من قصر بعبدا ببشرى انجاز التفاهم الصعب، وربما المستحيل، مع شريكه في التاليف رئيس الجمهورية ميشال عون.
ذلك ان أي معطيات جديدة وجدية لم تبرز حيال الجزم في ان المسار المتعثر لتأليف الحكومة سيتبدل بعد الاجتماع الذي سيعقد في الرابعة والنصف بعد ظهر اليوم في قصر بعبدا بين الرئيسين عون والحريري، والذي كان الرئيس المكلف لمح الاثنين الى امله في ان يتم خلاله بت “أمور أساسية” من دون ان يفصح عن طبيعة هذه الأمور. ولكن المعلومات المسربة عن اللقاء الأخير وعن الأجواء التي سبقت لقاء اليوم، اشارت الى ان مناخا مشدودا لا يزال يحكم المشاورات بين عون والحريري لجهة التباين الواسع بينهما في شان حجم الحكومة بين 18 وزيرا كما يصر على ذلك الحريري وعشرين وزيرا او اكثر كما يصر على ذلك عون. كما ان الاجتماع الأخير وان كان لم يشهد نقاشا مستفيضا بدليل اقتصار مدة اللقاء على نحو 25 دقيقة فقط، فانه شهد تجدد التباين الحاد حول عدد الوزراء المسيحيين الذين يطالب بهم الرئيس وفريقه أي “التيار الوطني الحر” بما يكفل للفريق الرئاسي التحكم بثلث معطل لا يمكن الحريري التسليم به تحت أي مبرر. فسواء كانت التركيبة من 18 وزيرا او اكثر يبدو واضحا وفق هذه المعطيات ان موضوع الثلث المعطل الرئاسي أي الذي يشمل حصة الرئيس وتياره غدت اللغم الأخطر الذي يهدد الاختبار الجديد والمحاولة الأحدث لإحداث خرق موعود في جدار الانسداد السياسي.
هجوم مفاجئ
وفيما كان لوحظ في هذا السياق ان الثنائي الشيعي التزم “النأي بالنفس” عن أي محاولة لعب دور بحجة عدم التدخل بين الرئيسين، برز مساء امس تطور مفاجئ تمثل بهجوم ناري حاد شنته محطة ”ان بي ان” الوثيقة الصلة برئيس مجلس النواب نبيه بري على الرئيس عون مباشرة على خلفية كلامه امس امام مجلس القضاء الأعلى فسألت: من يا فخامة الرئيس عطل التشكيلات القضائية ولمصلحة من ؟ من يريد ان يصيب الجسم القضائي بالشلل… العجب كل العجب ممن يتحدث بلغة الحريص فيما هو نفسه من سطر مضبطة إعدام القضاء”. وذهبت المحطة ابعد في الشأن الحكومي متهمة رئيس الجمهورية “بالتمييع والمماطلة لتحقيق مكاسب ضيقة وكأن الناس ما زالت تستطيع ان تتحمل المزيد من المغامرات”.
وأشارت معلومات امس الى ان الحريري عرض في اللقاء الأخير مع عون تشكيلة موزعة على الطوائف على ان يزوده اليوم أسماء الوزراء الموزعين على الحقائب ولو ان التوافق بينهما على هذا التوزيع لم يتحقق بعد خلافا لما ذكر عن بعض الحقائب الأساسية كالداخلية والطاقة والاتصالات. وتضيف هذه المعلومات ان ثمة شكوكا في ان يقبل رئيس الجمهورية أي تشكيلة لن تلحظ الثلث المعطل له ولـ”التيار الوطني الحر” من خلال أكثرية الوزراء المسيحيين كما الحقائب التي سيتمسك بها. ولذا ليس ثمة انطباعات إيجابية حيال أي اختراق إيجابي وشيك علما ان تحريك الحريري للمشاورات مع عون فضلا عن اعلان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اعتزامه زيارة لبنان هذا الشهر، لا يزالان يشكلان عاملي رهان لدى جهات سياسية مطلعة على ان اختراقا سيكون ممكنا قبل نهاية السنة.
ورشة السرايا
اما في ما يتصل بملف الدعم الذي شغل المشهد الداخلي لليوم الثاني تواليا فشهدت السرايا الحكومية سلسلة اجتماعات متواصلة طوال النهار امتدادا حتى الليل في ورشة شاركت فيها كل الوزارات والقطاعات المعنية بالدعم على السلع والمواد الاستهلاكية الأساسية . وجاء انعقاد هذه الورشة بعدما رفض رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب تكرارا عقد جلسة لمجلس الوزراء الحكومة المستقيلة تحت حجة الظروف الاستثنائية خشية تحميله والحكومة المستقيلة وزر مخالفة الدستور وتبعاتها. وأوضح دياب في الاجتماعات المتلاحقة التي رأسها ان نية حكومة تصريف الاعمال لم تكن رفع الدعم بل كانت منذ البداية ترشيد الدعم، وشدد على ان الأمور الحياتية الأساسية للمواطن اللبناني كالدواء والطحين هي خط احمر. واختتمت الورشة باجتماع حضره الوزراء وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة صدرت على اثره “رؤية المجتمعين” متضمنة جملة نقاط منها: عدم المس بسعر رغيف الخبز، دعم الأدوية الأساسية وادوية الأمراض المزمنة، الإبقاء على دعم المواد الغذائية الأساسية، دراسة آلية تخفيض الفاتورة النفطية، تسريع دراسة بطاقة الدعم التمويلي، على ان يتم وضع صيغة متكاملة خلال أسبوع.
الخلاصات الأوروبية
وسط هذه الأجواء تلقت المبادرة الفرنسية مزيدا من الدفع الأوروبي من خلال الخلاصات التي أصدرها امس مجلس الاتحاد الأوروبي في شأن لبنان. وإذ ابدى الاتحاد “قلقه المتزايد من الازمة المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخطيرة التي استمرت في التفاقم”، دعا “القيادة السياسية في لبنان الى الاصغاء الى الناس وهم يعبرون بوضوح عن طموحاتهم ومخاوفهم وان تنفذ الإصلاحات من دون مزيد من التأخير”. كما شدد في خلاصاته على ضرورة استئناف المحادثات الفاعلة مع صندوق النقد الدولي في اقرب وقت وتنفيذ أولويات مثل اعتماد قانون كابيتال كونترول واجراء التدقيق الجنائي في مصرف لبنان. ودعا القوى السياسية اللبنانية الى “دعم التشكيل العاجل لحكومة مهمة تتمتع بالصدقية وخاضعة للمساءلة وقادرة على تنفيذ الإصلاحات اللازمة”.