تقدم ملف رفع أو ترشيد الدعم في الساعات القليلة الماضية على ما عداه من ملفات وبالتحديد على الملف الحكومي المفترض أن يوضع اليوم على طاولة البحث والنقاش الجدي بعد أكثر من أسبوعين على حالة الجمود التام التي شهدها. وتحول السراي الحكومي يوم أمس الثلاثاء خلية نحل للوصول لحلول وسط تُجنب الشارع الانفجار وبنفس الوقت تسمح بالحفاظ على المخزون الاحتياطي النقدي المتبقي لفترة أطول.
ويبدو واضحا ان الدفع يتم باتجاه تحميل حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها حسان دياب مسؤولية وتبعات «ترشيد الدعم» الذي بات حتميا ومن المفترض ان يقترن بخطوات عملية مطلع العام. وفي هذا السياق تقول مصادر مطلعة ان كل القوى متفقة على وجوب اتخاذ هذا القرار في كنف الحكومة الحالية كي لا يتم تسليم الحكومة الجديدة كرة نار تحرق يديها عند انطلاقتها، لافتة الى ان دياب يدرك ذلك تماما ولذلك يحاول قدر المستطاع المماطلة في بت الموضوع ليرد لكل القوى الصاع صاعين. وتضيف المصادر لـ«الديار»: «رئيس حكومة تصريف الاعمال ممتعض من كل القوى دون استثناء وعلى رأسها من يفترض انها كانت شريكته اي التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية، باعتبار انه كان يعي منذ تسلمه مهام رئاسة السلطة التنفيذية ان باقي القوى ستعمل على وضع العصي في دواليبه وعلى رأسها رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس المجلس النيابي نبيه بري..اما ما لم يكن يتوقعه ان يتركه شركاؤه في منتصف الطريق، لذلك هو غير متحمس على الاطلاق ليكون مرة جديدة كبش محرقة للطبقة السياسية التي تمعن بتحميل حكومته مسؤولية فساد وسرقة ومحاصصة مستشرية منذ 30 عاما».
وحتى الساعة لم يتضح كيف سيتخذ قرار «ترشيد الدعم» وما اذا كان سيحصل باجتماع استثنائي لحكومة تصريف الاعمال، يرفضه دياب رفضا قاطعا، او من خلال قرار يتخذه وزير الاقتصاد من خلال خفض عدد السلع المدعومة. ويتقاذف دياب والوزراء المعنيون كما حاكم مصرف لبنان ورئاسة الجمهورية وحتى رئيس الحكومة المكلف كرة «ترشيد الدعم» خوفا من رد فعل الشارع الذي تحرك ليل الاثنين – الثلاثاء بعدما تردد عن توجه عن رفع الدعم على الطحين وغيره من المواد الاساسية. وبحسب المعلومات، اتخذت القوى الامنية اجراءات جديدة تحسبا لتحركات شعبية واسعة تطال المؤسسات الرسمية ومنازل وزراء حاليين وسابقين، خاصة في ظل المعطيات عن ان الشارع قاب قوسين أو أدنى من انفجار جديد بعد انحدار أكثر من 60% من اللبنانيين الى ما دون خط الفقر.
وبعد سلسلة اجتماعات خصصت لمناقشة ترشيد الدعم في السراي الحكومي عرضت خلالها خطط الوزارات لتنظيم كلفة الاستيراد والدعم على ان تستكمل الاجتماعات اليوم الاربعاء في اطار ورش عمل تفصيلية، أكد دياب أنه «لم تكن نية حكومة تصريف الأعمال رفع الدعم بل كان توجهنا منذ البداية ترشيد الدعم»، مشيراً الى أننا «نحاول ترشيد الدعم قدر الإمكان لكي نحافظ على المخزون الإحتياطي النقدي المتبقي لفترة أطول». ورأى دياب أن «الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي يمر بها لبنان كانت نتيجة سنوات طويلة من السياسات السيئة».وقال دياب: «نقوم بورشة اجتماعات لإشراك القطاعات المعنية كافة بالتوصل للحل الأفضل لترشيد الدعم. نحن نعمل على تخفيض السلة الغذائية المدعومة لكي تشمل فقط السلع والمواد التي تشكل الأولوية والأساس للمواطن».
ويبدو أن كل القوى السياسية حسمت أمرها من موضوع وجوب عدم استمرار سياسة الدعم على ما هي عليه، وأجمعت على السير بـ «ترشيده» لا الغائه. وفي هذا المجال، قال رئيس لجنة الاعلام والاتصالات النائب حسين الحاج حسن أن «كتلة «الوفاء للمقاومة» تؤيد ترشيد الدعم وليس رفعه لأن خيار رفع الدعم يعتبر مأساة للشعب اللبناني، لا سيما الطبقات الفقرة ومحدودة الدخل». كذلك قال رئيس لجنة الادارة والعدل النيابية النائب جورج عدوان ان «لا شيء اسمه رفع الدعم. وما يحكى عنه هو ترشيد الدعم». واضاف: «نحن دفعنا للدعم حوالى 6 او 7 مليار في السنة، الثلث الاول ذهب الى حيث يجب ان يذهب، الثلث الثاني ذهب الى حيث لا يجب ان يذهب والثلث الاخير هرب الى خارج لبنان. لقد دفعنا ثلثي الدعم لغير المستحقين. التفكير اليوم هو ان الدعم يجب الا يذهب الى السلعة، بل الى المواطنين الذين هم بحاجة من خلال بطاقة تموينية. وهذا الامر يتطلب دراسة وتنظيم موضوعي لهؤلاء الناس».
وبالعودة الى الملف الحكومي، كشفت مصادر مطلعة ان الرئيس الحريري لم يقدم اي تشكيلة للرئيس عون في الاجتماع الذي عقداه يوم الاثنين، لافتة الى ان عنوان اللقاء كان «كسر القطيعة». وأضافت لـ «الديار»:«أصلا هو لم يدم اكثر من نصف ساعة واقتصر على بعض العتاب وتم الاتفاق على ان يتم البحث الجدي بالملف اليوم الاربعاء».
وأشارت المصادر الى ان لقاء اليوم سيكون مصيريا، اذ سيحدد المسار الذي ستسلكه عملية التشكيل علما ان الحريري سيصعد الى بعبدا حاملا تشكيلة شبه مكتملة بعدما حصل على مجموعة اسماء لوزراء شيعة من الرئيس بري وعلى اسم وزيري «المردة»، على ان يكون التحدي في التوصل الى اتفاق على اسماء الوزراء المسيحيين، التي لا تزال ابرز العقد المطروحة في ظل اصرار عون ومن خلفه رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل على وجوب التزام الحريري بمبدأ «وحدة المعايير». وبحسب المعلومات، فان تحرك الحريري مجددا باتجاه بعبدا يتم بدفع وضغط فرنسي، باعتبار ان باريس تصر على حصول خرق كبير في الملف الحكومي قبل الزيارة المرتقبة للرئيس ايمانويل ماكرون قبل عيد الميلاد.
وتزامنا مع متابعته ملفي الحكومة والدعم، عرض الرئيس عون يوم امس الأوضاع القضائية وعمل المحاكم مع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود وأعضاء المجلس.
وشدد عون خلال اللقاء، على «ضرورة تفعيل العمل القضائي والاسراع في النظر في القضايا العالقة امام المحاكم»، داعيا «الجسم القضائي الى عدم التأثر بالحملات السياسية والإعلامية التي تستهدف بعض القضاة، مع التشديد خصوصا على عدم حصول تجاوزات في اثناء ممارستهم لعملهم وخصوصا أن دور القضاء أساسي في مكافحة الفساد وملاحقة المرتكبين بالاضافة الى كونه الملاذ الأخير للمواطنين، بحثا عن العدالة واحقاقا للحق وحفظا للحقوق».
واعتبر أن الاتهامات التي توجه الى المسؤولين لا يجوز أن تبقى من دون متابعة والاستماع الى مطلقي هذه الاتهامات على سبيل الشهادة على الأقل لاثبات البينات والأدلة التي في حوزتهم.