بعد استئناف التدريس في التعليم الرسمي، قبل أكثر من شهر ونصف الشهر، في ضوء الحلحلة التي أدّت إلى عودة المعلمين إلى الصفوف خصوصاً في التعليم الثانوي رغم استمرار مقاطعة عدد قليل منهم، فيما يسلك التعليم في الأساسي آلياته الطبيعية وقطع شوطاً كبيراً في التعويض، يجري التركيز على تكثيف الدروس وزيادة أيام التعليم التي يُفترض وفق قرار وزارة التربية والتعليم العالي أن تنتهي في 15 حزيران المقبل. وهذا يعني تمديداً لأسابيع الدراسة من أجل التعويض، فيما تشير تقارير محلية ودولية إلى أن تداعيات إقفال المدارس والإضرابات منذ أربع سنوات كانت كارثية على مستوى التعليم وجودته، وهو ما أثّر سلباً على تحصيل التلامذة.
التغني بالنظام التعليمي في لبنان وإنجازاته في العلوم والرياضيات واللغات وأيضاً في الجودة والمعايير، صار من الماضي، لا بل إن الأزمات انعكست في شكل كارثي على البنيان التعليمي كله وعلى دور الحركة النقابية التعليمية التي تفككت ضمن أجندات خاصة، وتحتاج إعادة بنائها الى سنوات لا يستقيم الأمر معها إلا بمعالجة شاملة لقطاع التعليم وسياسات تربوية برؤىً جديدة. وعلى الرغم من انتظام الدراسة في المدارس الخاصة هذه السنة، وتمكنها من إنجاز المناهج، فإن أزمات الأعوام السابقة وتعطل الدراسة من جراء وباء كورونا والتعطيل تسببت بفقدان تعليمي كبير، فتأثر جيل كامل بين عامي 2020 و2022، نتيجة التوقف عن التعليم وتراجع مستواه، إضافة إلى تدني الكفاءة التعليمية. وبينما أصرت وزارة التربية على العودة إلى التعليم الحضوري، كانت نتائج استمرار الانهيار في البلد كارثية على التحصيل التعليمي للتلامذة، إضافة إلى تراجع أداء المعلمين مع انهيار قدرتهم المعيشية، وهو ما جعل لبنان متخلفاً في الجودة التعليمية وأيضاً على مستوى التعليم العالي.
يحتاج تلامذة لبنان خصوصاً في الرسمي إلى الكثير للتعويض، وإن كانت تُبذل جهود كبيرة لإعادة انتظام العملية التعليمية، لكن ينبغي أن يُدرج في سياق الاستثمار في التعليم إضافة إلى البرامج العلاجية للتعويض عن التعليم الضائع وخلق الفرص للحاق بالجودة التي سبقتنا دول عربية كثيرة فيها. والأمر الأخطر أنه كلما تراجعت الجودة يفقد تلامذة لبنان وطلابه الفرص في الخارج وتحديداً في نيل وظائف تحتاج إلى مستوى تعليمي متقدّم مرتبط بالتكنولوجيا.
لا يعني ذلك أن لبنان فقد كل الفرص للعودة إلى تبوّؤ موقع متقدّم في تصنيفات الجودة التعليمية، إذ لا تزال لدينا الإمكانات للنهوض، وهو ما أضاء عليه تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي في الجودة التعليمية، إذ حلّ لبنان ثالثاً عربياً و18 عالمياً، لكن هذا المؤشر لا يعكس ما حلّ بالتعليم فعلاً من انهيارات، علماً بأنه يراعي مؤشرات الابتكار والجودة والالتزام بالمعايير العالمية لساعات التدريس، وهذه مؤشرات ستظهر نتائجها السلبية لبنانياً خلال السنوات المقبلة.
الواقع اليوم يشير إلى أن لبنان متأخر عن متوسط جودة التعليم العالمي إذا أخذنا في الاعتبار الفاقد التعليمي خلال السنوات الماضية، إذ تشير دراسات إلى أننا نحتاج إلى 4 سنوات على الأقل للحاق بالجودة عبر التعليم المكثّف والفعّال، وذلك لإعادة التوازن إلى مستوى التعليم، وهذا يتطلب إضافة إلى سياسات تربوية حديثة وتقييم واستثمار، العودة إلى التعليم الكامل وتثبيت 32 أسبوعاً دراسياً و170 يوماً دراسياً، علماً بأن لبنان يعلّم في الأوقات الطبيعية 140 يوماً فعلياً. أما خلال السنوات الماضية، فلم يتعلم تلامذة لبنان 19 أسبوعاً في 2020 و2021 ثم 23 أسبوعاً فعلياً في 2022 وهناك رهان هذه السنة على زيادة أسابيع التعليم في الرسمي إلى 25. نحتاج أيضاً إلى درس مواطن الضعف الأكاديمي للتلامذة اللبنانيين منذ أن بدأ التراجع والشروع في الإصلاحات ومواكبة المفاهيم العلمية عالمياً، لكن الأهم يبقى في التركيز على دور المعلمين.
ابراهيم حيدر – النهار