تراجعت أسعار الغاز الأوروبية إلى أدنى مستوى لها منذ بداية أزمة الطاقة، مما عزز الآمال في انتعاش اقتصادي أقوى مع انحسار ضغوط الطاقة، وذلك بحسب صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية.
وسجل “تي تي إف TTF “، وهو المعيار القياسي الأوروبي للأسعار أدنى، مستوى له عند 35.20 يورو (39.46 دولار) لكل ميغاوات في الساعة يوم الجمعة، وهو مستوى شوهد آخر مرة في يوليو من العام 2021 عندما بدأت روسيا في الضغط على إمدادات الطاقة في أوروبا قبل غزوها لأوكرانيا.
وارتفع المؤشر لاحقًا بشكل طفيف لينهي الأسبوع عند 35.95 يورو، أي ما يعادل 40.30 دولار أميركيا تقريبا.
ووصل مؤشر “تي تي إف” إلى ذروته عند أكثر من 340 يورو(381 دولار تقريبا) لكل ميغاوات في الساعة خلال الصيف الماضي بعد أن خفضت روسيا صادرات الغاز إلى أوروبا، مما أدى إلى إذكاء نار التضخم ودفع فواتير الطاقة للارتفاع بشكل باهظ.
وعزز الانخفاض نحو 35 يورو لكل ميغاوات في الساعة الرأي القائل بأن أسعار الطاقة تعود إلى طبيعتها بعد أن نجحت أوروبا في استغلال مصادر الغاز البديلة، وتسريع انتشار الطاقة المتجددة والاستفادة من فصل الشتاء المعتدل الذي ترك مواقع تخزين الغاز ممتلئة.
وهبطت أسعار النفط أيضًا، وذلك مع انخفاض خام برنت إلى ما يقرب من 75 دولارًا للبرميل بعد أن تم تداوله فوق 100 دولار للبرميل خلال معظم العام الماضي، متراجعًا إلى المستوى الذي كان يتداول به تقريبًا قبل غزو أوكرانيا.
وأوضح المحلل في مورغان ستانلي، مارتين راتس، أن أوروبا الآن في وضع يمكنها من إعادة ملء مواقع تخزين الغاز بنسبة 100 في المائة وهو أمر حاسم لتلبية الطلب في فصل الشتاء حتى لو انخفضت الإمدادات الروسية إلى الصفر.
ونوه إلى أن الأسعار تنخفض في الوقت الحالي لإبطاء وصول الشحنات المنقولة بحرا من الغاز الطبيعي المسال التي سارعت أوروبا لتأمينها العام الماضي لتحل محل التدفقات الروسية.
قال راتس: “لا توجد مساحة كافية في سعة التخزين في أوروبا”، مشيرًا إلى أن سعة التخزين كانت بالفعل تصل إلى 60 في المائة من السعة، مقارنا ذلك بحوالي 35 في المائة في نهاية فصل الشتاء العام الماضي.
وأردف: “في مرحلة ما، سيحتاج تدفق الغاز الطبيعي المسال إلى التباطؤ لمنع المخزونات من الملء الزائد”.
وساعد الانخفاض في تكاليف الطاقة على تهدئة توقعات التضخم، مما سمح للبنوك المركزية بإبطاء معدل زيادات أسعار الفائدة، علما أن البنك المركزي الأوروبي كان قد رفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية هذا الأسبوع.
ومع ذلك، لا تزال أسعار الغاز مرتفعة مقارنة بالمستويات التاريخية، ففي عام 2019 بلغ متوسط الأسعار أقل من 15 يورو، بينما كانت ذروة الأسعار قبل الأزمة قد وصلت إلى 29.17 يورو في عام 2018، والتي تم تعديلها وفقًا للتضخم لا يزال أقل قليلاً من حيث يتم تداول الأسعار اليوم.
مع ذلك حذر تجار الغاز والمحللون الذين تجمعوا في مؤتمر Flame السنوي في أمستردام هذا الأسبوع من التراخي، قائلين إن أوروبا لا تزال تواجه تحديات محتملة في الشتاء المقبل.
وفي هذا الصدد قال الأمين العام لمنظمة “يوروغاز”، جميس واتسون: “لقد اجتزنا الأزمة لأننا شهدنا شتاء معتدلًا وانخفض الطلب الصيني على شحنات الغاز الطبيعي المسال”.
وتابع واتسون الذي تمثل منظمته قطاعات بيع الغاز بالجملة والتجزئة في الاتحاد الأوروبي: “كنا محظوظين”، مردفا: “سيتعين علينا أن نكون محظوظين لمدة ثلاث أو أربع سنوات متتالية لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، وهذه ليست الطريقة الصحيحة للقيام بذلك”.
وكانت وكالة الطاقة الدولية، قد أوضحت في تقريرها ربع السنوي الأخير عن سوق الغاز، أن توازن العرض والطلب للغاز العالمي “يخضع لمجموعة واسعة من الشكوك بشكل غير عادي” هذا العام ، بدءًا من الطقس وليس انتهاء بتوافر الغاز الطبيعي المسال، بالإضافة إلى احتمال حدوث مزيد من الانخفاضات في خط أنابيب الغاز الروسي إلى أوروبا.
ويشكل خط الأنابيب الروسي المتبقي عبر أوكرانيا وتركيا الآن أقل من 10 في المائة من واردات أوروبا من الغاز مقارنة بنحو 40 في المائة قبل الغزو، لكن التجار يعتقدون أن توقف الواردات منه قد يؤدي إلى ارتفاع آخر في الأسعار.
وتعكس أسواق الغاز بعض هذه المخاطر؛ إذ لا تزال عقود معيار “تي ي إف” للتسليم في فصل الشتاء تتداول فوق 50 يورو لكل ميغاوات في الساعة، ويمكن أن ترتفع أكثر إذا كان الطقس أقل اعتدالًا من الشتاء الذي انتهى للتو، أو إذا كانت آسيا سوف تنافس بشكل أكبر على جلب الغاز الطبيعي المسال.
وقال أحد كبار المتداولين على هامش المؤتمر المنعقد في هولندا لبحث شؤون الطاقة في أوروبا: “هناك الكثير من الأمور الأخرى التي يمكن أن تحدث”.
ونبه إلى أنه ورغم عدم وجود ترجيحات بحدوث ارتفاعات مماثلة لما حدث في الصيف الماضي إلا أن الخبراء يعتقدون أن الاسعار قد تصل إلى 150 يورو لكل ميغاوات ساعة.
Follow Us: