عبد الكافي الصمد – سفير الشمال
لم ينزل كلام السّفير السّعودي في لبنان وليد البخاري برداً وسلاماً على كثير من السّياسيين اللبنانيين، خصوصاً الموالين للمملكة الذين اعتادوا أن ينتظروا أيّ إشارة منها لكي يبنوا على أساسها مواقفهم وتحرّكاتهم السّياسية.
فمنذ عودة البخاري قبل أيّام من زيارته بلاده لوحظ أنّ نبرته ومواقفه السّياسية من القضايا اللبنانية الداخلية، وتحديداً إستحقاق إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، قد تغيّرت على نحو لافت عما كانت عليه في السّابق، ما أوقع حلفاء المملكة في حرج كبير، بعدما باتوا أشبه بـ”التائهين” الذين لا يدرون على أيّ برّ سيرسون، ولا المواقف التي سيتخذونها.
فقد دأب البخاري طوال الأشهر التي سبقت وأعقبت الإستحقاق الرئاسي، منذ فراغ سدّة الرئاسة الأولى في 30 تشرين الأوّل الماضي، على تأكيد أنّ بلاده لا تقف مع مرشحاً ضد آخر، لكنّها تضع شروطاً معينة على أيّ مرشّح يفترض أن تتوافر فيه قبل أن ينال رضى المملكة، وهو موقف إعتبره حلفاءها كافياً للتأكيد حسب رأيهم بأنّها لا تقبل مرشحاً لا يدور في فلكها، أو مقرباً منها، وصولاً إلى حدّ إدعائهم بأنّ المملكة تضع “فيتو” على هذا المرشّح أو ذاك، من خصومهم، لأنّ دفتر الشّروط الذي وضعته لا ينطبق على أحد منهم.
غير أنّ البخاري قلب هذه المعادلة التي بنى حلفاء المملكة أحلامهم ومصيرهم السّياسي عليها رأساً على عقب، عندما نقض كلّ مواقف المملكة السّابقة من الإستحقاق الرئاسي، وأكّد بعد لقائه عدداً من الشّخصيات التي تدور في فلك المملكة وتعتبر مقربة منها، بأنّ “الحلول المستدامة تأتي من داخل لبنان وليس من خارجه”، وصولاً إلى حدّ تأكيده بأنّ “لا “فيتو” على أيّ مرشح، وليس للسعودية مرشّح خاص”، ومشيراً إلى أنّ السعودية “تحترم خيارات اللبنانيين، وبأنّ الإنتخابات شأن سيادي لبناني داخلي”.
كان هذا الكلام كافياً لأن يُشكّل صدمة للفريق السّياسي الذي يحسب نفسه على المملكة، ويعتمد على دعمها السّياسي والمالي للبقاء على قيد الحياة السّياسية اللبنانية، فأخذ يجري إتصالات محاولاً فيها الإستفسار عما جرى حتى غيّرت المملكة موقفها وتوجهاتها السّياسية في لبنان، من غير أن يكلف أعضاء هذا الفريق أنفسهم، على اختلاف أحجامهم، قراءة التحوّلات الجارية في المنطقة التي كانت دائماً تنعكس سلباً أو إيجاباً على لبنان، والتي كان آخرها التقارب بين المملكة من جهة وإيران وسوريا من جهة أخرى، وهو تقارب يجعل من ما يزالون يعتمدون مواقف المملكة السّابقة قبل هذا التحوّل اللافت في سياستها في المنطقة تجاه خصومها السابقين، يبدون وكأنّهم يقرأون في كتاب سابق أكل عليه الدهر وشرب.
غير أنّ أكثر ما أقلق السياسيين اللبنانين، حلفاء المملكة وخصومها على حدّ سواء، قول السفير البخاري أنّ “الحلول المستدامة تأتي من داخل لبنان وليس من خارجه”، وأنّ “الإنتخابات شأن سيادي لبناني داخلي”، وهو توصيف لواقع لم يعرفه لبنان مرّة واحدة في تاريخه، ويرتب على المسؤولين فيه الذين كان أغلبهم وما يزالون أدوات بيد الخارج مسؤوليات لم يتحمّلوها يوماً.