غسان ريفي – سفير الشمال
يضغط الملف الرئاسي على التيارات السياسية، مع إصرار الدول المعنية بلبنان وفي مقدمتهم السعودية على ضرورة وضع حد للشغور الحاصل في أسرع وقت ممكن وتغليب المصلحة الوطنية على كل إعتبار، وفي ذلك رسالة واضحة لمن يعنيهم الأمر بأن الوقت لم يعد متاحا لتصفية الحسابات لا الطائفية ولا السياسية، ولا بد من تحمل المسؤوليات والانتقال من منطق التعطيل السلبي الى المنطق الديمقراطي الايجابي الذي من شأنه إيصال رئيس الى قصر بعبدا.
لا شك في أن التطورات التي ترخي بظلالها الايجابية على المنطقة بفعل التوافق السعودي ـ الايراني وتداعياته التي أعادت وصل ما إنقطع بين دول عدة، بما في ذلك إستعادة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية، قد أعطت الأضواء الخضراء على طريق قصر بعبدا، فلم يعد هناك فيتو على أي مرشح، وسقطت الصفات التي تلصق بهذا المرشح أو ذاك من ممانع أو مستقل أو خاضع أو غير ذلك، وبدا أن هناك رغبة حقيقية إقليمية دولية بإتمام هذا الاستحقاق.
وفي الوقت الذي يتابع فيه السفير السعودي في لبنان وليد البخاري جولاته السياسية للحث على إنتخاب رئيس والتأكيد بأن المملكة تقف على مسافة واحدة من الجميع، برز أمس تطور لافت في اللقاء الذي عقده البخاري مع كتلة الاعتدال التي تضم ستة نواب سنة يشكلون بيضة قبان في الاستحقاق الرئاسي الى جانب كتلة اللقاء الديمقراطي التي ما تزال تدرس خياراتها بإنتظار القرار المسيحي.
وتشير المعلومات الى أن لقاء البخاري مع كتلة الاعتدال كان واضحا وصريحا، وقد عبر عنه النائب أحمد الخير الذي إعتبر أن “الحراك السعودي يؤكد على عقلانية تتماهى مع التطورات في المنطقة”، لافتا الى أن المملكة تشدد على “ضرورة إنهاء الفراغ وعلى ضرورة أن تتحمل القوى اللبنانية مسؤولياتها كون الاستحقاق هو شأن لبناني داخلي، وأنها لا تضع فيتو على أي إسم، بل هي تهتم بالبرامج والسياسات في الحكم وعلى أساسها تحدد تعاطيها مع لبنان”.
وفي قراءة متأنية ما بين السطور، يتبين أن هناك مرشحا جديا وحيدا مطروحا في لبنان حتى الآن هو رئيس تيار المرده سليمان فرنجيه، وهو أجاب على أسئلة الفرنسيين حول برنامجه وخططه وسياساته، وقد حمل الفرنسيون هذه الأجوبة الى المملكة وكان الانطباع إيجابيا وقد أبلغ فرنجية بذلك وكذلك الرئيس نبيه بري، فضلا عن أن هذا المرشح يتماهى مع التطورات الايجابيات في المنطقة ويمكنه الوقوف بحرية تامة على كل التقاطعات التي تربط بين الدول المعنية، كما يمتلك حتى الآن نسبة وازنة من الأصوات النيابية، في حين أن أكثرية القوى المسيحية لا سيما كتلتيّ القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر إما ليس لديها مرشح، أو أنها ما تزال تُقنع نفسها بأن لديها مرشح، وفي الوقت نفسه ترفضان التوافق على مرشح أو الحوار مع أي مرشح، وتختلفان على كل شيء.
وفي هذا الاطار تشير بعض الرسائل التي أطلقت من أكثر من مكان الى أن هاتين الكتلتين لا يمكن لهما أن تذهبا بعيدا في التعطيل، ما يضعهما أمام خيارين، فإما أن تتوافقا على مرشح جدي يواجهان عبره مرشح الخصوم، أو أن يبادر أحدهما أو كلاهما الى إجراء تسوية معه، وعندها يمكن أن تعود المياه الى مجاريها بين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وحزب الله، ويمكن أن يعود الاحتضان السعودي لمعراب كما كان من قبل!..