باسمة عطوي – نداء الوطن
تكثر الشكاوى بين المودعين والمتعاملين مع المصارف اللبنانية من عمولات «فاحشة» تتقاضاها المصارف على التحويل والسحب بالفريش دولار وعشرات المعاملات الأخرى، ويسألون «هل يعقل أن تحقق هذه المصارف أرباحاً بالفريش دولار، بينما يتكبد المودع خسائر فادحة في وديعته؟».
في بديهيات العمل المصرفي، أي أرباح يحققها المصرف يجب أن يتقاسمها مع المودع، كونه يستخدم أمواله لجني هذه الارباح؟ لكن في لبنان العكس يحصل تماماً، فسلوك المصارف مع مودعيها في تقاضي العمولات (الفريش) هو شكل من أشكال الاستنزاف الذي بدأته منذ حصول الازمة قبل أكثر من ثلاث سنوات، وهو مستمر كون المودع او المتعامل هو الحلقة الاضعف وليس هناك جهة رقابية تقوم بما عليها لحمايته، فهل يمكن وقف هذين الاستغلال والاستنزاف بالطرق القانونية؟
يؤكد الخبير الاقتصادي صلاح عسيران لـ«نداء الوطن»، أن «العمولات بالدولار الفريش على زبائن البنوك عالية جداً، ومعيبة على تحاويل المعاملات المصرفية والتحاويل بالفريش دولار وهي نوع من الابتزاز»، مشدداً على أن «ما يجري هو نتيجة التقصير الفادح للجنة الرقابة على المصارف عن القيام بدورها، الذي يجب ان يضبط هذه التصرفات غير المشروعة والاحتكارية والاستفزازية لعملاء المصارف».
ويوضح أن «المصارف تتقاضى من العميل ما بين 10 و12 ضعف العمولات المتعارف عليها في البنوك العالمية في التحويلات من جهة، ومن جهة أخرى تقوم بالابقاء على التحاويل بالفريش دولار ما يفوق الـ10 أيام من استلامها، للاستفادة منها على منصة صيرفة أو في تجارة العملات في السوق السوداء، وهذا يعني أن المصارف تجني أرباحا غير عادية على حساب المودع اللبناني». ويختم: «المودع اشبه بالخروف المساق للذبح، وليس بيده القيام بأي اجراء في غياب السلطة الرقابية والناظمة، أي مصرف لبنان عن طريق لجنة الرقابة على المصارف، وهي غائبة بل متواطئة، فهذه العمولات التي تؤخذ لا مثيل لها في أي قطاع مصرفي في العالم».
من جهتها تشرح الباحثة في القوانين المصرفية والمالية الدكتورة سابين الكك لـ«نداء الوطن» أن «هناك نوعين من العمولات التي تتقاضاها المصارف من المودعين: عن الحسابات الموجودة في المصارف وهي تخضع للعقود التي كانت موقعة بين المودعين والعملاء والمصارف، والحسابات الجديدة والتي لها عقود ترعاها ويوقع عليها المودع العميل»، سائلة «هل يعمد المودع عندما يفتح حساب جديد «فريش» الى قراءة العقود التي يوقعها مع المصرف؟ أم أننا لا نزال في نفس المشكلة، نوقع من دون معرفة التفاصيل والشروط؟».
تؤكد الكك أن «العمولات والمصاريف التي يتم سحبها من الحساب، من المفروض أن تكون محددة مسبقاً بالعقد الموقع بين العميل والمصرف، وعندما يتخطى المصرف هذه الاصول المتفق عليها أو بنود العقد يمكن مراجعة القضاء المختص»، لافتة الى أن «القانون اللبناني لا ينظم العمولات وكيفية تقاضيها من المودع، اذ ان هناك قانون حماية المستهلك الذي يحمي المستهلك بشكل عام. لكن العمولة هي اقتطاع من الحساب متعارف عليه، شرط ان يكون محدد مسبقاً وبالاتفاق بين الفريقين، وان تكون النسبة معقولة مقارنة مع الخدمة التي تؤديها المصارف، وان لا يعمد المصرف الى تغييرها بحسب مصالحه، او تغيير نوع العملة او الطريقة التي يستوفي فيها هذه العمولة».
وتختم: «اذا كانت هذه البنود في العقود غير محددة مسبقاً، عندها يمكن القول إن هناك تجاوزاً للقانون، وفي حال كان مدرجاً ان هناك عمولة وحصلت مخالفة تكون هناك مخالفة لبنود العقد اي خطأ عقدي».
في الميزان القانوني، تشرح المحامية الدكتورة جوديت التيني لـ»نداء الوطن» أن تقاضي المصارف للعمولات أمر جائز قانوناً وله سند في القانون اللبناني وأتى على ذكره قانون التجارة البرية في مواده 300 و308 و313، اما اسس فرض العمولات ومقاديرها فالقانون اللبناني خجول لجهتها». تضيف: «حق المصرف بتقاضي العمولات هو حق مكرّس له، ويجد مبرّره الاساسي في تأمين نفقات المعاملات ومصاريفها. اما العمولات التي تفوق الحد المعقول وغير المسندة الى اسس واضحة، والتي يصار الى فرضها اليوم، باتت مصادر أرباح للمصارف او لتعويض خسائر معيّنة. وهي تعدّ من قبيل التعسّف واثراءً للمصرف غير مشروع على حساب زبائنه وإضراراً بهم»، مشددة على أن «هناك تفاوتاً بين مصرف وآخر في تحديد العمولات، ما يعني أن هناك غياباً لوحدة المعايير وفوضى مالية ومصرفية، وخرقاً لمبدأ المساواة و يستدعي ذلك ضرورة تدخل لجنة الرقابة على المصارف لضبط المعايير وتوحيدها، وهناك دور للقضاء العدلي الذي يمكن للمودعين مراجعته، لانّ للقضاء العدلي دوراً في فرض وتفسير القواعد المصرفية في علاقة المصارف مع زبائنها».