عبدالله قمح – ليبانون ديبايت
دقَّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي، أمس، ناقوس الخطر معلناً عن وجوب إنجاز الإنتخابات الرئاسية في 15 حزيران المقبل كحد أقصى، في ما يبدو أنه موقف ناتج عن الضغوطات الفرنسية ويتقاطع مع رغبة برّي في استباق الشغور في حاكمية مصرف لبنان.
وعلم “ليبانون ديبايت” من مطلعين على أجواء الإتصالات، أن الدوائر الدبلوماسية الفرنسية مارست أخيراً وبشكلٍ كثيف، ضغوطاً على رئيس المجلس لـ”دفعه إلى سلوك مسار رئاسي منتظم ينتهي بتحديد موعد لجلسة انتخاب رئيس”. وفهم أن الفرنسيين يشعرون أن تفويضهم الملف اللبناني قارب على الإنتهاء. تزامن ذلك مع حراك دبلوماسي أميركي موازٍ بالتنسيق مع السعودية. وسط هذه الاجواء، من المرتقب أن تستضيف العاصمة القطرية الدوحة صباح اليوم إجتماعاً لـ”اللقاء الخماسي للدول المعنية بالملف اللبناني”.
ما يُفهم من كل ذلك، أن برّي يستبق أي تغيرات خارجية محتملة، فيما الخارج، ووفق أكثر من مصدر وجهة، بات يرى ضرورة الذهاب إلى جلسة انتخابات رئاسية عاجلة، لتفسير الدينامية الرئاسية الحالية، داخل لبنان وخارجه، والوصول إلى استنتاجات واضحة حول المساعي الفرنسية المبذولة وإلى أين وصلت ومصيرها، وتلك التي يتولى أفرقاء سياسيين محليين الوصول إليها.
هذه الأجواء تعني أن ضرورات الإستحقاق الرئاسي باتت متقدمة على ما عداها للوصول إلى حلول لملفات أخرى على رأسها حاكمية المصرف المركزي، وهو الإستحقاق الذي يعتبره الأميركيون مهماً للغاية. فالوصول إلى ذلك لا يتمّ بمعزل عن الإستحقاق الرئاسي. على هذا الأساس، يبدو أن موضوع ترشيح رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجية قد دخل منطقة الحسم، وهو ما يريده الفرنسيون بالضبط, فتعيين موعد للجلسة وانتظار ما ستسفر عنه حول انتخاب فرنجية من عدمه، هو المؤشر الوحيد على مستقبل المسار الذي ستنتهجه تلك القوى في المجال الرئاسي.
وسط ذلك، سارعت أوساط سياسية محلية إلى مواكبة موقف برّي، لتقدير مدى حظوظ فرنجية في حال الدعوة إلى جلسة، وما الذي ستسفر عنه، إلى جانب تقدير الموقف في حال لم يتمكن فرنجية من الوصول إلى الرقم الذي يؤهّله كي يصبح رئيساً، وما هي خطوته التالية وربطاً، خطوة الداعمين له لا سيما “الثنائي الشيعي”؟ فهل سيبقى فرنجية على موقفه من الترشّح أم سيتراجع عنه، وماذا سيكون موقف “الثنائي” الواقع تحت ضغط المُهل الزمنية وما يمكن تسميته بالدعم الفرنسي المشروط بمدة زمنية، وهل صحيح أن الفرنسيين وقعوا تحت تأثير ما لمسوه من تغيرات على مستوى “اللقاء الخماسي”؟
حرتقة قطرية؟
إلى ذلك، بدا أن النشاط القطري في الداخل اللبناني ولا سيما زيارة الوفد القطري الأمني الذي تألف من 3 أشخاص، يصبّ في خانة قطع الطريق على ترشيح سليمان فرنجية وإعادة الزخم لترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون. هكذا قرأ من يتواصلون مع القوى التي التقت بالوفد القطري سراً وعلناً، ملتمسين “حرتقة سياسية تلامس التخريب” تفتعلها قطر مدعومةً من واشنطن، في محاولة منها للإجهاز على أي إمكانية لانتخاب فرنجية. وبحسب المناخات السائدة، يبدو أن الدوحة “تبلّغت شيئاً ما” يوحي بإمكانية الدعوة قريباً إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية. لذلك وقع خيارها على التحرّك سريعاً لرصد المناخات والبناء عليها ومحاولة قطع الطريق على أي إمكانية لعبور فرنجية.
عملياً، مشكلة قطر مع فرنجية ليست شخصية، إنما نابعة ممّن يمثل سياسياً. هذا ما أوحته اللقاءات التي جرت مع قوى سياسية واسعة من بينها مسيحية وسنّية معارضة. فلم يخف الوفد القطري نظرته إلى فرنجية بأنه “يمثل مشروعاً، ويتبع للثنائي الشيعي” وصولاً إلى تصنيفه ضمن “حصة (الرئيس السوري) بشار الأسد” التي ما برحت الدوحة تخوض حرباً ضده، ولم تهضم بعد التوافق العربي لاسيّما السعودي حول إعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية. لهذا الموقف دلالات رمزية. فقطر التي تصنّف نفسها ضمن محور خاسر في دمشق وخرجت من اللعبة الكبيرة في سوريا لينحصر نفوذها على بعض التكتلات المعارضة الهشّة، إلى جانب خسارتها للرئة التركية وتراجعها مصرياً، تريد التعويض في لبنان والإطلالة بصورة مختلفة، وحجز دور مقبل وانتظار موعد التسوية.
في الطريق إلى ذلك لم يكن الوفد مرتاحاً إلى الأسلوب السعودي الجديد في مقاربة المسألة اللبنانية لما ولّده من إحراج لبعض القوى اللبنانية. حيث أن السفير السعودي وليد البخاري، نشط في جولاته، بتوزيع مفردات “الحياد”، ما جاء مخالفاً للتوجهات السعودية السابقة. وعلى ما بدا، قاربَ القطريون المواقف السعودية بكثير من الحذر من دون الإفصاح عن أي موقف سلبي تجاهها، إنما حصروا ردود فعلهم بـ”أسئلة مشروعة”، ولم يشأ الوفد القطري تصنيفه في خانة “المشاغبة” بخاصة أمام السعودية، بدليل أن الوفد وحين كان يُسأل حول تموضعه الحالي، يجيب إننا “نسير خلف المملكة”.
لكن هل يُمكن اعتبار حظوظ فرنجية مرتفعة إلى هذا الحد حتى توجّس القطريون منها؟ ربطاً بموقف المطّلعين، تتساوى بين السلبية والإيجابية, تبعاً لذلك، يبنى القطريون موقفاً مرده إلى أن أحد القوى الرئيسية في الخارج تمتلك القدرة على تحريك الدفة, ويفترض القطريون أن السعودية، في حال نسجت صفقة مع قوى لبنانية داخلية ربطاً بتقاربها من إيران ودمشق، قد تتستّر عن وصول فرنجية وتترك لبعض الكتل السُنّية خيار تأمين المظلّة, لذلك فسّرت المحاولات القطرية في إتجاه بعض الكُتل السُنية، على أنها ترتبط برغبةٍ في حجز دور.
في هذا السياق بدت زيارة “التكتل المستقل” إلى السفارة القطرية قبل أيام برئاسة نبيل بدر ومجموعة من نواب “قدامى تيار المستقبل” والإجتماع مع السفير القطري ومستشاريه، لافتة من حيث التوقيت، إذ استتبعت بزيارة إلى اليرزة ولقاء مع قائد الجيش.
وعلم “ليبانون ديبايت” أن الوفد الذي جعل من قضية خلدة عنواناً لزيارته، نقل إلى قائد الجيش أجواء اجتماعه بالقطريين وما سمعوه منهم لناحية تفضيل وصول عون إلى قصر بعبدا, وقد عبّر الوفد عن تأييده له ودعم المسعى القطري.
وعلم “ليبانون ديبايت” أن بدر حاول إحاطة حركته بغطاء سنّي، فتواصل مع نوابٍ سنّة عارضاً عليهم المشاركة لكنه قوبل باعتذار، وكان من بين المعتذرين وضاح صادق وعبد الرحمن البزري.