خلص المؤتمر الافتراضي “حول الأزمة الاقتصادية في لبنان” الذي عقد في معهد التمويل الدولي (IIF) في واشنطن العاصمة في (27-28 نيسان) الماضي، إلى أن النظام السياسي الحالي في لبنان لم يضع أي أطر لحل أزمة الاقتصادية، نظراً لاهتمام غالبية النخبة بمصالحها الضيقة، بدلاً من إيلاء الاهتمام برفاهية الشعب اللبناني. وحذر من أن الاستمرار في هذه السياسة الاقتصادية، سيؤدي على الأغلب إلى تأجيج الوضع الأمني الداخلي، وإثارة حرب أهلية.
تصورات مقلقة
وضع المؤتمر الذي جمع أكثر من 80 خبيراً من الخبراء المحليين والدوليين، وموظفين لبنانيين شغلوا مناصب عليا في صندوق النقد الدولي، ومديرين تنفيذيين وكبار الاقتصاديين من البنوك اللبنانية والمؤسسات المالية العالمية، تصورات مقلقة فيما يخص الوضع اللبناني مستقبلاً. وتوصل الخبراء إلى أن لبنان أمام سيناريوين، إما الارتطام بأزمة ذات نتائج غير متوقعة، أو النهوض بالوضع الاقتصادي من خلال الالتزام بالإصلاحات.
ويربط السيناريو الأول (“المتفائل” لكن احتمالية تنفيذه منخفضة)، الاستقرار الاقتصادي بضرورة إجراء انتخابات رئاسية وقيام الحكومة بتنفيذ إصلاحات مالية واقتصادية. ويربط السيناريو هذا، بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية وحكومة إصلاحية، بحلول نهاية شهر حزيران. إذ يساعد ذلك في تنفيذ الإصلاحات التي سبق وطرحها صندوق النقد الدولي. وبالتالي، يصبح بإمكان الصندوق بحلول شهر أيلول، تقديم المساعدات على شكل ضخ التمويل اللازم للقطاعات الاقتصادية، واستعادة الثقة تدريجياً، مع خطة لخفض نسب التضخم خلال ثلاثة سنوات. وبالتالي، يصبح الدين مستداماً مع إعادة الهيكلة والتكيف المالي.
أما السيناريو الثاني (“المتشائم” لكن احتمالية تحقيقه كبيرة)، يقوم على أساس استمرار السلطات السياسية بعرقلة الإصلاحات. وبالتالي، القضاء على أي اتفاق مع صندوق النقد، وغياب أي تمويلات أجنبية، بما يرفع معدل التضخم، مع انخفاض أكبر للاحتياطيات المالية. ويؤدي هذا إلى تفكك لبنان، وربما إلى إثارة الصراع الأهلي، بنتائج لا يمكن تصورها.
الرسائل الرئيسية
ناقش الخبراء العديد من النقاط الأساسية الخاصة بالأزمة الاقتصادية، ووجدوا أنه على الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع الأزمة، لم يتم إجراء أي إصلاحات تصحيحية ذات مغزى. وبدلاً من ذلك، تم إدخال سياسات تؤدي إلى نتائج عكسية أدت إلى تضخيم الأزمة الاقتصادية والمالية مع عواقب إنسانية مأساوية.
ووفق الخبراء، تعود جذور الأزمة الاقتصادية والمالية الحادة إلى تاريخ طويل من سياسات الاقتصاد الكلي غير المتسقة، والمحاولات الفاشلة لمعالجة تشوهات السياسات في الاقتصاد، والتي لاتزال النخبة السياسية متمسكة بها. ويرى الخبراء، أن هذه النخبة ترفض تنفيذ الإجراءات الخاصة بصندوق النقد الدولي، لأنها تهدد مكاسبها غير المشروعة.
آليات الحل
يتفق الخبراء إلى أن آليات الحل للأزمة الحالية، تكمن فقط من خلال الالتزام بخطة صندوق النقد الدولي، التي تعد بمثابة الأمل الوحيد للبنان لمعالجة أزمته الاقتصادية والمالية الحالية. إذ يمكن أن توفر الدعم الفني والمساعدة في تحفيز الدعم المالي الدولي الواسع. وحدد صندوق النقد الدولي أهدافًا جديرة بالثناء، وإصلاحات شاملة لوضع الاقتصاد على مسار انتعاش قوي ومستدام.
بالإضافة إلى خطة صندوق النقد، يعتقد الخبراء أن استخدام الأصول المملوكة للدولة والعقارات العامة أحد الخيارات المطروحة، لضخ الودائع في حسابات المملوكة للفئات الفقيرة ومتوسطة الدخل. ومع ذلك ، يجب أن يأخذ هذا في الاعتبار قيود الميزانية، نظرًا للحاجة الماسة إلى زيادة الإنفاق على شبكات الأمان الاجتماعي والبنية التحتية. فيما ركز جزء من الخبراء على أهمية تقاسم عائدات الغاز في المستقبل وتوظيفها لبناء شبكة أمان اجتماعية.
توصيات
وبنهاية المؤتمر، وضع الخبراء سلسلة من التوصيات، يمكن تلخيصها بما يلي:
أولاً: على السلطات اللبنانية استكمال عمليات تدقيق مصرف لبنان والبنوك التجارية وحسابات المالية العامة، لتوفير أساس متين لإطار متوسط المدى ولتحديد الفجوة المالية الخارجية.
ثانياً: ضرورة القيام بحملة إعلامية عامة، لشرح فوائد برنامج الإصلاح الشامل لتوليد دعم واسع النطاق لنجاح برنامج الإصلاح.
ثالثاً: على النخبة السياسية في لبنان أن تضع جانباً مصالحها الضيقة، وتعمل على انتخاب رئيس إصلاحي مستقل، ومجلس وزراء مؤيدين للإصلاحيين، وحاكم جديد لمصرف لبنان، تمهد من خلاله الطريق أمام تنفيذ الإصلاحات.