كتب خضر حسان – نداء الوطن : تُتقن المنظومة السياسية فنَّ ابتزاز المواطنين، وتجد دائماً الظروف الموضوعية لتقوم بذلك بإحكامٍ، يقطع الطريق أمام اعتراضات المواطنين غير الموضوعة بالحسبان السياسي، مهما ارتفعت.
يبقى أنَّ ملفّ دعم مصرف لبنان استيراد المحروقات والقمح والدواء، هو موضوع الابتزاز الحالي، الذي ترتفع أسهمه مع اقتراب نهاية العام الحالي. وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد مهَّدَ الطريق مراراً لرفع الدعم نهاية العام.
تأكيد رفع الدعم
طي صفحة الدعم بات محسوماً. لكن يجري اللعب ضمن الوقت بدل الضائع، من خلال تقطير الدعم ليشمل القمح، في سياق القول بأن السلطة تؤمّن رغيف الخبز لمواطنيها. لكن كما تبخَّرَت أموال دعم الدواء والمحروقات بسرعة، بفعل العشوائية التي تكلّف لبنان نحو 600 مليون دولار شهرياً، ستتبخّر الأموال المطلوبة لدعم استيراد القمح. وعندها، نكون قد وصلنا إلى دعم يساوي صفراً، وما عاد بالإمكان الجدال حول استمراره.
ومرّة أخرى، حاوَلَ الحاكم كسب المزيد من الوقت لاستمرار الدعم، من خلال طرحه خفض مستوى الاحتياطي الإلزامي من العملات الأجنبية من 15 بالمئة إلى نحو 12 بالمئة أو 10 بالمئة، لكنه نفى ذلك، ليخرج هذا الطرح من التداول.
أمّا اجتماعات المسؤولين ولجانهم النيابية والوزارية، فليست سوى فلكلور إضافي تستعرض من خلاله الكتل السياسية رفضها الكلامي لما يحصل، لكنها متضامنة في إيصال البلاد إلى هذا الحال. ومتواطئة في عدم إيجاد المخرج الصحيح. فتصبح بذلك، كلّها، راضية برفع الدعم طالما أنّه يبقى بعيداً عن إرجاعهم ما أُهدِرَ على مدى 30 عاماً.
ولتأكيد الفلكلور، خلصت لجنة الإدارة والعدل النيابية، بعد جلستها يوم الثلاثاء 8 كانون الأول، إلى أن “لا شيء اسمه رفع الدعم، وما يحكى عنه هو ترشيد الدعم”، بحسب رئيس اللجنة النائب جورج عدوان، الذي أشار عقب الجلسة إلى أن اللجنة اتّخذت “التحضيرات والملاحظات على قانون الدواء وهو مرتبط بموضوع ترشيد الدعم، فإذا وجدنا المؤسسات اللازمة وشجعنا الصناعة الوطنية، نوفر في فاتورة الدواء”. ودعا إلى “ضرورة ايجاد الطرق المحلية وغير المحلية لتأمين هذا الدعم من دون المس بالاحتياط الالزامي”.
رفض خسارة كل شيء
الوصول إلى صيغة لرفع الدعم، وإن جزئياً بالمرحلة الأولى، يعني على اختلاف أشكاله، أنّ كل شيء قد ضاع، بما في ذلك أموال المودعين في المصارف. ورغم تأكيد سلامة وجمعية المصارف على وجود تلك الأموال، إلاّ أن وجودها حسابيّ فقط، وليس مادّياً. وما بقي منها بصورة مادية، لا يُعطى لمستحقيه. أمّا ما يُفرَج عنه، فيخضع لشروطٍ أبرزها السحب بالليرة على أساس سعر صرف 3900 ليرة. وهذا ما يُفقد الأموال الدولارية قيمتها، فيما الليرة متدهورة في الأصل.
واعتراضاً على اقتراب انتهاء اللعبة وإخراج الناس منها بخسارة، وعلى رأسهم المودعين، رفضت رابطة المودعين وضع المودعين “أمام خيارين، رفع الدعم وما يخلّفه من جوع وحاجة ونقص دواء، والدعم مما تبقى من احتياطات أموال المودعين”، وكذلك رفضت “وضع الناس أمام مصير مجهول واللعب على رغيفهم”. وفي هذا الكلام، استباقٌ لاستعادة المنظومة لطرح خفض مستوى الاحتياطي الإلزامي.
الحل ما زال موجوداً
حاولت المنظومة إبعاد نفسها عن الحل، وكأنّ المسؤول عن الأزمة طرفٌ خارجي، لا سياسات الهدر المستمرة. ولذلك، رأت الرابطة أن مدخل الحل، يكون عبر “إلزام المصارف إعادة رسملة ذاتها وفك القيود عن أموال المودعين. تحميل الخسارة إلى المصارف ومن يملكها وكل من استفاد من هندسات الحاكم المالية والفوائد الخيالية من كبار المودعين وأصحاب النفوذ والسياسيين. إجراء تدقيق جنائي وإستعادة الأموال المنهوبة ومحاكمة الفاسدين وضبط التهريب، بالاضافة إلى دعم الاقتصاد الإنتاجي عوضاً عن دعم الاستيراد، إلا للمواد التي لا يمكن تصنيعها في لبنان”.
وأعربت الرابطة عن عدم ثقتها بما يُطرَح من حلول أو يُقال مِن قِبَل حاكم مصرف لبنان، فخلال “تاريخ علاقتنا كمودعين مع حاكم مصرف لبنان، قد علمنا أن لا نثق بقول يقُله أو عهد يقطعه”، لذلك “تطالب الرابطة بكشف قيمة الاحتياطات المتبقية وبالوثائق، إذ أنه من حق المودعين معرفة ما تبقى من احتياطي إيداعاتهم منعاً لأي مساس بها”.
وجهة نظر مصرفية
تأسَف المصارف لوضعها مِن قِبَل رابطة المودعين، في خانة المتحكّم بالودائع، فبرأي مصادر مصرفية “المصارف تطبّق القوانين والقرارات الصادرة عن الحاكم، بما في ذلك اعتماد السقوف المالية وآليات تحويل الأموال وإعطائها لأصحابها”. وتتقاطع مطالب المصارف مع مطالب المودعين وفق ما تقوله المصادر في حديث لـ”المدن”، لأن “المصارف باتت مهدّدة اليوم بفقدان ثقة المودعين بها، وهو أمر سينعكس على عمل المصارف مع انتهاء الأزمة، وما سيرافقها من إعادة هيكلة للقطاع المصرفي. كما أن المصارف تترقَّب بحذر مسألة خفض الاحتياطي الإلزامي الذي لم يخرج من التداول بشكل كلّي. وهذا إجراء يؤثّر على المصارف وسمعتها أمام المودعين، لأن الاحتياطي هو أموال للمودعين”. لكن حتى اللحظة، تطمئن المصادر إلى أن “لا مسّ بالاحتياطي”، وتتمنى أن تجد السلطة السياسية “حلاً عادلاً للأزمة، قبل الوصول إلى رفع نهائي لكل أشكال الدعم، والاضطرار لتحمّل ارتفاع الأسعار في السوق، فحينها لن يكون بالإمكان التنبّؤ بالنتائج”.