هيثم زعيتر – اللواء
ما يُميّز إحياء الذكرى الـ75 لنكبة فلسطين هذا العام، أنّه يتم اعتمادُها من قِبَل الجمعية العامة للأُمم المُتّحدة، التي قرّرت تخصيص عقد جلسة للمُناسبة في مقرّها بنيويورك، للمرّة الأولى مُنذ وقوعها.
يُشكّل ذلك اعترافاً من أعلى منبر دولي، بالظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني، باقتلاعه من أرضه وطرده على أيدي العصابات الصهيونية، بالقوّة والإرهاب والمجازر، وتدمير القرى والبلدات والتهجير والإبعاد.
لقد خصّصت الأُمم المُتحدة هذا اليوم لإحيائه، بعد تصويت الجمعية العامة بأغلبية 90 صوتاً لإحيائها مُقابل 30 مُعارضاً وامتناع 47 دولة عن التصويت على المُبادرة، بإقامة حدث رفيع على المُستوى الرسمي في قاعة الجمعية العامة، في 15 أيار/مايو 2023، الذي رأسه رئيس لجنة الأمم المُتحدة المعنية بمُمارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف السفير شيخ نيانغ، والقاء رئيس دولة فلسطين محمود عباس خطاباً، استعرض فيه المراحل التي مرّت بها القضية الفلسطينية، وصولاً إلى النكبة والنكسة، والمجازر التي يرتكبها الاحتلال، وعدم التزامه بالاتفاقات والقرارات والمواثيق الدولية.
هذا فضلاً عن كلمات لكل من: وكيلة الأمين العام للأُمم المُتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري ديكارلو، والمُفوض العام لوكالة الأُمم المُتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى «الأونروا» فيليب لازاريني، ومُمثلي المجموعات الإقليمية والمُجتمع المدني.
كما اقامة حدث تذكاري خاص وحفلة مُوسيقية في قاعة الجمعية العامة للأُمم المُتحدة.
تكمن أهمية إحياء ذكرى النكبة في الأُمم المُتحدة، بأنّ ذلك يُعتبر انتصاراً هامّاً، يُؤكد الحقيقة الفلسطينية بأنّ أبناءها لم يُغادروا أراضيهم بشكل طوعي، بل بفعل مجازر العصابات الصهيونية المُتواصلة حتى يومنا هذا، وهي مُناسبة لتأكيد الحقيقة الفلسطينية، التي تدحض زيف ادّعاءات الاحتلال، القائمة على الكذب وتزوير الحقائق والوقائع والتاريخ.
لقد أثبتت الوثائق أنّه حتى الخروج الفلسطيني لم يكن كما روّجت له رواية الدعاية الإسرائيلية، بأنّه كان تلبيةً لأوامر صدرت عن «الهيئة العربية العليا» و«اللجان القومية» والحكومات العربية إلى الشعب الفلسطيني بأنْ «إخلوا مُدُنَكُم وقُراكم لإفساح المجال للجيوش العربية النظامية فور انتهاء الانتداب».
لكن الحقيقة غير ذلك، وهو ما كشفه أمين عقل (الذي كان يشغل منصب سكرتير اللجنة القومية لـ«يافا»، التي تشكّلت عقب قرار تقسيم فلسطين الصادر عن هيئة الأُمم المُتّحدة في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947)، ليُؤكد أنّ «هذه الشائعة كاذبة وباطلة، ولا أساس لها من الصحة، بل العكس هو الصحيح، حيث طُلِبَ منع السكان من مُغادرة المُدن والقرى فيها إلا لأسباب قاهرة».
لكن المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، أحدثت ذُعراً بين السكان المدنيين، ما اضطرهم إلى ترك منازلهم على أمل العودة التي طالت إلى 75 عاماً.
لم تكن نكبة فلسطين وليدة ذكرى حدوثها بتاريخ 15 أيار/مايو 1948، بل تعود إلى عقد «المُؤتمر الصهيوني الأوّل» في مدينة بازل – سويسرا، بتاريخ 29 آب/أغسطس 1987، الذي وضع مُخطّطاً لإقامة دولة يهودية، مُروراً باتفاقية «سايكس – بيكو» المُوقعة بتاريخ 16 أيار/مايو 1916، وصولاً إلى «وعد بلفور» المشؤوم، الصادر بتاريخ 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1917، بإصدار من الحكومة البريطانية، حيث «منح مَنْ لا يملك إلى مَنْ لا يستحق»، ونصَّ على «دعم تأمين وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين مع حقوق مدنية ودينية للجماعات الأخرى التي تعيش في فلسطين».
هذا يعني أنّ 8% من اليهود الذين كانوا قد وصلوا إلى فلسطين في تلك المرحلة، وُعِدوا بوطنٍ لهم، و92% من شعب فلسطين يمنح فقط حقوقاً مدنية!
كذلك، ما مرّت به القضية الفلسطينية وصولاً إلى قرار تقسيم فلسطين برقم 181 الصادر عن الأُمم المُتّحدة، بتاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947، الذي نصَّ على تقسيم فلسطين، بمنح «الأقلية اليهودية دولة على مساحة 54% من مجموع مساحة فلسطين البالغة 27027 كلم2، ودولة عربية على مساحة تُقدّر 44%، فيما وُضِعَتْ مدينتا القدس وبيت لحم تحت وصاية دولية لأسبابٍ دينية».
مرّت القضية الفلسطينية مُنذ نكبة العام 1948 حتى يومنا هذا بمحطاتٍ مُتعدّدة، أبرز ما فيها:
{ 1948-1965: من النكبة إلى انطلاقة الثورة الفلسطينية.
{ 1967-1974: من النكسة وإطباق الاحتلال على الضفّة الغربية، بما فيها القدس كاملةً، والسيطرة على كامل التراب الوطني الفلسطيني، وصولاً إلى دخول الرئيس ياسر عرفات إلى الأُمم المُتّحدة، بتاريخ 13 تشرين الثاني/نوفمبر 1974، وإلقائه كلمة تاريخية، واعتراف العالم بعضوية «مُنظّمة التحرير الفلسطينية»، كعضو مُراقب.
{ 1975-1987: الزج بالثورة الفلسطينية في أتون الحرب العبثية في لبنان، وما تلاها من اجتياح للاحتلال الإسرائيلي في العام 1978، وغزوٍ في العام 1982، أدّى إلى خروج الثورة من لبنان.
{ 1988-2004: إعلان استقلال دولة فلسطين من الجزائر بتاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1988، والمُشاركة في «مُؤتمر مدريد» ضمن الوفد الأردني في العام 1990، قبل أنْ يُصبح الوفد الفلسطيني مُستقلاً، وذلك بعد اندلاع «الانتفاضة الأولى» – «انتفاضة الحجارة» بين 8 كانون الأول/ديسمبر 1987 و13 أيلول/سبتمبر 1993، حيث وقّع الرئيس ياسر عرفات «اتفاق أوسلو»، ثُم عودته إلى الأراضي الفلسطينية المُحتلّة في 1 تموز/يوليو 1994.
اندلاع «الانتفاضة الثانية» – «انتفاضة الأقصى» بين 28 أيلول/سبتمبر 2000 و8 شباط/فبراير 2005، وتخلّلها استشهاد الرئيس «أبو عمّار» اغتيالاً بالسم، بتاريخ 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2004.
{ 2004- 2023: تسلُّم الرئيس محمود عباس القيادة، وانتخابه رئيساً لـ«مُنظّمة التحرير الفلسطينية» والسلطة الوطنية الفلسطينية، وصولاً إلى انتزاعه من الأُمم المُتّحدة اعترافاً بدولة فلسطين كعضو مُراقب بتاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، وما تلى ذلك من مراحل لتثبيت ركائز الدولة.
إحياءً لذكرى النكبة، شكّل الرئيس عباس «اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة»، وأوكل رئاستها إلى عضو اللجنة التنفيذية لـ«مُنظّمة التحرير الفلسطينية» رئيس دائرة شؤون اللاجئين الدكتور أحمد أبو هولي، الذي أعلن برنامج فعاليات المُناسبة، تحت عنوان «النكبة جريمة مُستمرّة والعودة حق»، والتي تشمُل أماكن انتشار الوجود الفلسطيني بنشاطات مُتعددة، وفعاليات في هيئات ومُنظّمات عربية ودولية.
كما ستقرع الكنائس في فلسطين أجراسها، وتُطلِق صافرة الحداد لمُدّة 75 ثانية بعدد السنوات عبر مآذن المساجد.
تكمن أهمية إحياء الذكرى، في ظُل مُواصلة الاحتلال الإسرائيلي عدوانه ضُد أبناء الشعب الفلسطيني، قتلاً واعتقالاً واعتداءً على المُقدّسات الإسلامية والمسيحية، ومُواصلة الاستيطان بهدف التهويد، والحرب ضُد قطاع غزّة، ما يُؤكد استمرار جرائمه غير المسبوقة على صعيد العالم، حرب وضد الإنسانية، والتمييز العنصري والإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ما أدخلته موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية.
لقد ثبت فشل المشروع الإسرائيلي، الذي رغم ما يقوم به من مُحاولة لتحويل الصراع من عربي – إسرائيلي، إلى فلسطيني – إسرائيلي، ومن ثُم إلى إسلامي – يهودي لتبرير إقامة دولة يهودية دينية، فإذا بالقضية الفلسطينية تترسّخ أكثر يوماً بعد آخر، عبر الدعم العربي والإسلامي والمسيحي ومن أحرار العالم.
رغم كل الهمجية والعدوان الإسرائيلي، يصمد الفلسطينيون فوق أرضهم لإفشال مُخطّطات الاحتلال، ويتمسّك اللاجئون في الشتات بحق العودة إلى وطنهم، داحضين مقولة ديفيد بن غوريون «غداً الكبار يموتون والصغار ينسون»، فإذ بالأطفال يُولدون ويرضعون حليب عشق فلسطين.