السبت, نوفمبر 23
Banner

سوق شتورا كمؤشر لتداول الدولار: نعاس الصرّافين وسماسرة الحاكم

لوسي بارسخيان- المدن

يبدو الملل مسيطراً على أحد صرافي شتورا، بينما يقوم بتحويل مبلغ عشرين دولاراً لأحد زبائنة إلى الليرة اللبنانية. يخبر أن معظم من يقصدون محله الذي يتوسط سوقاً متمدداً للصرافين وتجار الشنطة، باتوا حالياً من فئة حاملي العشرين دولاراً. ويتخوف من أن يختفي حتى هؤلاء من السوق، بعدما تمت دولرة صفيحة البنزين أيضاً، فلم يعد الكثيرون يبدلون دولاراتهم إلّا لتأمين بعض النفقات اليومية.

التوجس من المفاجآت

لا تشبه حال ساحة الصرافين في شتورا هذه الأيام ما كانت عليه قبل أسابيع قليلة فقط. فانعكاسات الاستقرار النسبي لسعر الصرف لم تأت لمصلحة تجار المنطقة. وبعدما تلاعبت معدلات هرمونات التوتر في دمائهم لفترة طويلة، نتيجة للمفاجآت الصاعقة التي حملها سوق التداول خلال المرحلة الماضية، ها هم يعودون إلى مرحلة شبه استقرار الدولار مجدداً، ولكن على سعر فاق آخر استقرار لسعره حتى نهاية عام 2019 بنحو 63 ضعفاً.

ومع ذلك لا يبدو الصرافون في هذه الساحة واثقين تماماً، لكون هذا الاستقرار نهائياً. فهم يتوقعون المفاجآت بكل دقيقة. ومع أن مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحق حاكم مصرف لبنان لم تحمل الخضات التي توقعوها في سعر الدولار، فهم يعتبرون أن أي خطوة مفاجئة أو تعميم إضافي يصدر عن مصرف لبنان وحاكميته، سيكون له وقع بارز في خض السوق مباشرة.

على رغم الهامش الذي بات ضيقاً بين سعر الدولار في السوق الموازية والذي لا يزال يتراوح حالياً بين 94 ألفاً و95 ألف ليرة كحد أقصى، والسعر الذي تحدده منصة صيرفة بنحو 86 ألف ليرة، يعتبر الصرافون أن أي قرار يتخذه مصرف لبنان بوقف صيرفة، من شأنه أن يفلت السوق مجدداً. نسألهم ما إذا كان رأيهم تحليلاً اقتصادياً مبنياً على خبرة اكتسبوها في السوق، أم هو تمن، فيتمسكون بكون مفاتيح اللعبة لا تزال بيد مصرف لبنان وحاكمه، حيث يبدو لهم أن التسوية حالياً تقضي بتهدئة الأوضاع.

زبائن “صيرفة”

يشير هؤلاء في المقابل إلى أن التداول بصيرفة لا يزال مستمراً. وإنما الفرق هو في اختفاء تعاملات الأفراد الذين كانوا يشترون بضعة مئات من الدولارات من المصارف ليطرحوها في السوق الموازية، مع أرباح وصلت أحياناً إلى حدود المئة دولار شهرياً. فبالنسبة لهؤلاء، لم تعد العملية تستحق العناء بعد تقلص الهامش بين سعر صيرفة وسعر السوق الموازية. ويشيرون إلى ذلك بتراجع أعداد المنتظرين على أبواب المصارف. ومع أن أرباح من يملكون رصيد المليار ليرة لم تعد مغرية أيضاً، يؤكدون أن مثل هذه التعاملات تمر في جزء منها بمؤسساتهم، خصوصاً أن من يبدلون المليارات بالدولارت، يكررون العملية شهرياً، وأحياناً أكثر من مرة بالشهر، إذا كانوا ممن يشغّلون أكثر من حساب مصرفي. وهؤلاء كما يرى بعض الصرافين يساعدون مصرف لبنان على تقليص كميات الليرة اللبنانية من السوق الخارجية، من دون أن يكونوا مدركين تماماً أو مكترثين للأمر.

بالمقابل، يتحدث الصرافون عن تدخلات محدودة يقوم بها سماسرة مصرف لبنان، تظهر النيّة بتهدئة السوق حالياً. إذ أنهم ينسحبون كعارضين لليرة كلما ارتفع سعر الدولار، ليعودوا ويطرحوا الليرة إذا لاحظوا تراجعاً بالطلب على الدولار. في وقت يؤكد بعض الصرافين أن مصرف لبنان لم يتوقف عن سحب كميات كبيرة من العملة الوطنية من التداول، بعد أن أغرق السوق بطبعات حديثة من فئة المئة ألف ليرة في المرحلة الماضية.

مناخ سياسي

ويشير هؤلاء في المقابل إلى عوامل أساسية جعلت من مصرف لبنان الشاري الوحيد لمبالغ الدولار الكبيرة من السوق. وأبرزها ما يتعلق بدولرة مختلف المواد المستهلكة والخدمات، وآخرها مادة البنزين، وحتى بعض أنواع الدواء والفيتامينات. وإذ يلاحظ العاملون في محطات البنزين الارتياح الذي خلفته دولرة الصفيحة، متحدثين عن تفوق نسب الزبائن الذين يدفعون ثمن الصفيحة بالدولار على من يستخدمون العملة الوطنية، يؤكد الصرافون الأمر مما لاحظوه من تراجع حدة تهافت أصحاب المحطات على مؤسسات الصيرفة لضمان دولاراتهم بالسعر الذي باعوا به مخزونهم.

إلا أن هذا الاستقرار ليس كله مرتبطاً بالعرض والطلب بالنسبة لصرافي شتورا. بل ثمة مناخ سياسي يوحي بانفراجات تجعل الكل في حالة ترقب وحتى الصرافين أنفسهم. بالإضافة إلى ما يتم تداوله عن أعداد السياح الكبيرة التي ستبدأ بالوصول إلى لبنان خلال أسابيع قليلة. وهذه عوامل تزيد برأيهم من كميات عرض الدولار، وتريح العملة الوطنية لفترة إضافية.

ومع ذلك يشير عدد من صرافي شتورا إلى أنهم يفضلون أن يحافظوا على رساميلهم بالدولار بدلاً من أن يحوّلوها إلى الليرة اللبنانية، باستثناء قلّة منهم تخوض المغامرة كمقامرة. برأي أغلبية تجار الدولار، من شأن أي خضة مفاجئة في السوق أن تفقد الليرة اللبنانية من قيمتها مجدداً، بينما تبقى قيمة الدولار ثابتة مهما ارتفع أو تراجع سعره بالليرة اللبنانية. وهم يعتقدون بأن أغلبية الناس قد فهمت هذه المعادلة، وتطبقها في يومياتها، باستثناء من لا تزال مداخيلهم بالعملة الوطنية. وهؤلاء كما يلاحظ صرافو شتورا باتوا الأقلية، بعدما تمت دولرة رواتب الموظفين أو أجزاء منها، ولم يعد استقرار سعر صرف الدولار يغريهم بشرائه أيضاً.

Leave A Reply