عزة الحاج حسن – المدن
تسود حالة من الترقّب الشديد لكيفية تعامل السلطات اللبنانية مع مذكرة التوقيف الدولية الصادرة عن القضاء الفرنسي بحق حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، وما إذا كان التوجّه إلى تنفيذها أو تجاهلها، وربما التعامل معها بتباطؤ، لضمان بلوغ سلامة نهاية عهده بعد أقل من شهرين.
سيناريوهات عديدة توضع على طاولة السلطة السياسية اليوم، وهي المعتادة على شخصنة المناصب والمواقع الوظيفية، ومنها حاكمية مصرف لبنان. تلك السيناريوهات مهما سعت السلطة لتجميلها وتنميقها، فإنها ستمر قطعاً بمرحلة انتقالية قاسية لمصرف لبنان، قد تنعكس مباشرة على اللبنانيين لاسيما منهم الأكثر هشاشة.
وليس صمت السلطة السياسية اليوم، وعدم صدور أي موقف تجاه مذكرة التوقيف الدولية بحق سلامة، سوى عامل مقلق وغير مطمئن، لاسيما أن السلطة السياسية في لبنان اعتادت حبك المؤامرات والخطط الخبيثة لحماية أركانها، المتشاركة والحامية لسلامة على مدار 30 عاماً. فما هي تداعيات المذكرة بحق سلامة على سوق النقد؟ وما هي الخيارات المطروحة امام السلطة اليوم؟
مرحلة انتقالية “قاسية”
إن لم يكف القضاء اللبناني اليوم يد سلامة عن مصرف لبنان، تماشياً مع مذكرة التوقيف الدولية، فإن الحاكم سيختم عهده حكماً في شهر تموز المقبل، مثقلاً بدعاوى قضائية وأحكام وملاحقات دولية ومحلية، بعد ثلاثة عقود من تولي حاكمية مصرف لبنان، شاهداً على 4 سنوات من الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي في لبنان.
وفي كلتا الحالتين، سواء تمت إقالة سلامة أو إبقائه لنهاية ولايته، يرى مراقبون أن هناك مرحلة انتقالية يرجّح أن تكون “قاسية” على المستوى النقدي والاجتماعي وربما الأمني. فلم يعتد لبنان على انتقال سلطة مهما بلغ حجمها وتأثيرها، إلا بعد مخاض عسير. وهو ما ينطبق على منصب حاكمية مصرف لبنان، لاسيما انه لطالما ارتبط انتهاء ولاية موظف رفيع، أو كف يده عن منصبه، أو ربما إحالته على التقاعد، بخلل بانتظام عمل المؤسسة أو الإدارة المنتمي إليها. فما بالك بحاكم المصرف المركزي الذي يلعب دور أمين سر السلطة السياسية.
يلتقي الخبير المصرفي والقانوني خالد شاهين مع خبراء آخرين على أن لشخصنة الوظائف العليا في لبنان وربطها بمصير شخص، دور بارز في التعامل مع قضية سلامة. ويرى شاهين أن عدم تجاوب السلطة في لبنان مع المذكرة القَضائية الفرنسية يعني تجاهلها من قبل القضاء اللبناني. وهذا سيناريو قد لا يؤثر داخلياً لأننا في دولة مافياوية، حسب شاهين، وبالتالي السلطة تحاول حماية أركانها لتمرير المرحلة.
وعليه يستمر العمل كما هو الحال اليوم في مصرف لبنان، خصوصاً أن النقد في لبنان يرتبط بالسياسة أكثر منه بالاقتصاد. ويرى شاهين كما العديد من المصرفيين، أن سلامة سيبقى في منصبه كأن شيئاً لم يكن، ريثما تنتهي ولايته في تموز المقبل، أي بعد أقل من شهرين، لاسيما أن المعنيين المباشرين والسلطة القضائية قادرين على المماطلة في تنفيذ الملاحقات كما اعتادوا.
تداعيات سلبية
لبقاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اليوم في سدة الحاكمية تداعيات سلبية، لا تقل خطورة عن إقالته أو كف يده. من هنا يطالب عدد من نواب التغيير مجلس الوزراء بتنحية سلامة ومحاسبته، وعدم التقاعس في التعامل مع الأمر، تجنباً لترتيب مخاطر إضافية على النظام المصرفي والمالي اللبناني، وما لذلك من عواقب وخيمة على المواطنين.
الملفت أن السلطة قادرة على إحداث اشتباك عقب إقالة سلامة. لكنها غالباً لن تقدم على ذلك، لأنها ليست على استعداد حالياً لمواجهة سلسلة من الفضائح حول أسماء عديدة مرتبطة بأعمال سلامة. من هنا، لن تضع السلطة نفسها موضع المتهم بتفجير الوضع المالي والنقدي والاجتماعي، ولا المتهم بارتكابات لا تقل إجراماً عن ارتكابات سلامة. لذلك، يرجّح البعض الذهاب إلى انتهاء ولاية سلامة في موعدها. وعليه، يصبح تفجر الوضع أمراً محتماً لا سيما في حال عدم التوافق على اسم رئيس للجمهورية واسم حاكم جديد لمصرف لبنان.
سيناريوهان
سيناريوهان يعرضهما شاهين لمسألة التعامل مع ملف سلامة وتأثيره على سوق النقد والعملة الوطنية. الأول، في حال أقيل سلامة قبل انتهاء ولايته. ذلك يحتّم مرور البلد بفترة من الضياع والفوضى إلى حين أن يجرؤ سلفه على الجلوس مكانه وتسيير العمل وتحمل مسؤولية الأخطاء، ولا شك أن هناك تبعات للسياسة النقدية القائمة حالياً في مصرف لبنان.
ويتفاءل البعض -ومنهم شاهين- بأنه فيما لو اتجهت السلطة إلى تنفيذ مذكرة التوقيف الفرنسية، فذلك يعني المباشرة بالإصلاح. وهو أمر هام جداً، ويحتم التوجه مباشرة إلى صندوق النقد الدولي، فنكون بذلك قد استنفذنا كل وسائل المسكنات والعلاجات المؤقتة. وهذا السيناريو مستبعد حالياً، لأن من يتخذ القرار يجب أن يكون على استعداد لتحمل تبعاته على الأرض.
أما السيناريو الثاني، أي انتظار انتهاء ولاية سلامة، فلن يجنب السوق خضة كبيرة وفوضى، لكن في تلك المرحلة تكون السلطة قد سحبت يدها من تحمل مسؤولية الاشتباك المالي والنقدي والاجتماعي، وربما الأمني، الذي قد يحصل. خصوصاً في حال عدم الاتفاق على اسم جديد لحاكمية مصرف لبنان حيادي و/أو صاحب خبرة واسعة.
من هنا، بات مرجحاً اعتماد السلطة سياسة المماطلة، ريثما تنتهي ولاية سلامة. وإلى حينها، يتوقف عن إصدار التعاميم وبعض الإجراءات المالية المرتبطة بشخصه، لتنتهي ولايته باستقراره في إحدى الدول بعيداً عن أعين القضاء الفرنسي. هذا مع توقعات بتعمد السلطة في لبنان القيام بمناورات مالية نقدية وأمنية واجتماعية حيّة، بهدف دس نبض الشارع والتمهيد للمرحلة المقبلة.
باختصار، يرجّح المراقبون مساومة السلطة السياسية حاكم مصرف لبنان على طي صفحته، بكل ما يحمل في جعبته من فضائح، بنهاية ولايته والخروج آمناً من منصبه، في مقابل عدم تنفيذ المذكرة الفرنسية. أما الانتقال إلى حاكم جديد، فسيتم على حساب انفلات الوضع النقدي والمالي وتكبيد اللبنانيين ثمن الأزمة، لاسيما أن لبنان لم يشهد منذ 80 عاماً اي انتقال للسلطة، إن سياسية أو نقدية بشكل سلس. فكل استحقاق يوقع معه أزمة أمنية وضحايا.