خضر حسان – المدن
باتت فواتير الكهرباء بعد رفع التعرفة، عبئاً ثقيلاً على المشتركين. فالأرقام الكبيرة يُحسَب حسابها بعد أن كانت شبه غير مرئية. ويبرز بالتوازي، ارتفاع منسوب تدقيق المشتركين بفواتيرهم، تحاشياً لدفعهم مبالغ لم يستفيدوا مقابلها بساعات تغذية.
التدقيق يُفضي أحياناً إلى زيادات تتوزّع بين الرسوم على قدرة العدّاد وبين حجم الاستهلاك، ليأتي المجموع أعلى بكثير ممّا ينبغي. أما المراجعات، فلا تنتهي كلّها وفق الأصول. فلماذا يحصل الخطأ، وكيف تعود الأموال إلى أصحابها؟.
أخطاء متكرّرة بلا تدقيق
يشكُّ أحد المواطنين بأن أرقام فاتورته مضخَّمة. يقصد المبنى الرئيسي لمؤسسة كهرباء لبنان في منطقة مار مخايل، ليبحث مع أحد الموظّفين عن سرّ الخلل. يكتشف أنه ليس وحيداً، فأصوات عدد من الواقفين حوله تدل على امتعاضٍ من الأكلاف الإضافية المسجَّلة في الفواتير. أحد المُراجعين يقول أن فاتورته تشير إلى عدّاد بقدرة 60 أمبير، فيما عدّاده بقدرة 30 أمبير.
مراجعٌ آخر يشكو من أكلاف على استهلاكٍ مُبالغ فيه، فالفاتورة لمنزل لا يُسكَن إلاّ نادراً خلال بعض المناسبات، وجرت مقارنة الفواتير مع فواتير أقل قيمة لجيران يسكنون منازلهم بشكل دائم ولديهم استهلاك كبير، عبر عدادات بالقدرة نفسها.
المراجعات خلصت إلى اعتراف صريح من الموظّف، بأن الأخطاء متكرّرة والمراجعات مستمرة. ويعيد الموظّف السبب إلى “غياب التدقيق الفعلي حالياً، لأن نظام التدقيق الذي كان معمولاً به في المؤسسة قبل تضرّرها من تفجير مرفأ بيروت، متوقّف”، وفق ما يؤكّده أحد المراجعين في حديث لـ”المدن”، والذي يتطابق مع حديث مصادر “المدن” في مؤسسة كهرباء لبنان، والتي تشرح أن “الفواتير قبل إصدارها للمواطنين، كان يتم التدقيق بها. إذ تأتي القراءات عبر موظفي شركات مقدّمي الخدمات، الذين يسجّلون حجم استهلاك العدادات وقدرتها، وتُنقَل المعلومات إلى المؤسسة بعد تدقيق مفتَرَض في الشركات، وتدقّقها المؤسسة مقارنة بالمعلومات الموجودة لديها، ثم تصدر الفواتير التي بدورها تخضع للتدقيق قبل إرسالها للمشتركين. وبعد تضرّر المؤسسة بفعل تفجير المرفأ في 4 آب 2020، توقّفت هذه العملية، وبات التدقيق يعتمد على شكاوى المواطنين ومراجعاتهم المباشِرة”.
بين مقدّمي الخدمات ومؤسسة الكهرباء
مسار الفواتير يتنقَّل بين مقدّمي الخدمات ومؤسسة الكهرباء. لذلك “يبدأ الخطأ من مقدّمي الخدمات. فالدخول إلى النظام الالكتروني في بعض فروع المؤسسة في المناطق، يبيِّن المعلومات الحقيقية للمشتركين ويجري تصحيح الأخطاء انطلاقاً من تلك المعلومات”. تفيد المصادر.
لكن بعض المشتركين يقولون أن “بعض الفواتير المفترض بأنها مصحَّحة، تحمل أخطاءً تستوجب التصحيح، فيُعاد تقديمها للتدقيق”. ويستغرب المشتركون استمرار الأخطاء رغم التصحيح. لكن مصادر المؤسسة تشير إلى “احتمال حصول الأخطاء لأن الموظفين غير معصومين”. وهذا التبرير لا يُقنِع المشتركين، خصوصاً وأن بعضهم “قد لا يدقِّق في الفاتورة الثانية لأن أرقامها تكون أقل من الأولى، فيعتبر المشترك أنها صحيحة، لكنه في الحقيقة يكون قد دفع مبالغ إضافية”.
ورغم التبرير، تنضمّ المصادر إلى المشتركين في طرح التساؤلات حول “بداية حصول الخطأ ومراحل تدقيق الفواتير. فمن المفترض اكتشاف الخطأ في مرحلة ما وتصحيحه. لكن لا أحد يمكنه مراجعة هذه العملية المتشعّبة والممتدة على سنوات”.
الجدير ذكره أن مستوى الأخطاء المُلاحَظة “زادَ بين العام 2021 والعام 2023. فارتفاع التعرفة ولجوء المشتركين إلى وقف توطين دفع الفواتير عبر المصارف، جعلهم على تماس مباشر مع الفواتير وعملية دفعها، فزاد التدقيق والمراجعة. لكن هل زادت الأخطاء في تلك المرحلة أم أنها باتت تُلاحَظ أكثر، أي أنها مستمرة منذ سنوات؟”. تأكيد المشتركين أن الأخطاء ليست مستجدّة، يحيل إلى عدم دقّة عمل مقدّمي الخدمات. وفي السياق، تكشف المصادر أن “نسبة الأخطاء قبل تلزيم الفوترة والجباية للشركات، كانت شبه معدومة، وكان التدقيق أسهل وأسرع، لكن بعد تسليم العملية لمقدّمي الخدمات، بات موظّفو المؤسسة يصدرون الفواتير بناءً على المعلومات المعطاة من موظّفي مقدمي الخدمات. وإذا لم يصحِّح الموظفون أي معلومات مغلوطة أو مستجدّة، كتغيير قدرة العدادات، ستستمر عملية طباعة الفواتير في المؤسسة بمعلوماتها القديمة، فترتفع المبالغ المالية بالنسبة للمشتركين”.
التساؤل الآخر المتّصل بالقضية، هو أين تذهب الأموال الزائدة نتيجة الأخطاء. فالفواتير المضخَّمة وغير المصححة تحمل زيادات مالية يُفتَرَض ظهورها في بيانات مقدّمي الخدمات ومؤسسة كهرباء لبنان، ومع ذلك، لم يكن مألوفاً على مدى أعوام، أن استدعت المؤسسة مشتركاً لتعيد له أمواله بعد تدقيقٍ روتيني. فماذا عن الأموال التي لم يجرِ المطالبة بها؟. وتتعاظم علامات الاستفهام بفعل حقيقة أن مقدّمي الخدمات لا يحوِّلون أموال الجباية يومياً إلى حسابات المؤسسة.
الأموال مفقودة
سواء كانت الأخطاء بريئة أو مقصودة، فإن أموالاً مجهولة الحجم لا تزال مفقودة، ومحاسبة المقصِّرين غير مضمونة نظراً لتشعُّب عملية الفوترة ومرورها بأكثر من موظّف، فضلاً عن تراكم الأخطاء لسنوات طويلة. ويُدرِك الموظّفون في مقدمي الخدمات ومؤسسة الكهرباء أن المراجعة والمحاسبة بعيدة المنال. فأحد الموظّفين في المؤسسة أبلَغَ المراجعين أن عليهم “نسيان القديم”، أي أن صفحة ما قبل رفع التعرفة، أو حتى فترة ما قبل تفجير المرفأ وتضرّر مبنى المؤسسة، قد طُوِيَت، بما فيها الفواتير المضخَّمة وأموالها.
عدد قليل من المواطنين أبلغوا عن استعادة بعض المبالغ المالية بعد تصحيح الفواتير، فيما ينتظر كثيرون إيجاد آلية واضحة ومستدامة للمراجعة والتدقيق واستعادة الأموال. لذلك، على المشتركين الانتباه لفواتيرهم وعدم التهاون في مراجعتها والإصرار على التدقيق واستعادة الأموال في حال وجود خلل. لكن المبادرات الفردية لا تُغني عن الزامية إجراء تدقيق مشترك بين مقدمي الخدمات ومؤسسة كهرباء لبنان تحت مظلّة التفتيش المركزي.