باسمة عطوي- نداء الوطن
“القوات”: تعيين حاكم جديد فوراً بعيداً عن تعيينات المحاسيب والأزلام المعروفة
نواب: سلامة إرتكب جرائم شائنة بتغطية من برّي وميقاتي وخليل والقضاء
مجموعات معارضة: غياب المحاسبة والرّقابة في ظلّ حكم المافيا والميليشيا
أصوات تحذّر من إنعكاسات وسلبيات ومخاطر كثيرة لبقاء سلامة في موقعه
لا يزال قرار القضاء الفرنسي بإصدار مذكرة توقيف دولية بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، يتفاعل على الصعيد الداخلي ليس قضائياً فحسب، بل أيضاً على صعيد مواقف النواب والأحزاب وجمعيات المجتمع المدني، الذين أصدروا بيانات في الساعات الأخيرة مطالبة بإقالة سلامة، في محاولة لتطويق سياسة “الأذن الصمّاء” التي ينتهجها مسؤولو القوى الأساسية في الحكومة ومجلس النواب منذ صدور القرار القضائي الفرنسي، وعدم تحريكهم ساكناً حياله، على اعتبار أنهم لم يتبلّغوا رسمياً نص مذكّرة التوقيف بعد من الجهات الفرنسية.
وعلى صعيد التحقيق اللبناني، أصدر قاضي التحقيق الأول بالإنابة في بيروت شربل أبو سمرا قراراً قضى بردّ الدفوع الشكلية المقدّمة من وكلاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في وجه الدولة اللبنانية، معتبراً أن تدخّل هيئة القضايا في وزارة العدل في الدعوى المقامة ضدّ سلامة قائم في محلّه القانوني، ما يعني قبول تدخّل الدولة في الدعوى المقامة ضد سلامة في لبنان. كما حدّد أبو سمرا جلسة لاستجواب شقيق الحاكم رجا سلامة في 15 حزيران المقبل.
موقف “القوات”
على صعيد المواقف، أكّدت “القوات اللبنانية” أنّه “لم يعد بالإمكان انتظار انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من أجل تعيين حاكم جديد”، معتبرة أنّه “بعد صدور مذكرة دوليّة بحقّه أصبح لِزاماً استقالته وإقدام الحكومة على تعيين فوريّ، لأنّه على أثر المذكّرة الدولية لن تتعامل معه الهيئات الدولية من الآن فصاعداً، الأمر الذي يفاقم المأزوميّة الماليّة ويؤدّي إلى تعقيدها وتطويرها”.
ولفتت “القوات” في بيان لدائرتها الإعلامية الى أنّه “في موازاة الأزمة الوطنية المتعلِّقة بتغييب الدولة، فإنّ الوجه المالي للأزمة انزلق إلى مستويات كارثية، ما يستدعي معالجة سريعة لهذا الجانب، ودور حاكم المصرف المركزي مفصليّ على هذا المستوى، وبعد التطورات الداخلية والخارجية التي تلاحقت مع الحاكم سلامة، لم يعد من المصلحة اللبنانية والمالية استمراره في موقعه حتى انتهاء ولايته، إنما أصبح لزاماً استقالته فوراً بهدف أن تستعيد الحاكمية مسؤولياتها ودورها بعيداً من الأعباء التي بات يشكّلها بقاء سلامة في موقعه”.
وطالبت “القوات” الحكومة، “وعلى الرغم من كونها حكومة تصريف أعمال، أن تلجأ فوراً إلى تعيين حاكم جديد يعيد الثقة اللبنانية والدولية بهذا الموقع”، محذّرة من “تعيينات المحاسيب والأزلام المعروفة، خصوصاً في موقع بهذه الحساسية والأهمية والرهان الكبير على دور الحاكمية في ظلّ الأزمة المالية التي تعصف بالبلد”.
بيان 10 نواب
في المواقف النيابية، رأى عشرة نواب وهم: الياس جرادة، فراس حمدان، سينتيا زرازير، ملحم خلف، نجاة عون صليبا، ابراهيم منيمنة، شربل مسعد، ياسين ياسين، بولا يعقوبيان، حليمة قعقور، أنّ “مذكرة التوقيف الفرنسية، التي صدرت بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، توّجت مساراً طويلاً من الملاحقات القضائية، التي كشفت الطريقة التي كان يدار بها المصرف المركزي، طوال العقود الثلاثة الماضية، والتي أفضت إلى أحد أكبر الإنهيارات المصرفية التي شهدها التاريخ الحديث، ورغم أهمية ما جرى، يحزّ في النفس الكم الهائل من المهانة التي لحقت بالسلطات الدستورية، خلال هذا المسار الطويل”. وسألوا في بيان مشترك: “هل من المقبول أن يبقى الملاحق بهذه الجرائم الشائنة والخطرة، متربّعاً على رأس الحاكمية، بما يعطيه هذا الموقع من صلاحيات يؤتمن من خلالها على سلامة النقد الوطني والنظام المالي؟ وهل المقبول أن ينخرط القضاء اللبناني في مغامرات غير محسوبة، تستهدف تغطية تقاعس الحاكم عن التوجّه لجلسات التحقيق في فرنسا؟ بل وهل المنطقي أن نشهد كل هذه المراوحة في ملف الحاكم الجنائي في لبنان، في حين أن الأموال المشتبه في اختلاسها هي أموال عامة لبنانية؟ وهل من الطبيعي أن تستمرّ العراقيل التي تحول دون اتخاذ الدولة اللبنانية صفة الادّعاء على الحاكم، لضمان حقّها في الأموال المشتبه في اختلاسها، وباستخدام ذرائع واهية يتحمّل وزير المالية المسؤولية الكبرى عنها؟ وكيف يستمرّ رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب بالتواطؤ في حماية الحاكم حتى هذه اللحظة، عبر الحؤول دون استبداله، رغم خطورة بقاء الحاكم في منصبه؟”.
واعتبر النواب أنّ “الأمر الآخر، الذي تسأل عليه الحكومة، هو التفرّج على ممارسات الحاكم أقلّه في السنوات الأخيرة، التي عمّقت الانهيار أكثر فأكثر، إن لناحية التعاميم التي حلّت مكان خطة تعافٍ مالية، ففرضت هيركات مقنعاً، أم لناحية سياسات الدعم الاستنسابية التي سيّرت عمل الكارتيلات، وما هي في الحقيقة إلا استمرارية لنهج الحاكم في تمويل سياسات الحكومات المتعاقبة، على قاعدة (مرقلي تا مرقلك)، وهذه الممارسات أيضاً، يجب أن تكون محط محاسبة كي لا يكرّس منصب حاكمية مصرف لبنان مستقبلاً، منصباً شريكاً للمنظومة في فسادها المالي والاقتصادي”.
وأشاروا إلى أن “ما يجري بات معيباً بحق اللبنانيين واللبنانيات على كل المستويات، وهو ما يدفعنا اليوم إلى رفع الصوت عالياً مطالبين بعزل المدّعى عليه رياض سلامة من موقعه بالسرعة القصوى، وتطبيق مندرجات قانون النقد والتسليف في ما يخصّ مآل الحاكمية، حرصاً على أداء مصرف لبنان في ظل الانهيار الراهن. كما نرفع الصوت مطالبين السلطة التنفيذية بإزالة جميع العراقيل القائمة، التي تؤخّر ادّعاء الدولة رسمياً على الحاكم، وخصوصاً تلك التي يتفنّن في وضعها وزير المال ومرجعيته السياسية ورئيس الحكومة. ونطالب القضاء اللبناني بلعب دور فاعل على مستوى الملاحقات الجارية محلياً، حرصاً على عدم تكريس سياسة الإفلات من العقاب، وحفاظاً على هيبة النظام القضائي”.
وشدّد النواب، على أنّه “من موقعنا كنواب ونائبات، سوف نلاحق أي محاولة من قبل السلطات اللبنانية ممثلة برئيس الحكومة ووزير الداخلية ومدعي عام التمييز، للتقاعس عن تنفيذ مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وسنعمل على تشكيل لجنة تحقيق برلمانية لتحديد المسؤوليات القانونية المترتبة عن ارتكابات سلامة، وتحديد المسؤوليات القانونية لكل من يغطي عنه ويدعمه من المسؤولين الرسميين”.
أحزاب ومجموعات معارضة
من جهتها أكّدت أحزاب ومجموعات من المعارضة، أنّ “إصدار مذكّرة توقيف دوليّة في حقّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، محطّة مفصليّة في مسار محاسبة الطّبقة السّياسيّة والماليّة الحاكمة، التّي تعوّدت على العفو العام والإفلات من العقاب رغم جرائمها الكثيرة في حقّ الشعب اللبناني، قتلاً واغتيالات وتفجيرات وسرقة للمال العام. كما أنّه يذكّر بفداحة الانهيار المؤسّساتي الّذي وصل إليه لبنان، والّذي تتحمّل مسؤوليّته الأولى هذه المنظومة، جرّاء هدمِها الممنهج للمؤسّسات ولدولة القانون”.
وأشارت هذه الأحزاب في بيان، وهي: حزب “الكتلة الوطنية”، “تيار التّغيير في الجنوب”، “لقاء الشّمال 3″، منظّمة “كلّنا إرادة”، “خطّ أحمر”، “عامية 17 تشرين”، حزب “الكتائب اللبنانية”، حزب “تقدّم” ، “انتفض للسّيادة للعدالة” (طرابلس) و”عكار تنتفض”، إلى أنّ “التّهم الموجّهة إلى سلامة من اختلاس، وتبييض أموال وتزوير مستندات مصرفيّة، خطيرة جدّاً وغير مسبوقة في حقّ حاكم مصرف مركزي، تحتّم عدم بقائه في منصبه. كما أنّ مذكّرة التّوقيف تشكّل سابقةً تاريخيّةً خطيرة جدّاً على سمعة لبنان الماليّة، ودليلاً على تحلّل الدّولة بفعل غياب المحاسبة والرّقابة في ظلّ حكم المافيا والميليشيا. كما أنّها تضع القضاء اللبناني أمام مسؤوليّاته، في ظلّ تفشّي الفساد على مختلف مستويات الدّولة من أعلى الهرم إلى أسفله، وتفضح تقصيره في محاسبة مَن هو اليوم متّهم في الاستيلاء على المال العام”.
وشدّدت الأحزاب والمجموعات على أنّه “على الحاكم الاستقالة فوراً، التزاماً بمبدأ المسؤوليّة والمواد المرعيّة في قانون النقد والتسليف، الّتي تحاسب الحاكم الملاحق لتقاعسه عن القيام بواجباته ولخطأ فادح في تسيير الأعمال. كما أنّها ضروريّة للحدّ من التّأثير الكارثي لحدث كهذا على سمعة لبنان الماليّة والقطاع المصرفي، على أن تتمّ إدارة الشّغور في حاكمية مصرف لبنان ضمن الآليّات المعتمَدة في القانون نفسه”.
ولفتت إلى أنّ “المجلس النّيابي يتحمّل مسؤوليّة الشّغور في حاكميّة مصرف لبنان، لعجزه حتّى اليوم عن انتخاب رئيس جمهوريّة، الّذي يشكّل مدخلاً لإعادة تشكيل سلطة تنفيذيّة كاملة الصّلاحيّات، تستطيع تعيين حاكم للمصرف المركزي، يلتزم القوانين المرعيّة ولا يتحايل عليها، بناءً على مصالحه ومصالح القوى السّياسيّة”. وركّزت على أنّ “على الحاكم الجديد أن يلتزم 9 أولويات:
1 – التّدقيق الجنائي بحسابات مصرف لبنان لآخر 30 سنة لكشف خفايا المافيا للرّأي العام والأجهزة القضائيّة،
2 – التّعاون مع القضاء اللّبناني والدّولي في ما يتعلّق بقضايا الفساد، مكافحة تبييض الأموال وتفشّي الاقتصاد النّقدي (cash economy)، والمؤسّسات الماليّة غير الشّرعيّة،
3 – التّعاون مع صندوق النقد الدولي وعدم عرقلة الإصلاحات،
4 – الإستقلال عن المصالح السّياسيّة والماليّة،
5 – الإعتراف بخسائر القطاع المالي كمدخل لإعادة هيكلة القطاع المصرفي،
6 – توحيد سعر الصّرف،
7 – إعادة هيكلة مصرف لبنان بما يضمن إعادة تفعيل دوره الرّقابي على المصارف والمؤسّسات الماليّة،
8 – حسن إدارة السّياسات الماليّة والنّقديّة،
9 – وتكريس الشّفافيّة المطلقة خصوصاً بما يتعلّق بالمعلومات والحسابات والبيانات والتصاريح الماليّة”.
عون: نائب الحاكم أو حارس قضائي
تجدر الإشارة الى أن الرئيس السابق ميشال عون رأى في حديث تلفزيوني ، أنه “على القضاء والحكومة في لبنان أن ينفّذا مذكرة التوقيف بحق رياض سلامة، وإلا فإنّهما يرتكبان مخالفة كبيرة”. واعترف عون بأن “التجديد لرياض سلامة كان خطأ جسيماً، ارتكبه من رفض السير باقتراحنا تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، ومن جدّد لحاكم المركزي هي الجهة التي كانت تملك ثلثي مجلس الوزراء. نحن لم نكن نملك الثلثين، وإلا لكنّا عيّنا بديلاً لسلامة منذ اللحظة الأولى ومن دون الحاجة لأي تأييد، وولاية رياض سلامة انتهت مع صدور مذكّرة التوقيف بحقّه وكان يفترض أن تنتهي منذ بدء التحقيقات في ملفّه، لأنّ سمعة حاكم البنك المركزي يجب أن تكون كالماس لا كالذهب، بمعنى أن تكون شفافة جداً”.
واعتبر أن “الإجراء الذي يمكن اتّخاذه اليوم في حاكمية مصرف لبنان يتراوح بين خيارين، إما أن يتسلّم نائب الحاكم الأول، وهو يتمنّع عن ذلك، وإما أن يتمّ تعيين حارس قضائيّ، لأنّه لا يمكن لحكومة تصريف الأعمال تعيين بديل”.