كتبت صحيفة “الجمهورية”: ينطلق اليوم أول أسبوع عمل في شأن الاستحقاق الرئاسي بعد انتهاء اعمال القمة العربية في جدة الجمعة الماضي، وكان للبنان نصيب كبير في نتائجها خصوصاً لجهة الدعوة الى استعجال انتخاب رئيس جمهورية جديد وتشكيل حكومة وإجراء الاصلاحات المطلوبة، بما يحقق الخروج من الازمة. وينتظر ان تنشط الاتصالات والمشاورات في مختلف الاتجاهات داخلياً ومع العواصم العربية والدولية المهتمة بالشأن اللبناني من أجل توفير المناخات الملائمة التي تمكن رئيس مجلس النواب نبيه بري من توجيه الدعوة الى جلسة انتخابية حاكمة قبل 15 حزيران المقبل، الموعد الذي كان قد حدّده بغية تحفيز القوى السياسية على التوافق على رئيس الجمهورية او انجاز الاستحقاق الدستوري بمنافسة ديموقراطية بين رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية ومرشح أو مرشحين آخرين.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» ان القوى السياسية العاكِفة حالياً على درس نتائج القمة العربية وكل الاتصالات التي سبقتها ورافقها وتلتها، تجري اعادة قراءة لمواقفها لكي تبني على الشيء مقتضاه، ولا سيما منها القوى المعارضة لنرشيح فرنجية والتي لم تتمكن حتى الآن من الاتفاق فيما بينها على مرشح ينافسه، وحتى ان اياً منها لم تتمكن من اعلان اسم مرشح جديد ينافسه، والمعني بذلك كل من «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية».
ودعت المصادر الى مراقبة حركة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري وطبيعة اللقاءات التي يتوقع ان يعقدها مع هذه الجهة او تلك، بعد الموقف الذي كان قد اعلنه قبل القمة وهو ان ليس لدى المملكة العربية السعودية اي فيتو على اي مرشح وانها لا تدعم اي مرشح وتستعجل انتخاب رئيس جمهورية لإنهاء الفراغ الرئاسي الذي يلحق الضرر يومياً بالبلاد، على ان يكون هناك توافق على رئيس او خوض العملية الانتخابية بمنافسة بين مرشحين، وان المملكة ستتعامل مع اي رئيس ينتخب تبعاً لأدائه.
وقالت مصادر مواكبة للاستحقاق الرئاسي لـ«الجمهورية» ان الموقف الاميركي من الاستحقاق الرئاسي لم يتغير، حيث يؤكد التعاون مع اي رئيس ينتخب وان الادارة الاميركية تستعجل انجاز هذا الاستحقاق. وفيما الموقف الفرنسي يشهد مزيدا من التقدم، فإن المملكة العربية قالت كلمتها وهي مرشحة لتقديم موقف أكثر ايجابية. اما روسيا فهي تواكب في اتصالاتها مع اكثر من جهة لبنانية وعربية ودولية كل ما يجري تحضيراً لاجراء الانتخابات الرئاسية.
واضافت المصادر انه فيما ترشيح فرنجية يحقق مزيدا من التقدم فإنّ الفريق المعارض لترشيحه يبدو مُربكاً لسببين:
– الاول، عدم ثقة المعارضين بموقف رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل من انه سيقطع علاقته بـ«حزب الله». فباسيل كرجل مُسيّس ووزير خارجية سابق يدرك التحولات الجارية اقليميا ودوليا، وكذلك يدرك ان فرنجية يقف على تقاطع دولي اقليمي كبير، ما يدفع البعض الى الرهان على انه سيتخذ قرارا مهما في ربع الساعة الاخير.
واشارت المصادر الى ان الموقف السعودي يمكن ان يدفع «القوات اللبنانية» الى تغيير موقفها المُعلن من الاستحقاق الرئاسي، إذ لا يستبعد هذا الامر من الحسبان كما لا ينبغي الاستخفاف بتداعيات العلاقات السورية السعودية على لبنان.
وفي معرض التعليق على اسماء المرشحين التي يسوّقها فريق المعارضة لموقعَي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، والتي تنتمي الى لون سياسي واحد، قالت المصادر إنه لا يمكن لها النفاذ لأنّ الطائف كرّس ان تكون السلطة التنفيذية متوازنة بين فكرين وانتماءَين ولا يعقل ان تكون من ضمن انتماء سياسي واحد.
حراك المعارضة
الى ذلك توقفت مصادر متابعة لحراك المعارضة عند ما حصل الاسبوع الماضي من محاولة فريق المعارضة للتوحد حول مرشح واحد، حتى ولو كان اقتضى الامر ان يتنازل رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع عن معاييره التي كان سبق له ان وضعها كشرط للتنسيق مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل في شأن الاستحقاق الرئاسي، فإذا به يقبل بمرشح باسيل الوزير السابق جهاد ازعور ليتفاجَأ العاملون على هذه الخطوة برفض باسيل، وهذا ما نقل عن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في مجالسه.
وفي هذا السياق كان اللافت كلام عضو تكتل «لبنان القوي» النائب الان عون التلفزيوني من انّ احد اعضاء التكتل هو أولى بالترشيح للرئاسة من اي مرشح من خارج التكتل، وان التكتل لا يمكن ان يكون منصة لاستهداف اطراف اخرى. كما ان امين سر تكتل «الجمهورية القوية» النائب جورج عدوان كان قد اكد ان باسيل قد اسقط فكرة اتفاق المعارضة من خلال وَضعه شرطاً ان يكون المرشح مقبولاً لدى «حزب الله»، متهماً ايّاه بأنه سعى الى تعزيز اوراقه التفاوضية مع الحزب من خلال الانفتاح على فكرة توحيد المعارضة حول مرشح.
وقالت المصادر نفسها لـ«الجمهورية» ان هذا الموقف الذي عبّر عنه عدوان كان قد سبق ان تمّ تنبيه «القوات اللبنانية» وحزب الكتائب اليه، فكان ان آثرا الذهاب في هذا الاتجاه على رغم من إدراكهما نيّات باسيل، وهذا ما يؤكد حالات الارباك والاحباط المتتالية التي تعيشها «القوات»، أقله من خلال الموقف السعودي المتبدّل إزاء فرنجية وموقف جنبلاط الرافض اتفاق المعارضة واخيراً موقف باسيل الذي بات معروفاً.
وقالت المصادر نفسها ان السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو «ما هي خيارات المعارضة في ظل انفصال باسيل وجنبلاط عنها؟ وهل هناك من امكانية لديها لإيصال مرشح ام ان اجندة عملها قد عادت الى المربّع الاول، أي تعطيل النصاب؟ وما هي تداعيات هذا التعطيل فيما لو حصل على النواب المعطلين في ظل الاجواء التي تتحدث عن فرض عقوبات عليهم؟».
واضافت: «يبقى ان تنتظر الساحة اللبنانية التداعيات السياسية للقمة العربية على لبنان والاستقبال المُلفت للرئيس السوري بشار الاسد من جانب ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان». ولفتت الى ان حضور الرئيس الاوكراني فلوديمير زيلينسكي القمة العربية قد اكد الغطاء الاميركي للقمة وما قد ينتج عنها على مستوى كافة الساحات الشائكة بما فيها لبنان، والتي قد يتم التعبير عن نتائجها لبنانياً من خلال سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد البخاري او من خلال اي سيناريو آخر.
وعلّقت المصادر على حديث البعض عن رغبة جعجع بترشيح احد اعضاء تكتل «لبنان القوي»، فاعتبرت ان هذا الترشيح لن يأتي بنتائج اذ انه إن حَصل فلن يشكل ضغطا على «الثنائي الشيعي» الذي يتمسّك بالتزامه دعم ترشيح فرنجية حتى النهاية، كما ان هذا الامر يشكل احتمالاً لردة فعل عكسية من جانب باسيل تذهب به الى تأييد فرنجية، حيث تتحدث مصادر مطلعة عن احتمال ان يعود بأجواء ايجابية من باريس بعد لقاء مُحتمل مع المستشار الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل في ظل واقع المنطقة الذي يذهب في اتجاه الحل الذي يرضي سوريا و«حزب الله».
واشنطن والهدايا
الى ذلك، أبلغت اوساط واسعة الاطلاع الى «الجمهورية» ان الولايات المتحدة الاميركية «لن تعطي هدايا مجانية في الاستحقاق الرئاسي وانها غير مستعجلة، وهي مستعدة للانتظار الى حين ان تنضج ظروف تسوية ملائمة رئاسياً، «ومَن يُعاند مثل هذه التسوية عليه ان يتحمل النتائج». ولفتت هذه الاوساط الى «ان الاميركيين يعتبرون ان المطلوب قراءة دقيقة لتوازنات مجلس النواب وتحديد هوية الرئيس المقبل تبعاً لهذه القراءة».
وبالنسبة الى ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أكدت الاوساط «ان واشنطن لا تزال غير متحمسة لإقالة سلامة وانها لم تعط بعد الضوء الأخضر لإزاحته، الأمر الذي من شأنه ان يؤدي الى تضييق الخيارات الممكنة في التعامل مع قضيته أمام الرئيس نجيب ميقاتي وحكومة تصريف الأعمال».
وكشفت الاوساط انه تم التداول في بعض الغرف المغلقة بطرح يقترح ان تستلم إحدى الشخصيات النيابية المُلمّة بالشأن المالي مؤقتاً حاكمية مصرف لبنان بعدما تستقيل من النيابة، ولكن هذا الطرح لم يتبلور.
اللقاء التشاوري
في غضون ذلك وبعد اسبوعين على الاجتماع السابق، يلتئم اللقاء التشاوري مجدداً اليوم في السرايا الحكوية في حضور جميع الوزراء او على الاقل غالبيتهم وفي مقدمهم المقاطعين للجلسات، حيث اكد مصدر حكومي لـ«الجمهورية» ان هذه الجلسات الحوارية اصبحت مفيدة جداً للتشاور في معظم الملفات ولم يعد يقاطعها اي طرف، فقد استطاع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الالتفاف على هذه المقاطعة بالاستماع الى وجهة نظر كل الوزراء في مقاربة الاشكاليات والملفات.
واشار المصدر الى ان اللقاء سيبحث ما سيدرج على جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء المقررة يوم الجمعة المقبل، وخصوصا ملف النزوح ووضعية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وكشف انه تم الاتفاق على مسار يفرضه القانون الذي يضع خيارين لا ثالث لهما: امّا الاستقالة الطوعية واما الاقالة. ففي الاولى أبلغ الحاكم انه لن يقدمها وسينتظر انتهاء الولاية، والثانية تحتاج الى شروط، والسؤال هل هذه الشروط متوافرة؟ هذا ما سيبحث لأن المادة ١٩ من قانون النقد والتسليف تتحدث عن اسباب صحية مثبتة بتقرير وفق الأصول او مخالفة مسلكية جرمية مثبتة وفقاً للأصول، وهذا الأمر يحتاج الى حكم إدانة وهو غير الموجود حاليا.
واضاف المصدر: «هذا الوضع استثنائي جدا فنحن لسنا في ظروف عادية وعلينا ان نحتسب للتداعيات. ثم ان هناك إشكالية ثالثة تتعلق بالحكم الأجنبي والنص هنا يفرض علينا الاخذ بقانون العقوبات اللبناني. لذلك شروط الاقالة غير متوافرة». واكد «ان حتمية تسلّم النائب الاول عند انتهاء ولاية سلامة لا مفر منها بقوة القانون منعاً للشغور، وحتى اذا رفض وقرر الاستقالة فهذا الامر يحتاج الى قرار لمجلس وزراء لقبولها وعليه التسلّم الى حين البت بها، والا يكون مُخلّا بالواجبات ومرتكبا للجرم اذا امتنع عن تسلم المهمات والجميع اصبح في هذه الاجواء». وتوقع المصدر «ان لا نذهب الى خلاف في هذا الخصوص».
وقالت مصادر وزراية لـ«الجمهورية» ان ميقاتي لم يشأ وضع جدول اعمال للقاء ليبقى مفتوحا على مختلف التطورات، وأوضحت انه سيضع الجميع في صورة نتائج مشاركة لبنان في القمة العربية وسيكون جدول الأعمال مفتوحا لمناقشة مختلف التطورات، بما فيها الإجراءات القضائية التي اتخذت نهاية الأسبوع الماضي بحق سلامة وجديد الملفات المتصلة بالنازحين السوريين والأوضاع الادارية والامنية عموماً.
عودة البحرين
أعلنت وزارة الخارجية البحرينية أمس الأول أنه «تنفيذًا لتوجيهات القيادة الحكيمة فقد قررت البحرين استئناف التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء مع لبنان، تعزيزًا للعلاقات الأخوية بين البلدين والشعبين الشقيقين والاحترام المتبادل». ولفتت إلى أنّه يأتي «وفقًا لمبادئ ميثاق جامعة الدول العربية، وأحكام اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961».
بو حبيب: سفارة جديدة في بيروت
وكشف وزير الخارجية عبد الله بو حبيب لـ«الجمهورية» امس انه تبلّغ بالقرار البحريني في أثناء انعقاد القمة عندما طلب نظيره البحريني اللقاء به على عجل، ليُبلغه بالقرار الملكي بإحياء العلاقات الديبلوماسية بين المنامة وبيروت وفتح سفارة جديدة للمملكة في لبنان. ولفته إلى ان مهمة سفير البحرين في دمشق والذي كان يتولى رعاية شؤون البحرينيين في لبنان قد انتهت، وأنه سيكون للمملكة سفارة وطاقما ديبلوماسيا كاملا في بيروت في اسرع وقت ممكن، وان الاجواء باتت مفتوحة لمزيد من التعاون كما أوحت به أجواء قمة جدة.
وتوجّه بوحبيب أمس الى روما للمشاركة في اعمال المؤتمر الذي تنظمه مؤسسة «ميدور» المعنية بشؤون دول البحر المتوسط، وستكون إقامته في روما مناسبة للقاء نظيره الإيطالي ووزير الامن الايطالي، كما يزور الفاتيكان للقاء نظيره وزير خارجية الفاتيكان، قبل ان يتوجّه الى واشنطن في زيارة تمتد لأيام عدة يلتقي خلالها عدداً من كبار المسؤولين.