يحتفل العالم بـ”يوم حقوق الإنسان” في العاشر من ديسمبر كل عام، للتذكير بالمطالبات التي تضمنها الميثاق العالمي الذي صدر عام 1948، ويكتسب هذا العام أهمية خاصة بسبب جائحة أصابت العالم وفرضت ظروفا استثنائية وكشفت عن أوجه القصور في الحقوق التي تضمنها الإعلان، وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى اختيار موضوع هذا العام عن الجائحة.
يرمز الاحتفال لليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بموجب القرار 217، الذي حدد للمرة الأولى حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالميا، ووضعت المنظمة الدولية هذا الإعلان معيارا ينبغي أن تستهدفه الشعوب والأمم كافة.
تم إقرار الاحتفال بـ”يوم حقوق الإنسان” رسميا في الاجتماع رقم 317 للجمعية العامة في الرابع من ديسمبر 1950، حيث أصدرت الجمعية القرار رقم 423 (V)، الذي دعت فيه جميع الدول والمنظمات الدولية إلى اعتماد العاشر من ديسمبر كل عام يوما عالميا لحقوق الإنسان.
ورغم أن الإعلان ليس وثيقة ملزمة، فقد شكل مصدر إلهام لإعداد أكثر من 60 صكا من صكوك حقوق الإنسان، تشكل مجتمعة مرجعا دوليا لحقوق الإنسان.
وكل عام، يتم اختيار موضوع للفت الانتباه إلى جانب معين من الجهود المبذولة لدعم حقوق الإنسان. الموضوعات المختارة تاريخيا تنوعت بين إنهاء التمييز، ومحاربة الفقر، وحماية ضحايا الانتهاكات وغيرها.
ومنذ عام 1968، الذي صنفته الأمم المتحدة السنة الدولية لحقوق الإنسان، منحت المنظمة بشكل دوري جائزة الأمم المتحدة في هذا اليوم.
ويقوم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان بتنسيق الجهود العالمية للاحتفال، وتقام المؤتمرات وتنظم الاحتجاجات.
وتاريخيا لاقت هذه الفعاليات نتائج إيجابية غيرت أنظمة وحددت مستقبل شعوب. وعلى سبيل المثال، أفضت أعمال العنف التي واكبت مظاهرة يوم حقوق الإنسان في كاو-شيونغ في تايوان عام 1979 إلى عملية تحول ديمقراطي في البلاد. وبالمثل، ساهمت سلسلة من المظاهرات الحاشدة في ذلك اليوم من عام 1989 في منغوليا في التعجيل بانهيار الحكومة الشيوعية في العام التالي.
تاريخ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
دفعت المآسي التي شهدتها المجتمعات بسبب الحرب العالمية الثانية زعماء العالم إلى صياغة وثيقة تمنع حدوثها.
بعد الحرب العالمية الثانية وإنشاء الأمم المتحدة، تعهد المجتمع الدولي بعدم السماح على الإطلاق بوقوع فظائع من هذا القبيل مرة أخرى، وقرر زعماء العالم إكمال ميثاق الأمم المتحدة بخريطة طريق تضمن حقوق كل فرد في أي مكان أو زمان.
الوثيقة التي توخاها هؤلاء الزعماء، والتي أصبحت فيما بعد “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، كانت موضع نظر في الدورة الأولى للجمعية العامة في عام 1946.
وقامت لجنة حقوق الإنسان في دورتها الأولى، التي عقدت في أوائل عام 1947، بتفويض أعضاء مكتبها لصياغة ما أسمته “مشروع مبدئي للشرعة الدولية لحقوق الإنسان”. وبعد ذلك استؤنف العمل على يد لجنة صياغة رسمية تتألف من أعضاء للجنة تم اختيارهم من ثماني دول في ضوء المراعاة الواجبة للتوزيع الجغرافي.
الدور الأميركي.. روزفلت “القوة الدافعة”
قامت إلينور، أرملة الرئيس الأميركي الراحل، فرانكلين روزفلت، برئاسة لجنة الصياغة. واشترك معها رينيه كاسين من فرنسا، الذي وضع المشروع الأولي للإعلان، ومقرر اللجنة، تشارلز مالك من لبنان، ونائب رئيسة اللجنة، بونغ شونغ شانغ من الصين وآخرين، وتقول الأمم المتحدة إن “روزفلت كانت بمثابة القوة الدافعة وراء وضع الإعلان”.
اجتمعت اللجنة لأول مرة في عام 1947، وقدم المشروع النهائي إلى لجنة حقوق الإنسان التي كانت منعقدة في جنيف. وسمي مشروع الإعلان الذي أرسل إلى جميع الدول الأعضاء للتعليق عليه، مشروع جنيف.
شاركت أكثر من 50 دولة من الدول الأعضاء في إعداد الصيغة النهائية. وبموجب القرار 217 ألف، المؤرخ 10 ديسمبر 1948، اعتمدت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس، مع امتناع ثماني دول عن التصويت ودون معارضة أحد.
وكان لافتا أن النص الكامل للإعلان وضع في فترة تقل عن سنتين، وفي وقت كان العالم فيه لا يزال منقسما إلى كتلة شرقية وأخرى غربية.
“حقوق غير قابلة للتصرف”
أعلنت الوثيقة حقوقا غير قابلة للتصرف يتمتع بهل كل إنسان، بصرف النظر عن العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو اللغة أو الرأي السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر. والإعلان هو الوثيقة الأكثر ترجمة في العالم، وهي متاحة حاليا في أكثر من 500 لغة.
وتقول الوثيقة في ديباجتها “يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء”.
وأقرت مواده الحق في الحياة والحرِية والأمان وفي عدم الاستعباد أو التعرض للتعذيب والعقوبة القاسية أو اللاإنسانية والاختفاء القسري وأقرت الاعتراف بحق كل إنسان بالشخصية القانونية والتمتُع بحماية القانون وغيرها من الحقوق.
حقوق الإنسان وسط جائحة
اختارت الأمم المتحدة هذا العام موضوع: “التعافي بشكل أفضل- دافع عن حقوق الإنسان”، وقالت إن العالم هذا العام “في حاجة إلى إعادة البناء بشكل أفضل من خلال ضمان أن تكون حقوق الإنسان أساسية لجهود التعافي”.
وقالت: “لن نصل إلى أهدافنا العالمية المشتركة إلا إذا كنا قادرين على خلق فرص متكافئة للجميع، ومعالجة الإخفاقات التي كشفها الجائحة، وتطبيق معايير حقوق الإنسان للتصدي لأوجه عدم المساواة والإقصاء والتمييز المتجذرة والمنهجية بين الأجيال”.
وتقول المنظمة إن “الجائحة ضربت المجتمعات كافة في صميمها وهددتها على المستوى الطبي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي… لقد غذى تفاقم الفقر وعدم المساواة والتمييز والاستبعاد المأساة الإنسانية التي يعيشها عالمنا اليوم”.
وتضيف “ذكرتنا هذه الجائحة بحقيقة بسيطة، وهي أن العالم الذي يحترم حقوق الإنسان للجميع بشكل كامل هو عالم أكثر استعدادا لمواجهة جميع الأزمات والتعافي منها”.
حقوق سكان الشرق الأوسط في ظل الجائحة
وكانت الأمم المتحدة قد ذكرت في تقرير لها، في يوليو الماضي، حول تأثير الأزمة على دول العالم العربي إن المنطقة التي يعيش فيها نحو 436 مليون نسمة حافظت في البداية على معدلات انتشار للعدوى ووفيات أقل من المتوسط العالمي ثم سرعان ما أصبحت الأمور “مدعاة للقلق”، في ضوء “الرعاية الصحية الممزقة والرعاية الأولية غير الكافية في العديد من البلدان”.
الوباء أيضا فاقم من التحديات المستمرة منذ عقود، مثل العنف والصراعات، وعدم المساواة، والبطالة، والفقر، وشبكات أمان اجتماعي غير كافية، وأنظمة غير مستجيبة بشكل كاف.
في ظل هذا الوضع، توقع التقرير أن ينكمش الاقتصاد في هذه المنطقة بنسبة 5.7 في المئة، وقد يصل إلى 13 في المئة في المناطق التي تشهد صراعات، والخسارة الإجمالية ستكون 152 مليار دولار.
“الصدمة المزدوجة” للوباء وانخفاض أسعار النفط دفعت صندوق النقد الدولي إلى خفض توقعاته الاقتصادية لشرق وشمال أفريقيا لأدنى مستوى لها منذ 50 عاما، بحسب التقرير، الذي توقع وصول عدد الفقراء إلى 115 مليونا، وهو ما يمثل ربع سكان المنطقة. ويقول إن الكثير من الفقراء الجدد كانوا في الأساس من الطبقات الوسطى. “وإذا استمر معدل الفقر لمدة طويلة، سيتهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي”.
منظمة “جاست سيكيورتي” قالت في تقرير حول أوضاع حقوق الإنسان في المنطقة بعد تفشي الوباء، إن الكثير من دولها اتخذت تدابير استثنائية لمواجهة الجائحة، لكنها “في كثير من الأحيان استخدمت الوباء ذريعة لفرض قيود مفرطة”.
قامت هذه الحكومات “بتقييد أو تعليق العديد من الحقوق المدنية والسياسية، وفي بعض الحالات، أعلنت حالات الطوارئ التي تجاوزت الهدف من الوقاية من الأوبئة، وفرضت قوانين قمعية تحت ستار معالجة الوضع الصحي”.
وفرضت دول المنطقة قيودا على حرية الرأي من بينها تجريم نشر “أخبار كاذبة” أو تقارير عن الوباء غير مصرح بها من قبل السلطات، لكنها تجاوزت الهدف منها، بحسب التقرير.
منظمة العفو الدولية، قالت إن دول مجلس التعاون الخليجي “استغلت الجائحة لمواصلة الأنماط الموجودة مسبقا لقمع الحق في حرية التعبير في 2020″، وذلك باستخدام “قوانين معيبة لتجريم ‘الأخبار الكاذبة’ لاستدعاء واعتقال والتحقيق في ومقاضاة الأفراد الذين ينشرون محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي حول الوباء أو استجابة الحكومة له”.
الأمم المتحدة قالت بمناسبة الاحتفال بيوم حقوق الإنسان إنه يجب أن يكون “فرصة لإعادة التأكيد على أهمية حقوق الإنسان في إعادة بناء العالم الذي نريده، والحاجة إلى التضامن العالمي وترابطنا وإنسانيتنا المشتركة”.
الحرة