عزة الحاج حسن – المدن
نجحت المصارف بإحداث شرخ بين المودعين وممثليهم من المدافعين عن حقوقهم. دخلت فيما بينهم تحت شعارات وعناوين مخادعة تستهدف بظاهرها الدفاع عن المودعين وتحصيل أموالهم، في حين تسعى جاهدة إلى شرذمة تكتلاتهم وإضعاف تحركاتهم في وجهها. وهو ما نجحت به إلى حد كبير، بدليل وجود 3 إلى 4 مجموعات تحت راية الدفاع عن حق المودعين.
ولا تقتصر مسألة تعدد المجموعات المدافعة عن حقوق المودعين، على اختلاف مشاريعها وأساليب دفاعها عن حق المودعين، وسياسة مواجهة المصارف وتوزيع المسؤوليات، بل تمتد إلى وقوع خلافات ومواجهات تصل في بعض الحالات إلى حد التعرض الشخصي لأفراد وتهديدهم تحت راية الاختلاف بالرأي.
مجموعات وانشقاقات بين المودعين
لعل أهم الخلافات بين رابطة المودعين وجمعية المودعين وجمعية صرخة المودعين، وهي أبرز المجموعات الرافعة لشعار الدفاع عن أموال المودعين، تكمن في كيفية مقاربة مسألة “توزيع الخسائر” وتراتبية تحميل المسؤوليات. وهو العنوان الذي لعبت تحت سقفه المصارف دوراً بارزاً في تفرقة المودعين.
أما مسألة توزيع الخسائر وتراتيية تحميل المسؤوليات، فقد تبلورت على شكل شرعة المودعين التي أطلقتها رابطة المودعين منتصف العام 2022، فأطلقت جمعية المودعين على أثرها شرعة جديدة مطلع العام 2023. وبين الشرعتين اختلافات جوهرية، أدت فيما بعد إلى انشقاق “جمعية المودعين”، وبروز تكتل جديد تحت اسم “جمعية صرخة المودعين”، التي انقسمت بدورها إلى “صرختين”.
وليس هذا فحسب، فقد فرزت الشرعتان نواباً وسياسيين بين مدافعين شرسين عن المصارف وساعين لتحميل الدولة كامل مسؤولية الخسائر، وبين مطالبين بتحميل المصارف مسؤولية سوء الأمانة، والمخاطرة بأموال المودعين وعدم حماية الودائع وفق معايير عالمية.
من هنا، بدأت تشتد خلافات المودعين تحت مظلة التكتلات الجامعة لهم، وإن كانت رابطة المودعين لا تزال حتى اليوم الأكثر جمعا للمودعين والقانونيين، والأكثر متابعة لقضايا المصارف في الداخل والخارج. وهو ما جنّبها الانشقاقات. لكن جمعية المودعين التي انشقت عنها جمعية صرخة المودعين، هي الأخرى -أي صرخة المودعين- تفرّع منها صرخة مودعين أخرى. وبات لكل مودع برنامجه وآليته الخاصة بالمواجهة. الأمر الذي أساء لقضية المودعين وسهّل مهمة المصارف لشرذمتهم.
اختلافات بين شرعتي حقوق المودعين
تردد مؤخراً سؤال على ألسنة المودعين حول ماهية الاختلاف بين شرعتي حقوق المودعين، الأولى العائدة إلى رابطة المودعين، والثانية إلى جمعية صرخة المودعين. وقد تكررت الأسئلة مؤخراً بعد اشتباك حصل بين رابطة المودعين وصرخة المودعين على خلفية تعرّض الأخيرة لأحد أعضاء الرابطة، عقب اختلافها معه بالرأي حيال رفض عدد من النواب التوقيع على شرعة المودعين العائدة لصرخة المودعين. من هنا لا بد من التمييز بين الشرعتين.
تعبّر المحامية دينا ابو زور وهي عضو في رابطة المودعين، عن شرعة المودعين التي وضعتها الرابطة ووقع عليها عدد من النواب، بالقول إن شرعة حقوق المودعين الصادرة عن رابطة المودعين تعتبر أن الحل بتراتبية تحمل المسؤولية بدءاً من المصارف إلى مصرف لبنان ثم الدولة بالمعنى الضيق، أي ما يتعلق بسندات الخزينة وغيره. وبالتالي، فإن اي حديث عن بيع أصول الدولة ورهن الأصول بهدف حماية المصارف من الخسائر التي من الممكن أن تتكبدها، في حالة إعادة الودائع، هو نسف لمبدأ المحاسبة، لأن المصارف هي المسؤول المباشر عن إساءة أمانة الأموال المودعة لديها. وبالتالي، تتحمل المسؤولية بشكل مباشر.
أما شرعة المودعين التي اطلقتها جمعية صرخة المودعين بحضور عدد من النواب، فاعتمدت تراتبية تحميل المسؤوليات بشكل مختلف تماماً، يبدأ من الدولة ثم مصرف لبنان ثم المصارف. وهنا يكمن الاختلاف الجوهري بين الشرعتين.
شبهات بحماية المصارف
وما يثير الريبة أكثر بشرعة المودعين العائدة لجمعية صرخة المودعين، هو تاريخ النواب الذين وقعوا عليها وتبنّوها، وعلى رأسهم النائب ميشال معوّض المعروف بمحامي المصارف.
وتقول أبو زور “إن شرعة المودعين التي أعلنتها جمعية صرخة المودعين مشبوهة لعدة أسباب، الأول لناحية المجتمعين على توقيعها، منهم ميشال معوض وما يمثل من مصارف ومصالح المصارف في مجلس النواب وSGBL، وعدد آخر من النواب بينهم وضاح الصادق والياس جرادة وغيرهم. السبب الثاني هو أن الهدف الأساسي من الشرعة نسف تراتبية المسؤوليات عن ضياع أموال المودعين وتحميل الدولة منفردة مسؤولية الخسائر بشكل مباشر وتحميل المال العام تحديداً المسؤولية. وكأن المال العام مسخّر لإطفاء خسائر المصارف واستعادة أموال المودعين.
وترفض أبو زور اتهام جمعية صرخة المودعين للرابطة بأنها تستهدف التفريق بين المودعين وتدعم شطب الودائع الكبيرة، وتقول “الرابطة لم تنف حماية كبار المودعين لكنها تنادي بتأمين الحماية للمودعين وفقاً لكل القوانين والأنظمة العالمية، مع الحرص على حماية صغار ومتوسطي الودائع خلال الأزمات المالية القاسية، قبل ان تعالج كبار الودائع. وهذا لا يعني أن كبار المودعين لا يجب أن يكونوا مشمولين بالحل والحماية. ولكن يجب أن تحدد الاوليات” لاسيما أن أعداد صغار ومتوسطي المودعين كبيرة جداً بالمقارنة مع كبار المودعين.
عن غير قصد
في المقابل يصرّ عيسى أغاسي المتحدث باسم “جمعية صرخة المودعين” بأن خلافه مع الرابطة يعود لتمييزها بين كبار المودعين وصغار ومتوسطي المودعين، ويقول “لا فرق بين مودع يملك 50 ألف دولار وآخر يملك ملايين الدولارات. فالمودع مودع”. مطالباً بالتدقيق في الحسابات الكبيرة لاسيما حسابات المصارف. وعليه، يتم تحديد الودائع الشرعية وغير الشرعية.
ورداً على اتهامات المودعين والرابطة لجمعية صرخة المودعين وشرعتها بأنها تستهدف حماية المصارف بالتنسيق والتعاون، يقول أغاسي أن جمعية صرخة المودعين برئاسة علاء خورشيد قد انسحبت من شرعة حقوق المودعين التي وقّع عليها ميشال معوض ونواب آخرون يدورون في فلكه، أي من فريق سياسي واحد، وبالتالي لم تعد تلك الشرعة تمثّلهم. ويضيف اغاسي بأن جمعية صرخة المودعين ذكرت في شرعتها “عن غير قصد” ترتيب المسؤولين عن الخسائر بدءاً من الدولة ثم مصرف لبنان ثم المصارف في حين أنهم على قناعة تامة بأن المصارف هي المسؤول الأول عن الودائع.
وبصرف النظر عن انشقاق جمعية صرخة المودعين وسحب يد فريق منها من تبنّي شرعة حقوق المودعين التي تحمّل مسؤولية الخسائر مباشرة للدولة اللبنانية وليس المصارف، فلا يمكن تفسير تعبير “عن غير قصد” إلا بسطحية التعامل مع قضية ضخمة بحجم قضية المودعين، وبنجاح نواب المصارف بالاستخفاف بقضية المودعين، والتعامل مع بعض حاملي لواء الدفاع عن أموال المودعين على أنهم “سُذّج”.