عزة الحاج حسن – المدن
مع تقدّم الحديث عن قرب انطلاق قواعد مصرفية مُستحدثة، والدخول بما يشبه النظام المصرفي الجديد، وما يرافقه من ترويج من قبل المصارف لمرونة التعامل بالحسابات المصرفية الجديدة وبطاقاتها وشيكاتها وتسهيلاتها، ارتفع منسوب المخاوف بين المواطنين، لاسيما منهم المودعين “المُختلسة” أموالهم بالمصارف، من توقف العمل بالشيكات القديمة أو ربما بتضييق التعامل معهم، وما إلى ذلك من مخاوف توازي حجم الترويج المُخادع الذي تنتهجه المصارف قبل دخول التعميم 165 حيز التنفيذ.
مع بدء العد العكسي لتطبيق التعميم 165 الصادر في 19 نيسان الفائت (مرفق)، تتزايد أسئلة المودعين حول مصير أموالهم، وصلاحية الشيكات المسحوبة عليها، والقدرة على سحب الفُتات من ودائعهم. فعلى الرغم من التضييق التعسفي الذي تمارسه المصارف على المودعين، تبقى تلك الأسئلة مُقلقة بالنسبة إلى أصحاب الحقوق، بعد أن باتوا عاجزين عن تحصيل ودائعهم، إلا بما تسمح به المصارف، والذي لا تزيد نسبته عن 15 في المئة من قيمتها.
التعميم 165
في حقيقة الأمر، المرحلة الجديدة التي تروّج لها المصارف ومصرف لبنان سيتم إطلاقها والتأسيس لها على حساب الودائع القديمة، التي ستوضع في الظل إلى أجل غير مسمى. هكذا، تخطو المصارف برعاية مصرف لبنان فوق أزمة ودائع تلعب دوراً رئيسياً باختلاسها، لتؤسس مرحلة مصرفية جديدة مع أموال جديدة، بمودعين جدد وربما ضحايا جدد.
وقد سبق لمصرف لبنان أن أصدر التعميم 165 تحت عنوان عمليات التسوية الإلكترونية العائدة للأموال النقدية (fresh Money)، أي تنظيم الأموال الجديدة التي يتم التعامل بها خارج مصرف لبنان، لتضييق نطاق التعامل بالمال النقدي أو الكاش. وليضع بذلك يده على التعاملات النقدية عبر عمليات تبادل تحت سقفه. ما يعني إجراء عمليات مقاصة بالليرة والدولار في مصرف لبنان.
ومع اتساع نطاق اقتصاد الكاش وتجاوزه نسبة 70 إلى 75 في المئة من التعاملات، يحاول مصرف لبنان توجيه التعاملات النقدية إلى مصرفية، درءاً لشبهات تبييض الأموال وتجنّباً لوضع لبنان على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي الدولية (FATF)، التي أمهلت لبنان مؤخراً سنة كاملة للتعامل مع مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، الناجمة عن اتساع اقتصاد “الكاش” غير القابل للضبط.
شيكات وبطاقات
كان على مصرف لبنان المباشرة بتطبيق التعميم 165 مطلع شهر حزيران المقبل، أي الأسبوع الحالي، غير أن بعض الإجراءات والتحضيرات التقنية استلزمت تأجيل تطبيقه لفترة قصيرة. وليس هذا سوى تفصيل بالنسبة إلى ما يتم التأسيس له.
تطبيق التعميم 165 يستلزم تأسيس ما يشبه النظام المصرفي الجديد. فالمصارف قامت بفتح حسابات نقدية لها بالليرة والدولار في مصرف لبنان، تنفيذاً للتعميم المذكور، على أن يتم التعامل بالأموال الجديدة عبر مصرف لبنان، وإجراء عمليات مقاصة للشيكات الجديدة التي سيتم إصدارها قريباً بشكل مختلف عن الشيكات المستخدمة حالياً. وتتميز الشيكات الجديدة بدمغها بكلمة Fresh باللون الأخضر. كما سيتم إصدار بطاقات مصرفية جديدة مسحوبة على الحسابات الفريش، مرفقة بآلية تعاملات وشروط وامتيازات خاصة، وربما منصة لإجراء عمليّات المقاصة للشيكات والتحاويل الإلكترونيّة الجديدة.
بمعنى آخر، يتم التأسيس لمرحلة من النظام المصرفي قائمة على الودائع الجديدة، متجاوزة الودائع القديمة التي لا يزال أصحابها يعانون حتى اللحظة للاستحصال على تطمينات حيالها.
في الإيجابيات والسلبيات
التعميم 165، وإن كان بظاهره يهدف إلى لجم اتساع اقتصاد الكاش، وإجراء عمليات تسوية إلكترونية للأموال النقدية عبر مصرف لبنان، وتسهيل آليات التعامل المصرفي، وبدء التأسيس من جديد لثقة المودعين بالمصارف، غير أنه بمفاعيله له انعكاسات سلبية واضحة.
فمصرف لبنان يرسّخ بموجب النظام المصرفي الجديد -الذي يؤسس له التعميم المذكور- مسألة اعتبار الودائع المصرفية لما قبل 17 تشرين الثاني 2019 ودائع رديئة، والأموال المودعة بعد 17 تشرين الثاني 2019 أموالاً جيدة. هذا بالإضافة إلى أن التأسيس لنظام تعامل مصرفي جديد يتم من دون معالجة أزمة الودائع القديمة، ولا حتى وضع خطة لكيفية التعامل معها، وتوزيع الخسائر والمسؤوليات. باختصار، يأتي التعميم 165 على أنقاض الودائع القديمة التي من المرجّح أن يستمر التعامل مع أصحابها بما هو ساري حالياً، إن لجهة الشيكات أو السحوبات إلى حين تذويب معظمها.
ومن المآخذ أيضاً على التعميم الجديد، والنظام المرتقب، أن مقاصة الشيكات بالدولار أو التحويلات الإلكترونية من خلال غرفة مقاصة محلية في مصرف لبنان، لن يقطع الطريق على عمليات تبييض الأموال، خصوصاً أن عملية تعقب الأموال لا تزال غير واضحة.
وتبقى المخاوف الكبرى في انعدام ثقة المودعين الجدد بالقطاع المصرفي ومصرف لبنان، على الرغم من فرض الأخير شروطاً متشددة على المصارف لتطبيق التعميم 165، لجهة تأمين مؤنات كافية لتسوية العمليات النقدية.
من هنا يتكرّر السؤال الأبرز على ألسنة المودعين “ماذا لو تم اختلاس أموالنا من جديد كما حصل في السنوات الأربع الماضية؟”