عزة الحاج حسن – المدن
لا يختلف نهج شركات التأمين بالتعامل مع المؤمّنين والأجهزة الرقابية عما تعتمده المصارف، فالقطاعان مترابطان في كثير من الجوانب. وليست المصارف وحدها من اختلست وسطت على أموال المودعين، فشركات التأمين التي بغالبيتها وليدة المصارف، حجرت أيضاً على مدخرات المؤمّنين من البرامج الإجتماعية التي تكاثرت في السنوات الأخيرة، وانعدمت جدواها بكل ما جمعت من أموال بـ”كبسة زر” بعد العام 2019.
ولا تقتصر ممارسات شركات التأمين “المُجحفة”على تدمير تلك البرامج، وربط مصيرها بازمة المصارف فحسب، بل تعدّتها إلى الكثير من محاولات التملّص من واجباتها تجاه المؤمّنين، ومنها أن بعض كبرى الشركات التي تستثمر اموالها خارج لبنان تقوم بسداد مستحقات بوالص التامين على الحياة بالليرة اللبنانية. وبحسب المعلومات، فإن أكثر من ملف بات اليوم أمام القضاء للبت بمسألة دولرة التعويضات على الحياة.
أزمة جديدة
ملف جديد تحاول شركات التأمين من خلاله التملّص من موجباتها، هو رسم المراقبة العائد للجنة مراقبة هيئات الضمان. وقد صدر مؤخراً قرار عن لجنة مراقبة هيئات الضمان يقضي بفرض سداد رسم المراقبة من قبل شركات التأمين وفق القيمة الحقيقية لأقساط هيئات الضمان الإجمالية المُكتتبة. بمعنى ان اللجنة فرضت على شركات التأمين سداد رسم المراقبة بالعملة نفسها التي يتم اعتمادها في استيفاء ثمن البوالص.
وللتوضيح، فإن هيئة الرقابة على شركات التأمين لا تتبع لوزارة الاقتصاد، بل تتمتع باستقلالية مالية، ويتم سداد رواتب رئيسها وأعضائها من صندوق خاص يموّل من عائدات شركات التأمين، بما فيها رسم المراقبة المفروض عليها.
وبالنظر إلى أن شركات التأمين قامت بدولرة كافة بوالصها تدريجياً، قامت لجنة المراقبة بدولرة رسم المراقبة، وهو ما أثار اعتراض شركات التأمين. وإن لم تُعرب عن ذلك بشكل علني إلا أنها تقوم بحراك على مستوى الوزارة والإعلام، حسب مصدر متابع، لدفع وزير الاقتصاد ولجنة المراقبة إلى التراجع عن قرار دولرة الرسوم والإبقاء عليها بالليرة اللبنانية.
وحسب مصدر من شركات التأمين، فإن وزير الإقتصاد واللجنة لا يحق لهما دولرة الرسوم ولا حتى التدخل بآلية وعملة سداد الرسوم، واصفاُ القرار بغير القانوني، باعتبار أن الصندوق الخاص باللجنة لم يعد بعهدة وزارة الاقتصاد إنما وزارة المال.
ويلمح المصدر إلى عدم جدوى اللجنة، لاسيما أن مهامها الرقابية ترتبط بشكل أو بآخر بتمويل شركات التأمين لصندوقها المالي. معتبراً قرار دولرة رسم المراقبة نوعاً من الابتزاز لشركات التأمين. في المقابل، يستغرب مصدر متابع لعمل لجنة الرقابة على شركات التأمين محاولة الشركات التشكيك بشفافيتها حين ارتبط الأمر بالرسوم، قائلاً إن شركات التأمين على استعداد لاعتماد شتى الأساليب لتتهرب من مسؤولياتها.
دولرة 2 بالألف
وإذ يؤكد المصدر المتابع لعمل لجنة المراقبة، قانونية القرار، واستحصاله على موافقة مجلس شورى الدولة، يختصر سبب اعتراض شركات التأمين على قرار رسم المراقبة بالقول إن شركات التأمين تريد تحصيل ثمن البوالص من المؤمّنين بالدولار الفريش، في مقابل سدادها موجباتها من الرسوم بالليرة اللبنانية. وهذا أمر غير منطقي.
مع الإشارة إلى أن شركات التأمين تتقاضى ثمن بوالص التأمين بالدولار الفريش، بما فيها بوليصة التأمين الإلزامي. من هنا يقضي القرار بفرض سداد رسم المراقبة البالغة قيمته 2 بالألف فقط من قيمة الأقساط الإجمالية التي تحصلها الشركات خلال عام، بالعملة التي تم التصريح فيها لدى اللجنة.
وحسب النص القانوني، فإن استيفاء اللجنة الرسوم يتم حسب عملة الجباية لشركات التأمين من المؤمّنين، فما تجبيه بالليرة يتم سداد 2 بالألف منه بالليرة، وما تجبيه بالدولار المصرفي أو اللولار يتم سداد رسومه باللولار، وما يتم تحصيله بالدولار الفريش يتم سداد رسومه بالدولار الفريش.
وحسب القرار، بات على شركة حصّلت مليون دولار نقداً خلال عام على سبيل المثال أن تسدد 2000 دولار فريش عن العام نفسه إلى لجنة المراقبة. هذا الرسم (2 بالألف) هو ما تحاول شركات التأمين التملّص من سداده!
وبعيداً عن النقاش في مدى ملاءمة هيكلية لجنة المراقبة وآلية تأسيسها وتمويلها من الشركات لمعايير الشفافية، لا بد من سؤال الشركات التي تدّعي عدم قانونية قرار دولرة رسم المراقبة، هل أن قرار دولرة البوالص المحصّلة من المؤمّنين قانوني؟