في السنوات الأخيرة بدا واضحاً أن بيوت الضيافة المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية تحظى باهتمام متزايد، حتى إنها باتت قادرة على منافسة الفنادق الفخمة التي تؤمن أعلى مستويات الرفاهية، على رغم بساطتها وتواضع الخدمات التي تقدمها بالمقارنة مع تلك التي نجدها في الفنادق الكبرى. ولبيوت الضيافة هذه عناصر جذب عديدة زادت من ميزاتها، وجعلتها مقصداً للسياح واللبنانيين من مغتربين ومقيمين، حتى إنها أسهمت إلى حد كبير في تعزيز السياحة الداخلية، إضافة إلى مساهمتها في القطاع السياحي عامة. واللافت أن كلفة الإقامة في بعضها قد لا تقل عن تلك التي في فنادق تمتاز برفاهية عالية وبخدمات فخمة ومميزة، فهل تنافس فعلاً بيوت الضيافة في لبنان الفنادق الكبرى؟
لكل بيت ضيافة قصة
في مدينة جبيل (شمال بيروت) التي يعود بناؤها إلى ما قبل 1200 سنة، بيت أرادته نجوى إحياءً لذكرى والديها بعد وفاتهما. من يزور هذا البيت العريق يعش تجربة خاصة تختلف إلى حد كبير عن تلك التي يمكن أن يعيشها في فندق فخم. ولبيت الضيافة هذا قصة تجعل السياح يقصدونه وكأنهم يزورون موقعاً أثرياً في المنطقة، وعلى رغم أنه كان من سنوات مقصداً للسياح فإن هذا الانجذاب إليه زاد بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، “معظم ضيوفنا من الأجانب الذين يرغبون في أن يعيشوا تجربة خاصة تقليدية تعكس ثقافة لبنان وتراثه. عدد الغرف لدينا لا يتعدى الخمس، ويمتاز بالهدوء والراحة وبطابعه التراثي الأصيل، فيما تتوافر فيه كل وسائل الراحة في الوقت نفسه، حتى إن كافة الأكسسوارات والأثاثات فيه أصلية واستخدمها أصحابه في حياتهم”.
ينطبق ذلك على بيت آخر في مقابل قصر بيت الدين في منطقة الشوف في الجبل، والذي يتخطى عمره 200 سنة. أرادت مالكته كارول مع شقيقها إعادة فتحه بعد أن ترك مقفلاً طوال سنوات، “حولاه إلى بيت ضيافة عل التجربة تنجح، وإلا فيبقى مفتوحاً بعد تجديده وترميمه، وتكون لكل من أفراد العائلة غرفة خاصة فيه”.
أما دار نور في جرود البترون فلا يضم إلا أربع غرف ليقدم لزواره تجربة في غاية الخصوصية، ويتميز أيضاً بطابع لبناني تراثي بكل ما فيه من تفاصيل في قلب طبيعة الشمال الخلابة، وله إطلالة على كروم العنب والسهول الخضراء المحيطة. في الوقت نفسه يمكن لزواره الإستفادة من أنشطة عديدة تقام في محيطه. هذا، ولا يقدم إلا الأطباق التقليدية التي تحضرها أيادي أهل المنطقة.
وفي قلب مدينة البترون أيضاً تكثر بيوت الضيافة ذات الطابع التراثي الذي يجذب كثيرين، خصوصاً السياح الأجانب الذين يبحثون عن تجارب مماثلة تجمع بين الثقافة والسياحة والترفيه عند زيارة المنطقة. وزاد عدد بيوت الضيافة في المدينة بشكل ملحوظ في السنتين الأخيرتين مع الازدهار الذي شهدته أخيراً، وصولاً إلى ترشيحها لتكون عاصمة السياحة الصيفية العربية. وكذلك تتوزع في مدينة صور وفي جبال لبنان ومناطق نائية مختلفة في لبنان عشرات بيوت الضيافة التي تروي كل منها قصص أصحابها وتعكس الطابع التراثي اللبناني الذي يشكل عنصر جذب أساسياً إليها.
أهمية متزايدة في القطاع السياحي
لطالما كانت بيوت الضيافة موجودة في مناطق مختلفة بلبنان، لكن لوحظ ارتفاع ملحوظ في أعدادها خلال السنوات الأخيرة بعد انتشار وباء كورونا وفي ظل الأزمة في لبنان، عندما لم تعد فرصة السفر متاحة للكل، حتى إن وزير السياحة اللبناني وليد نصار اتخذ قراراً بتوفير كل الدعم لهذا القطاع الحيوي عبر إقامة نقابة خاصة بأصحاب ومستثمري بيوت الضيافة، عل تنظيمها يساعد على تعزيز دورها الإيجابي في السياحة الداخلية وفي قطاع السياحة. بالتالي، من المفترض ببيوت الضيافة كافة التقدم بطلب للحصول على ترخيص من وزارة السياحة اللبنانية قبل المباشرة باستضافة النزلاء. أما المقصود ببيت الضيافة فهو بيت في أية منطقة كانت يمتلكه شخص يسكن فيه، ولا يتخطى عدد الغرف فيه الـ10، ويفتح لاستضافة النزلاء، في أي منطقة كانت. وكان من الواضح في السنوات الأخيرة أن بيوت الضيافة لعبت دوراً بارزاً في تعريف اللبنانيين المقيمين على مختلف المناطق في بلادهم.
مفهوم السياحة اختلف في السنوات الأخيرة، كما توضح في حديثها مع “اندبندنت عربية” رئيسة دائرة الفنادق ومؤسسات الإقامة في وزارة السياحة اللبنانية سيرين عمار. فلم تعد السياحة ترتبط بشكل أساسي بالترفيه حصراً، بل بمبدأ الاستدامة مع انتشار مفهوم السياحة الريفية. وتحولت بيوت الضيافة إلى مصدر دخل لنساء وشباب من أهالي المناطق الريفية مع تغيير مفهوم الاستضافة أيضاً، إضافة إلى أنها أسهمت في تحريك العجلة الاقتصادية فيها. هذا، خصوصاً بعد أن اختلف مفهوم بيوت الضيافة عندما أدرك الكل أنه ما من حاجة لإقامة مؤسسات سياحية كبرى لاستضافة الناس، ويعد البيت كافياً لذلك إذا ما توافرت فيه مقومات معينة. حتى إنه بوجودها، اتخذت السياحة منحى ثقافياً آخر لم يكن موجوداً ربما لدى اللبنانيين.
في منافسة الفنادق الكبرى
قد يبدو للوهلة الأولى أنه مع ارتفاع أعداد بيوت الضيافة في المناطق اللبنانية كافة وجذبها السياح والمغتربين بمعدلات كبرى في مختلف المواسم، قد تنافس الفنادق الكبرى، وإن كانت الخدمات التي تقدمها متواضعة بالمقارنة مع تلك التي في الفنادق الفخمة. واللافت هو الارتفاع الملحوظ في كلفة الإقامة في بعض بيوت الضيافة هذه، بحيث قد لا يقل عن تلك التي في فنادق خمس نجوم. علماً أن بيوت الضيافة تنتشر عامة في المناطق النائية، فيما نجد الفنادق الفخمة في العاصمة. وبحسب ما توضحه عمار، ما من مجال للمنافسة بين الفنادق الكبرى في البلاد وبيوت الضيافة، فلكل منها نزلاؤها الخاصون الذين يفضلونها. فالبعض يبحث عن الرفاهية وعن الخدمات الفخمة المتوافرة في الفنادق الكبرى، فيما قد يبحث آخرون عن طابع الأصالة الذي يعكس ثقافة البلد، والحميمية المتوافرة في بيوت الضيافة. وفي كثير من الأحيان، يبحث السائح عن طابع الخصوصية الذي يميز بيت الضيافة ولا يتوافر أبداً في الفنادق.
وبعد أن وضعت وزارة السياحة استراتيجية لتنظيم القطاع من المتوقع استبعاد بيوت الضيافة التي ظهرت بطريقة عشوائية وأساءت إلى صورة بيوت الضيافة الأصيلة في البلاد. أما عدد بيوت الضيافة المسجلة في وزارة السياحة حتى اللحظة، فيقارب الـ150، وهي موزعة في مختلف المناطق، لكن من المتوقع أن تزيد هذه الأرقام بشكل ملحوظ في الفترة المقبلة مع ارتفاع أعداد الطلبات للحصول على تراخيص قانونية. وتجدر الإشارة إلى أنه حتى تسعيرة بيوت الضيافة تصدق من وزارة السياحة، بحسب مقومات بيت الضيافة وموقعه وحالة البناء والخدمات التي يقدمها وما فيه من ميزات كحوض السباحة والمدفأة وغير ذلك من المقومات.
كارين اليان ضاهر – اندبندنت