أصبحت مدارس عديدة تتصرف في أقساطها وكأنها مؤسسات تجارية ضاربةً عرض الحائط بالقانون ٥١٥، الذي يحدد آلية وضع الأقساط والموازنات المدرسية، وتمادت إلى حد تسعير أقساطها بالدولار حصراً. فمئات المدارس أبلغت الأهل عن الزيادات التي ستُضاف الى الأقساط بسبب الأوضاع الصعبة، وغلاء المصاريف التشغيلية، وحق الكوادر التعليمية في أن ترتفع رواتبها في ظل كل هذه الصعوبات. والأقساط اليوم في جميع المدارس الخاصة لا تقل عن ٥٠٠ دولار ما عدا الجزء الآخر الذي يُحسب بالليرة اللبنانية.
للأسف، هذه الزيادات على أقساط المدارس الخاصة تتزامن مع الشلل الذي يصيب قطاع التعليم الرسمي بعد أن أصبح حاله حال جميع مؤسسات الدولة والقطاع العام، وأدى إلى نزوح معاكس من الخاص الى الرسمي، الذي أصبح الأهالي يتخوفون من نقل أولادهم اليه بسبب الاضرابات والعراقيل المستمرة. وأوضح محمد، رب أسرة، أنّ “راتبي ١٨٠ دولاراً، ولدي طفلان في المرحلة الابتدائية، ومسجلان في إحدى المدارس الخاصة، وعلى الرغم من أن الأقساط تفوق قدرتي المالية كثيراً إلا أنني مضطر الى ابقائهما في المدرسة ولا أجرؤ على فكرة نقلهما إلى مدرسة رسمية حتى لا أكون سبباً في عيشهما سيناريو هما في غنى عنه ويمكن أن يوثر بصورة كبيرة على مستقبلهما”.
وكشف رئيس لجنة التربية والتعليم والثقافة النيابية النائب حسن مراد في بيان، عن تقديم مشروع قانون معجل مكرر الى المجلس النيابي لمواجهة عشوائية الأقساط في المدارس الخاصة، مشيراً الى أن “مسؤوليتنا التربوية تقتضي عدم الوقوف موقف المتفرج أمام فوضى الأقساط وعشوائيتها في المدارس الخاصة”.
مدير “مركز الأبرار التربوي” وليد سروجي أكد في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “موضوع الأقساط اليوم يشغل بال الجميع سواءً المدارس أو الأهالي، ونحن نتعامل مع هذا الموضوع بكل حذر من حيث المعايير التي يجب أن نتبعها في حال هناك زيادة على الأقساط، وهذا الأمر مرتبط بالمصاريف التشغيلية المرهقة للمدارس، وقدرة الأهالي على الدفع”.
وقال: “في مدرستنا حوالي ٢٥٪ من الأهالي يعملون في القطاع العام، وفي حال عدم تحسين رواتب الموظفين في هذا القطاع، على أي أساس سيستطيع أولياء الأمور دفع الأقساط؟ يبقى السؤال، هل تمت دولرة الرواتب عموماً حتى تتم دولرة الأقساط؟ نحن في مركز الأبرار التربوي هذا العام لم ندولر أقساطنا أبداً وكانت باللبناني. اليوم يجب أن نراعي زيادة رواتب الموظفين، ولكن لا ينفع معها أن تكون الأقساط باللبناني بصورة كاملة. من جهة أخرى، نحن سنُبقي الأقساط على اللبناني ولكن حتى الآن لم نحسم القرار ما إذا كنا سنضيف عليها جزءاً بالدولار الأميركي أَم لا”.
أضاف: “سنراقب هذا الصيف ما اذا كان الوضع العام في البلاد سينعكس إيجاباً على الوضع الاقتصادي وتبقى الأقساط مريحة، أَم أننا سنضطر إلى زيادة جزء كمساعدة إلى صندوق المدرسة للمصاريف التشغيلية بالدولار، وسنقوم بدراسة مع لجان الأهل وأولياء أمور الطلاب ونتفق على معيار معين، ففي حال كانت هناك زيادة ستكون رحيمة تراعي زيادة الرواتب والمصاريف معاً من دون إرهاق الناس وأن لا تكون ربحية”.
وأشار الى “أننا لم نلمس حتى الآن بالنسبة الى مدرستنا، أي ملامح نزوح إلى المدارس الرسمية، وأظن أنه حتى لو حصل سيكون بصورة محدودة، ففي العام الماضي بعد ٣ سنوات من الأزمة لم نشهد نزوحاً كبيراً لا من مدرستنا ولا حتى في عموم لبنان، لا تزال الناس متماسكة نوعاً ما وتتكيف مع الواقع بطريقة معينة مع ارتفاع الدولار، وفي كل الأحوال نحن لا نعوّل على تكيف الناس مع هذا الوضع الصعب وسنبقى منطقيين في رسوم الأقساط، واستقرار الدولار كما هو يمكن أن يسهل علينا رسم خريطة طريق واضحة لأننا سنبني على شيء ثابت”.
واعتبر أن “من الطبيعي أن يكون هناك تفاوت في الأقساط بين المراحل، الابتدائي، المتوسط والثانوي، لأن المصاريف تكون مختلفة، وبالنسبة الى الدفعات نحن من أكثر المدارس المتساهلة في هذا الموضوع، وهناك أولياء أمور عندنا تدفع الأقساط من سنة إلى سنة، أي بعد استحقاقها ٨ أشهر وطبعاً هذا المبلغ يفقد من قيمته بسبب عدم استقرار الدولار في هذه الفترة الطويلة، ولكننا نتفهم الصعوبات المعيشية والوضع المالي عند الناس”.
أما مدير مدرسة “المقاصد” – المرج عدنان صوان فلفت في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “الاقساط ستكون بين الدولار واللبناني، ونحن حددناها بـ ٥٠٠ دولار و٢٥ مليون ليرة، ولكن من جهة ثانية لدينا ٥٠ طالباً يتعلمون بصورة مجانية من خلال منحة تقدمها البلدية، إضافة إلى أن التلامذة في كل المراحل الذين يتراوح معدلهم بين ١٢ و١٥ ينالون ٢٠٪ حسماً على قسط الدولار واللبناني، والذين معدلهم فوق الـ١٦ ينالون حسم ٣٠٪”.
وقال صوان: “لا نتوقع حركة نزوح من الخاص إلى الرسمي، وخصوصاً في مدرستنا بل نتوقع أن تزداد أعداد الطلاب. أقساطنا تعتبر ما دون المعدل مقارنة بأقساط المدارس الأخرى، فمن دون الدعم ومنحة البلدية لكانت الأقساط ٣٥٠ دولاراً، إضافة إلى أننا نقدم حسومات تصل إلى ٢٠٪ للجيش، كما أن هناك مساعدات تأتي من عدة جهات، جميعها تخفف أعباء المصاريف عن كاهلنا وكاهل أولياء الأمور. ونحن متسامحون جداً في طريقة دفع الأقساط، ونحاول تحديد ٣ دفعات في السنة، ولكن نتفهم بصورة كبيرة الأهالي الذين لا يستطيعون الالتزام بهذه الدفعات والتأخر عن موعد الدفع وغيرها”.
إذاً، هذه هي حال الأقساط “الجنونية” للعام المقبل، ويبدو أن بعض المدارس الخاصة أقوى من الدولة، اذ يفرض أقساطه بالدولار، والوزارة “لا حس ولا خبر”، فهل سنشهد على فترة استغلال المدارس الخاصة العراقيل التي يواجهها التعليم الرسمي؟ وكيف ستواجه وزارة التربية هذه الخروق؟
راما الجراح – لبنان الكبير