محمد حمية – الجمهورية
وإن قُرِئت خطوة ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، بأنّها “مناورة سياسية”، لكنها حرّكت المياه الرئاسية الراكدة، ودفعت فريق المعارضة و”التيار الوطني الحر” للهروب إلى الأمام، في المقابل، أربكت “الثنائي الشيعي”، وفرضت إعادة قراءة المشهد الرئاسي من جوانبه كافة، والاستعداد لمواجهة كل “السيناريوات”، من ضمنها الفوضى والفراغ الطويل.
تُدرك قيادتا “الثنائي” بأنّ طريق بعبدا زُرِعت بالمكامن، وأنّ ترشيح أزعور رصاصة لاغتيال رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية سياسياً في أول جلسة انتخاب… التقاطع والتقاء المصالح بين معراب والصيفي وودائعهما من النواب التغييريين والمستقلين، وبين ميرنا الشالوحي، على إقصاء فرنجية، سيدفعهم إلى حشد أقصى طاقتهم النيابية للتصويت لأزعور، ولو لم يفُزّ من الدورة الأولى أو الثانية… ويقول مطّلعون لـ”الجمهورية”، إنّ مخطّط المعارضة هو استدراج “الثنائي” لخوض المعركة بفرنجية، بعد أن يعلن الأخير ترشّحه رسمياً، وتأتي النتيجة فوز أزعور على فرنجية بعدد الأصوات في الدورة الأولى أو تعادلهما، ويتكرّر “السيناريو” مرات عدّة، فيُصار إلى إسقاطهما والبحث عن مرشح ثالث “توافقي”، المرجح أنّه قائد الجيش العماد جوزاف عون.
مصدر سياسي رفيع في “الثنائي الشيعي” يحذّر من أنّ ترشيح أزعور سيؤدي إلى فراغ طويل في رئاسة الجمهورية، وسينثر أجواء التوتر السياسي والطائفي، ويكرّر سيناريو الـ1989 “مخايل الضاهر أو الفوضى”، فهل قرّرت المعارضة أخذ البلاد إلى الفوضى؟ وهل يتحمّلها لبنان ويعاكس مناخ التفاهمات العربية السعودية ـ الايرانية- السورية؟.
وكشف المصدر، أنّ “الثنائي يُعِدّ لمواجهة كافة الاحتمالات والسيناريوات، وسيكون بالمرصاد لأي سيناريو في المجلس لتمرير أزعور، وسيقرّر خطواته وفق مسار الجلسة…”، وإذ يتكتّم المصدر عن خطة المواجهة، يجزم في “أننا لن نسمح بانتخاب أزعور، وسنُسقطه في المجلس لأنّ انتخابه سيهدّد الأمن والإستقرار”.
ويتساءل المصدر: “ما هي المواصفات التي يتمتع بها أزعور وتميّزه عن فرنجية؟ وما الذي يجمع الداعمين لأزعور سوى العداء لفرنجية؟ فرئيس التيار النائب جبران باسيل بنى كتاب “الإبراء المستحيل” على أكتاف أزعور، وبات صديقه الآن! أما رئيس “القوات” سمير جعجع فيناور لإخفاء مرشحه الحقيقي… فيما قوى التغيير يناقضون أنفسهم بترشيح أحد المشاركين في السلطة منذ التسعينات، لكن الهدف بات أكثر وضوحاً… حشر “الثنائي” وإحراجه ودفعه إلى التراجع وكسره سياسياً”. لكن المصدر يؤكّد “أنّ هذا الأمر زادنا عناداً وإصراراً على التمّسك بمرشحنا”.
ماذا بعد دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة لانتخاب الرئيس في 14 حزيران المقبل؟ ما هي “السيناريوات” المحتملة؟.
ـ الأول: أن يؤجّل بري الجلسة إلى موعد لاحق بطلب من كتل نيابية كـ”اللقاء الديموقراطي” و”الاعتدال الوطني”، لمزيد من المشاورات، خيار مستبعد في ظلّ خريطة التحالفات والمواقف.
ـ الثاني: انعقاد الجلسة وإفقاد النصاب من الدورة الأولى، أو حصول انتخاب في الدورة الاولى، ويعمد أحد الأطراف إلى تطيير النصاب في الدورة الثانية.
وفي هذه الحال، هناك خياران أمام الثنائي: الأول، اعتماد التكتيك السابق، أي التصويت بالورقة البيضاء لحماية فرنجية، طالما أنّه لم يصل إلى 65 صوتاً، وبالتالي ينكشف حجم أزعور من دون كشف حجم فرنجية.
ـ الثاني، التصويت لفرنجية لإثبات حجمه، وهذا يعتمد على ترشح فرنجية رسمياً وتيقّن “الثنائي” من الـ 65 صوتاً.
ويمكن أن تلجأ المعارضة إلى تأمين عدد أصوات كبير لمرشحها في الدورة الأولى، لإظهار قوته مقابل ضعف مرشح “الثنائي”. لكن المصدر يوضح، أنّ المسألة ليست في عدد الأصوات، بل بتوجّه المعارضة بقرار خارجي إلى التخريب والعبث بالأمن والاستقرار. فلا قيمة لعدد الأصوات في الدورة الأولى، فهناك أصوات “بتنكّب” عشوائياً، لكن تظهير الأحجام يكون في الدورة الثانية.
ـ السيناريو الثالث: أن يؤدي الحراك الدولي الفرنسي – السعودي تحديداً بعد اللقاء الخماسي في قطر الاسبوع المقبل، إلى دفع الكتل الرمادية لحسم موقفها في اتجاه فرنجية أو أزعور كـ”اللقاء الديموقراطي” و”الاعتدال الوطني”، وهذا سيؤدي إلى ترجيح كفّة أحد المرشحين وفوزه في الدورة الثانية، لكن إذا شعر أحد الفريقين بأنّ مرشحه سيخسر، سيذهب إلى تعطيل النصاب في الدورة الثانية ويطيّر الجلسة.
ـ “السيناريو” الرابع: أن تنعقد الجلسة وتحصل المعركة، لكن ليس بالضرورة أن تنتج رئيساً، إذ من الممكن ألّا ينال أحد المرشحين 65 صوتاً.
ويبقى “السيناريو” الخفي، وقد يلجأ إليه أحد الطرفين إذا اشتدت المعركة، باتباع أسلوب الخداع، أي أن يمنح أحد الطرفين 10 أصوات إلى المرشح المنافس في الدورة الأولى بما يرفع أصواته إلى 70، لإيهامه بقدرته على الفوز بالـ 65 في الدورة الثانية، لكن يعود ويمنح هذه الأصوات إلى مرشحه في الدورة الثانية ويؤمّن له الفوز.
ويؤكّد المصدر في الثنائي، “أننا نتحسب لسيناريوات خدّاعة كهذه”، ويُحذّر من “أنّ انتخاب الرئيس لا يحصل بمعركة “كسر عظم” بل بتوافق وطني مسبق، للحفاظ على الاستقرار والشراكة الوطنية والميثاقية”.
ويراهن “الثنائي” على الأصوات الرمادية لتصبّ في كفة فرنجية، بعد نضوج ظروف التفاهمات والاتفاقات الاقليمية، في موازاة الانفراج على الخطوط الأميركية ـ الإيرانية في الملف النووي الايراني، الذي وُضع على نار متوسطة، وسيلعب لعبة النَفَس الطويل ولن يتراجع عن فرنجية لمصلحة مرشح يوازيه، إلّا لأسباب أو ظروف غير منظورة حتى الآن. ويعتبر أنّ الاستحقاق الرئاسي أكبر من مسألة أرقام، بل يعكس مناخاً اقليمياً ودولياً ونتيجة موازين قوى داخلية وخارجية، مع عدم تجاهل العقدة المسيحية أمام وصول فرنجية إلى بعبدا.