غسان ريفي – سفير الشمال
أسقطت جلسة 14 حزيران عددا كبيرا من النواب التغييريين الذين انقلبوا على ثوابت ومسلمات وشعارات ثورة 17 تشرين التي اوصلتهم الى الندوة البرلمانية وقدم اللبنانيون في ساحاتها الكثير من التضحيات وصولا الى الاستشهاد وفقدان الأعين والاصابات التي عطلت بعض أجساد الثوار بشكل دائم.
ربما لم يصدق ثوار 17 تشرين ان من تقدموا الصفوف واعتلوا المنابر ورفعوا السقوف بوجه السلطة من “الهيلا هيلا هو” الى “كلن يعني كلن” الى “اسقاط المنظومة بكاملها” قد عادوا الى منشئهم السياسي ودخلوا في تسويات وصفقات “التقاطع” مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل رئيس الظل في عهد الانهيار الذي ادى الى الثورة، ومع رئيس حزب القوات اللبنانية المشارك في صناعة العهد بتفاهم المحاصصة السياسية والمكاسب الادارية وتوزيع المغانم والمناصب في معراب، والذي انقلب على التفاهم وعلى التسوية الرئاسية التي أوصلت ميشال عون الى قصر بعبدا وركب موجة الثورة، في أسوأ نموذج عن الانتهازية السياسية التي يمكن أن تُتبع، وان يمنح هؤلاء التغييريون اصواتهم في الجلسة النيابية التي حملت الرقم 12 الى المرشح جهاد أزعور وزير مالية حكومة فؤاد السنيورة التي يتهمها الجميع بأنها أسست للانهيار والافلاس.
كشف النواب التغييريون عن اقنعتهم، فظهرت وجوههم الحقيقية التي تغذت مع لحم الاكتاف من المنظومة السياسية وتياراتها واحزابها، وبدل من ان يتمسكوا باللقب الذي اعطوه لأنفسهم وهو “التغيير” ويبذلوا التضحيات كما وعدوا للوصول اليه، خضعوا للضغوط وشاركوا من كان الثوار يلاحقونهم من مطعم الى مطعم ومن احتفال الى احتفال لطردهم كونهم غير مرغوب بهم في البلد بكامله.
وما يثير الاستغراب اقدام بعض هؤلاء النواب على تصوير الاوراق التي كتبوا عليها اسم جهاد أزعور، وهذا يدل على أمرين: الاول ان من قام بالتصوير قد قبض ثمن صوته ويريد ان يثبت للجهة التي دفعت انه التزم ببيع صوته، او انه لا يتمتع بالثقة لدى الجهة التي طلبت منه او ضغطت عليه فأراد ان يثبت لها خيانته لثورة 17 تشرين التي تحولت الى ضحية جلسة 14 حزيران.
لا شك في ان سلوك النواب التغييريين التسعة في جلسة الانتخاب اعطى مؤشرا سياسيا خطيرا وهو أن هذه المجموعة منعمسة من رأسها الى اخمص قدميها بالتسويات والصفقات مع بعض التيارات السياسية وانها لقمة سائغة لكل من يريد الضغط عليها لاستخدامها، وان هدفها الوحيد ليس محاربة الفساد ووقف الانهيار، وانما استهداف محور المقاومة الذي يدعم ترشيح رئيس تيار المرده سليمان فرنجية، ما يساهم في تظهير الصورة الحقيقية لترشيح جهاد ازعور وسعي جهات خارجية لتجميع الاصوات له من كل حدب وصوب من اجل هدف واحد هو ضرب المقاومة او اضعافها تمهيدا لتنفيذ مخططات وأجندات قد تأخذ لبنان الى توترات لا تحمد عقباها.
وما يؤكد ذلك هو تجاوز النواب التغييريين كل خصومتهم وربما عدائهم مع “باسيل وجعجع وغيرهم” والذين يتهمونهم بالفساد والتسبب بالانهيار والدخول معهم في حلف واضح باسم مستعار هو “التقاطع” لتحقيق رغبات الخارج، بدل ان يكون لديهم خيارا مستقلا يحاكي ثورة تشرين وينصف من سقطوا على مذبحها.
وليس جبران باسيل بعيدا عن هذا المخطط، خصوصا ان دخول التغييريين الى التقاطع وانتخاب ازعور اكد بما لا يقبل الشك ان كل ما يقوله باسيل عن التزامه مع حزب الله بالتفاهم على المقاومة هو نوع من انواع الدجل السياسي، خصوصا بعد كشف المستور ومشاركته الوازنة في حلف استهداف المقاومة ومحاولة اسقاطها.
انتهت الجلسة ال 12 من دون انتخاب رئيس، لكنها كشفت ان تسعة من النواب التغييريين يشكلون منظومة سياسية تفتش عن مصالحها ومكاسبها ومستعدة للبيع والشراء بالشعارات والمواقف والتصويت، أما نواب الثورة والتغيير فتقلص عددهم الى ثلاثة واجهوا الضغوط والتهديدات وصوتوا وفق قناعاتهم التي احترمها الجميع..