كتبت صحيفة الديار تقول: ماذا كان ينتظر لبنان بُعيد جلسة الأربعاء الماضي؟ ولماذا تحدّث رئيس مجلس النواب عن محاولة افتعال أزمة؟ وما هي التداعيات التي نتجت من هذه الجلسة؟ كلها أسئلة يطرحها المراقب والمواطن على نفسه، عله يستشّف ما ينتظره في المستقبل.
المعلومات تُشير إلى أن الثنائي الشيعي يتهم قوى المعارضة على خلفية التصويت في جلسة الأربعاء، حيث إن قوى المعارضة كانت تنتظر حصول مرشّحها – المرفوض من الثنائي – على 67 صوتًا، وهو ما سيؤدّي إلى افتعال «مشكل» عبر البقاء في قاعة مجلس النواب واعتبار جهاد أزعور رئيسًا بحكم الواقع. وهو ما كان سيؤدّي إلى تداعيات أمنية على الأرض، ومعها تداعيات سياسية من الخارج على الداخل. من هنا أتى تصريح رئيس المجلس النيابي نبيه برّي بأن البلد نجا من أزمة كبرى.
عمليًا، تداعيات هذه الجلسة هي زيادة في الشرخ حيث أصبح من شبه المحسوم عدم وصول أي مرشّح من المرشحين الرئيسيين، أي جهاد أزعور وسليمان فرنجية. حتى إن المعلومات تُشير إلى كلام للرئيس برّي عن انتظار تبلور التحرك العربي الدولي وما سينتج منه رئاسياً قبل ان يدعو الى اي جلسة انتخاب، بالاضافة الى ظهور نتائج زيارة الموفد الفرنسي لودريان الى لبنان وما سيحمله معه بداية الأسبوع المقبل.
مسألة الانتخابات النيابية المبكرة
طرح الانتخابات النيابية المبكرة يأخذ منحًى بالظاهر دستوري، لكن في العمق هو عملية تهدف إلى إعادة خلط المشهد السياسي وخلق توازنات سياسية جديدة. بالطبع معظم القوى السياسية لن تقبل انتخابات نيابية مبكرة، فالقوات اللبنانية (القوى المسيحية الأولى) لن تقبل تعديل هذا الواقع، كما أن التيار الوطني الحر سيخسر نصف نوابه في حال جرت الانتخابات النيابية الآن. كما أن شمولية التمثيل الدرزي، تمنع الاشتراكي من القبول بإجراء انتخابات نيابية مبكرة.
إلا أنه وعلى الرغم من أن هذا الطرح مرفوض من الجميع، تقول مصادر سياسية إن المجلس الحالي أصبح بحالة عقم لا يمكنه إنتاج أي شيء! حتى القوانين التي تصدر، هناك قوى تعتبرها غير شرعية، وبالتالي فإن مثل هذا الطرح الدستوري يحمل مغامرة كبيرة، ولكنه في الوقت نفسه المنفذ الوحيد للخروج من أزمة يعجز فيها نواب الأمة عن أخذ قراراتهم بأنفسهم! إلا أن هذه المصادر تؤكدّ أن هذا الطرح يشير إلى حدّة التصعيد والترسّخ في المواقف، وبالتالي يحاول فريق 8 آذار جذب الخصوم إلى فخّ محكم من المرجح ان يكون فيه الفائز الأكبر.
في المواقف
طرح بو صعب بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، واجهه رفض من عدّة أفرقاء، منهم التيار الوطني الحر الذي ردّ على لسان النائب غسان عطا الله بالطلب إلى رئيس المجلس النيابي ونائبه لإبقاء الجلسات مفتوحة وإبقاء النواب في القاعة وعدم الخروج وتطيير النصاب، كما ومن القوات اللبنانية على لسان رئيس جهاز العلاقات الخارجية في القوات اللبنانية الوزير السابق ريشار قيومجيان الذي غرّد على حسابه على تويتر بالقول إن «طرح الانتخابات النيابية المبكرة هو لتغطية تعطيل الانتخابات الرئاسية من قبل حزب السلاح وحركة أمل وحلفائهم. بالطبع النائب الياس بو صعب يعلم جيدًا أن طرحه سيواجه اعتراضات، إلا أن مصادره أشارت إلى أنه يريد أن «يرمي حجراً في المياه الرئاسيّة الراكدة» خصوصًا أن هناك تعقيدات كثيرة تعيق إيصال الاستحقاق الرئاسي إلى خواتيم سعيدة.
من جهته، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في قداس ختام سينودس الكنيسة المارونية الذي ترأسه، إن البطريركية المارونية «لا تفضّل أحدًا على أحد»، بل جلّ ما تريده هو «وصول رئيس يكون على مستوى التحديات». وأضاف البطريرك الراعي «أُصبنا بألمٍ معنوي وجُرحنا في كرامتنا الوطنيّة نتيجة كيفية إيقاف جلسة انتخاب الرئيس عن مجراها الدستوري والديموقراطي» كنتيجة «للواقع السياسي الشاذ الذي يمر فيه لبنان، بحيث تتهدم مؤسساته الدستورية ويفقر الشعب ويهجر إلى بلدان أخرى يلجأ إليها حاملا جراحه».
من جهته أصدر سينودس أساقفة الكنيسة المارونية في ختام أعماله بيانًا ندد فيه بـ «تراكم الأحداث في لبنان والأخطاء السياسية والجرائم المالية والتمادي في سياسة الفساد خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وهو ما أدى إلى تهالك الأخلاق والقيم على صعيد الحياة الاجتماعية والسياسية والإعلامية، وإلى تفكك الدولة على صعيد سلطاتها ومؤسساتها وإداراتها حيث تمكنت طبقة سياسية، غالبا ما تقوم على الزعاماتية الزبائنية، من وضع يدها على الدولة اللبنانية، مسخرة مؤسساتِها ومقدراتها لمصالحها الخاصة، ولو على حساب الشأن العام وحقوق المواطنين».
حركة مرتقبة دولياً
دوليًا، من المتوقّع أن يتم عقد لقاء خماسي لمتابعة الملف اللبناني، وذلك على خلفية اللقاءات الثنائية بين الدول الخمس، وآخرها اللقاء بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. في الانتظار كان هناك موقف مُلفت من المجموعة الدولية الداعمة للبنان (الامم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، والولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وروسيا، وبريطانيا، والصين)، أعربت فيه عن أسفها «لعدم انتخاب رئيس للبنان بعد 12 جلسة انتخابية غير حاسمة». وعبّرت فيه عن «قلقها العميق من أن يؤدي الجمود السياسي الحالي إلى تفاقم تآكل مؤسسات الدولة وتقويض قدرة لبنان على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والمالية والأمنية والإنسانية الملحّة التي يجابهها». ودعت القوى السياسية إلى «تحمل مسؤولياتها وإعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية من خلال انتخاب رئيس جديد من دون مزيد من التأخير».
التجديد لسلامة
على الصعيد الاقتصادي، لا تزال الأنظار مسلّطة على المصرف المركزي الذي تنتهي ولاية حاكمه في غضون أسابيع. وتتخوّف الأسواق من عدم قدرة نائب الحاكم الأول وسيم منصوري، على القيام بالمهام الثقيلة التي ستُلقى على عاتقه، خصوصًا أنه آتٍ من خلفية قانونية وليست نقدية، وهو ما يؤدّي إلى عدم فعالية الإجراءات التي سيتخذها. أضف إلى ذلك التعقيدات السياسية الناشئة عن الانقسام السياسي الحالي والذي سيُصعّب كثيرًا من عمله في المرحلة المقبلة. وتقول مصادر مصرفية إن قرارًا غير مناسب قد يُتخذ على صعيد الحاكمية، له وقع فوري على الأسواق من باب قيمة الليرة، لذا من الصعوبة دوزنة الإجراءات بين تمويل الحكومة والمحافظة على الاستقرار النقدي في آنٍ واحد! وتضيف المصادر أن سلامة استطاع إيجاد آلية بخبرته الطويلة في المصرف المركزي، وهو بالتالي الأنسب في هذه المرحلة الحساسة.
هذه المخاوف وصلت إلى مراكز القرار في الدولة واقتنع بها البعض، حيث تمّ طرح التمديد لرياض سلامة لفترة لا تتعدّى فترة انتخاب رئيس الجمهورية، على أن تكون مهامه المحافظة على الاستقرار النقدي وفي الوقت نفسه تمويل الحكومة. وإذا كان هذا الطرح يأخذ طريقه في كواليس القرار – نظرًا إلى المصلحة الوطنية – ترى أوساط قانونية أن الصعوبة تكمن في التخريجة القانونية، خصوصًا أن هناك اعتراضات من قبل قوى سياسية أساسية في الحكومة. هذا الأمر أدّى إلى طرح آخر يُدرس في الكواليس، وهو إمكان الإبقاء على سلامة كمستشار أول لنائب الحاكم الأول عند استلامه المهام بالإنابة أو تأدية دور حاكم الظل، في ظل الحاجة القصوى إلى خدماته في هذه اللحظة الحرجة من الوقت.