الجمعة, نوفمبر 22
Banner

الهوية وشتات الأصول في رواية “ألف أصل وأصل”: قصص لشريف مجدلاني عن الحياة والوجود والأقدار

روزيت فاضل – النهاؤ

يحاكي المؤلف والروائي الفرنكوفوني #شريف مجدلاني لبنان اليوم بنمط مختلف برز فعلياً من خلال صفحات مؤلَّفه “بيروت 2020، يوميات الانهيار”، الذي ندد فيه بالشرور المتجذرة في وطنه، والمترجم عملياً من خلال تملّك أمراء الحرب القيادة السياسية في البلد والتداعيات الزبائنية والفساد على يوميات الإنهيار في بيروت.

قد يكون مؤلفه الجديد “الف أصل وأصل” الصادر عن منشورات “دار بيار” إمتداداً لفصل آخر من واقع لبنان المأزوم اليوم من خلال طرحه مفهوم الهوية وشتات الأصول في حياة 20 “مواطناً” يعيشون في لبنان، البلد المضيف للاجئين كثر، والذي شكل منذ القرن التاسع عشر الى اليوم، نقطة عبور للهجرة نحو فرص للعمل أو للبحث عن حياة أفضل…

الكتاب يعكس ضجيجاً يسكن يومياتنا، ويهدد اليوم إنتماءنا الى كل من ذاتنا أو الى المكان الذي يؤوينا.

ينقل مجدلاني قصصاً على شكل مونولوج عن الحياة، والوجود، والعائلات، والأقدار، مع الاشارة الى أنها نصوص حقيقية نجد أنفسنا فيها أو حتى تسوقنا الذاكرة الى مراحل عاشها أحد معارفنا أو عابر سبيل في حياتنا أو حياة الآخرين.

يستدرك مجدلاني هنا واقع التنوع من زاوية اختلاط الثقافات والأصول والأديان المتعايشة مع بعضها الآخر في بيروت. والغاية من طرح هذه القصص تكمن في إبراز صعوبة التعامل مع الماضي وأثره على جيل وآخر، مع ما يرافق ذلك من صعوبات جمّة في العيش في واقع اليوم، وانسداد أي أفق واضح لأي مستقبل.

نحن امام رواية تعكس الواقع البشري الهشّ في لبنان كنموذج يمتد الى العالم كله، مع ملاحظة مهمة هي أن تحركات سكان الأرض وشتات أصولها تنتج فعلاً من الحوادث العنيفة المسجلة في التاريخ في مراحله المختلفة. وتكشف القصص مجموعة صور متناقضة ومتضاربة عن سكان مدينة بيروت أو حتى لبنان، الذين يعيشون صراعاً واضحاً مع الهوية والانتماء الى المكان.

وقد سلط مجدلاني (ص 63) الضوء على تواجد مجموعة من طوائف وجنسيات متنوعة في أصغر حيّ متصل بشارع عادي جداً، غامزاً من انه في هذه المساحة الجغرافية الضيقة والمحدودة، ثمة سكان موارنة، شيعة وأرثوذكس يعيشون مع جيران لهم في المكان نفسه من جنسيات فرنسية، روسية، سورية ويونانية…

وأكمل مجدلاني في الصفحة ذاتها أن هذا التنوع في المجتمع لا يشكل مصدر غنى بل يحمل في طياته انعكاسات سلبية ترتكز على تمسك كل طائفة أو هوية بنهجها الخاص والفردي، ويقلص فرص التواصل البنّاء والسليم مع الجماعة.

هذا الواقع يضع هؤلاء أمام سيناريوات عدة في تعاطيهم مع الآخر. قد يتلاقون أحياناً مع الآخرين على بعض النقاط أو يعتمدون معادلة إلغائية مقلقة من خلال تجاهل بعضهم الآخر. كما يمكن أن تلجأ مجموعة الى خيار تصادمي أحياناً مع الآخر دفاعاً عن النفس لا عن الآخر المختلف…

إذاً أبطال القصص كثر، منهم رمزي السنّي الملحد المتزوج من مسيحية كان والدها ميليشيوياً خلال الحرب الأهلية وهو متورط في عملية إختفاء والد رمزي.

هذه القصة توقف عقارب الساعة عند قضية المخفيين قسراً، التي هي من أبرز الملفات، وتحتاج الى خاتمة واضحة تكشف مصير المخفيين والمخطوفين في هذه الحرب المجنونة، لأنها ستشكل خطوة جوهرية لمصالحة اللبنانيين، مع العلم أنها خطوة مستحيلة وصعبة جداً في ظل التحكم المستمر لأمراء الحرب، منذ بداية الحرب الى اليوم، بمكامن اللا- دولة ومؤسساتها الهشّة والمترهلة.

القصص كثيرة ومنها قصة إيرمينيه الأرمني الأصول، والذي له تجربة كاملة في عذاب المنفى وشتات الأرمن وبؤسهم، وصولاً الى قصة أبو سعيد، الذي فرض المنفى نفسه على جده المهجّر من حيفا الى لبنان في العام 1948، مروراً بقصص نساء عدة مثل ليلى الرازحة تحت ثقل تصنيفها أنها من أقارب رؤساء الحكومات كونها من مدينة طرابلس، مع ما يرافق ذلك من سيرة حياتها العائلية الخاصة والمليئة بالتناقضات.

ولم ينسَ مجدلاني أن يخصص في قصصه محطة لمدبّرات المنازل، طارحاً يوميات جيني من الفيليبين، بصفتها نموذجاً لمن يقصدن لبنان طلباً للعمل، وينتهي الأمر بهن الى ان يعشن في ربوعه يوميات منفى صعب جداً…

Leave A Reply