الحريري عند دياب متضامناً… والرؤساء السابقون ودار الفتوى يلحقون
حزب الله والقومي لتصويب المسار القضائيّ وتحصينه بالابتعاد عن الانتقائيّة
وطنية – كتبت “البناء” تقول: أصاب الفالق الزلزاليّ الذي أحدثه الإدعاء الصادر عن المحقق العدلي القاضي فادي صوان، المناطق المحرّمة في الحياة اللبنانية، فإذا كان انتقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال، رغم ضعف منطق الاتهام الذي وجِّه إليه، قد تمّ انطلاقاً من غياب الغطاء الطائفي الذي يحصّن سواه، فإن المظلومية التي نالها دياب بعيون اللبنانيين بدأت تتدحرج ككرة ثلج منذ مساء أول أمس، حتى تحوّلت الى تيار جارف فرض حضوراً عابراً للطوائف، لدرجة صار التضامن معه من قبل مرجعيّات طائ فالذته ين قرروا عزله خلال عام مضى، مصدراً للكسب المعنوي، ورسماً لخط أحمر حول مبدأ ملاحقة رئيس للحكومة، علماً أن الكثيرين رأوا في التضامن الذي عبّر عنه الرئيس السابق سعد الحريري مع الرئيس حسان دياب موقفاً أخلاقياً يمنح الحريري مصداقيّة تتخطى الحسابات الطائفيّة.
بعد موقف الحريري كرّت السبحة على مستوى رؤساء الحكومات السابقين ووصلت الى دار الفتوى، وصارت ملاحقة دياب اصطداماً بمرجعيات طائفته، ما أسقط فرضية الانتقائية القائمة على محاولة تفادي التصادم مع الخطوط الحمر للطوائف، بينما تقول مصادر حقوقيّة إنه لو تم الإدعاء دفعة واحدة على كل الأسماء الذين ضمّتهم مراسلة المحقق العدلي لمجلس النواب والتي تحدّثت عن شبهات تقصير وإهمال بحق رؤساء الحكومات ووزراء العدل والمالية والأشغال منذ العام 2014، لكانت لاقت ترحيباً شعبياً وتضامناً مع المحقق العدلي، في مواجهة جدل الصلاحيات الذي ينتظره حول تحديد الجهة الصالحة لمحاكمة الرؤساء والوزراء في تهم الإخلال الوظيفيّ، في ظل مطالعات دستوريّة تلقى شبه إجماع في مجلس النواب لجهة حصرها بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
على الصعيد السياسي كانت مواقف في الاتجاه نفسه لكل من حزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي، تركّز على ضرورة تصويب مسار التحقيق وتحصينه بعيداً عن الانتقائيّة، من دون تضييع الحاجة لمواصلة التحقيق طلباً للحقيقة وملاحقة المسؤولين عن جريمة تفجير مرفأ بيروت.
الملف الحكوميّ وملف ترشيد الدعم شهدا رغم مواصلة السجالات حول كل منهما، تراجعاً لحساب ملف التحقيق، لكن التجاذب حول التشكيلة الحكوميّة التي قدّمها الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري والتصوّر الذي قدّمه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، كشف حجم الخلاف الرئاسيّ وحجم العقد المستعصية في طريق ولادة حكومة جديدة، كما في ملف الدعم بقي السؤال حول كيفية ضمان قيمة أي دعم وأية مساعدات مالية للطبقات الفقيرة مع العجز عن ضمان سعر الصرف إذا توقف المصرف المركزي عن تأمين الدولارات اللازمة للاستيراد في ظل توقعات بأن يبلغ سعر الصرف ما فوق الخمسين الف ليرة خلال أسابيع من توقف مصرف لبنان عن تأمين الدولارات؟
إجماع سني?في مواجهة قرار صوان
وبقيت الساحة الداخليّة تحت تأثير قرار قاضي التحقيق العدلي فادي صوان بالإدعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والوزراء علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس ومفاعيله السياسية والطائفية والقضائية.
وقد أحدث القرار القضائي موجة من الغضب على المستوى السياسي والشعبي في الساحة السنية، أنتجت حالة إجماع للقيادات السنية السياسية والروحية بالتضامن مع الرئيس دياب ورفض استهداف موقع رئاسة الحكومة ومواجهة قرار صوان، ما دفع بالرئيس المكلف سعد الحريري للتوجّه إلى السرايا الحكومية للمرة الأولى منذ خروجه منها في تشرين من العام 2019، وذلك للتضامن مع دياب ورفض الابتزاز لموقع الرئاسة الثالثة.
وقال الحريري بعد اللقاء مع دياب: “أعبّر عن رفضي المطلق للخرق الدستوري الواضح والفاضح الذي ارتكبه القاضي بالادّعاء على رئيس الحكومة. الدستور واضح، ورؤساء الحكومات يمثلون فقط أمام محكمة خاصة يُشكّلها المجلس النيابي. رئاسة الحكومة ليست للابتزاز، وهذا الأمر مرفوض، ولن نقبل به. من حق أهالي الشهداء معرفة الحقيقة، من حقهم أن يعرفوا من أدخل هذه الباخرة ومن غطّى عليها. أما التعدي على الدستور والادّعاء على رئاسة الحكومة فهذا أمر مرفوض، وأنا أتيت للوقوف مع رئيس الحكومة والتضامن معه”.
الحريري مُحرَج
وعزت مصادر سياسية خطوة الحريري تجاه دياب لوقوعه في الإحراج تجاه الدفاع عن موقع رئاسة الحكومة لا سيما أنه وزملاءه في نادي ورؤساء الحكومات السابقين ومفتي الجمهورية لطالما أعلنوا رفضهم التعدّي على صلاحيات رئاسة الحكومة والنيل من موقعها فوجدوا أنفسهم محرجين ومجبرين على اتخاذ موقف في حالة الادعاء على دياب. لا سيما أن الحريري ورفاق النادي وجدوا في موقف دياب التصعيدي منذ إعلان قرار الادعاء عليه قد سبقهم في الدفاع عن موقع رئاسة مجلس الوزراء، خصوصاً بعدما ظهرت حالة من الغضب الشعبي في أوساط الشارع السني.
بدوره أكد مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في بيان أن “الادّعاء على مقام رئاسة الحكومة استهداف سياسي غير مقبول وتجاوز للدستور ولقانون محاكمة الرؤساء والوزراء السابقين، ويصبّ في إطار حملات كيدية واضحة للعيان لا تخدم العدالة لفريق معيّن من دون آخر لتصفية حسابات سياسية”. واعلن “اننا مع القضاء النزيه الشفّاف ومع الحرص على تحقيق العدالة وفقاً لأحكام القانون والتزام الدستور، وأي تسييس او استنساب ادّعاء لكشف حقيقة انفجار مرفأ بيروت هو جريمة أخرى بحق الوطن، فالكل مسؤول في هذا الحادث المفجع”.
كما استدعى قرار صوان بيانات واتصالات من الرئيسين تمام سلام وفؤاد السنيورة للتضامن مع دياب، مؤكدين رفضهم تجاوز الدستور والنيل من موقع رئاسة الحكومة.
حزب الله
وتوالت المواقف وردود الأفعال السياسية رفضاً لقرار صوان، فأكد حزب الله في بيان الحرص على “أن تكون جميع الإجراءات التي يتخذها قاضي التحقيق بعيدة عن السياسة والغرض، مطابقة لأحكام الدستور، غير قابلة للاجتهاد او التأويل أو التفسير، وأن يتم الادعاء على اسس منطقية وقانونية. وهذا ما لم نجده في الإجراءات الأخيرة وبالتالي فإننا نرفض بشكل قاطع غياب المعايير الموحدة والتي ادت الى ما نعتقده استهدافاً سياسياً طال اشخاصاً وتجاهل آخرين من دون ميزان حق، وحمل شبهة الجريمة لأناس واستبعد آخرين دون مقياس عدل، وهذا سوف يؤدي مع الاسف الى تأخير التحقيق والمحاكمة بدلاً من الوصول الى حكم قضائي مبرم وعادل”.
“القومي”
بدوره أشار الحزب السوري القومي الاجتماعي في بيان أن كارثة بحجم تفجير مرفأ بيروت، “تستدعي إجراء تحقيقات شفافة تمسك بكل الخيوط، وهذا مسار يتطلب متابعة حثيثة وإحاطة شاملة بما يسهل تحديد المسؤوليات وكشف الحقيقة، والحقيقة في انفجار المرفأ حق لعائلات الضحايا وللبنانيين جميعاً”.
وشدّد الحزب على ضرورة السير بالتحقيقات حتى النهاية، وفقاً للأصول والقواعد القانونية التي تحقق العدالة. ودعا إلى إبعاد هذا الملف الحساس عن السياسة وحساباتها، وأن تتضافر جهود الجميع وكل مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والقضائية لكشف الحقيقة التي ينتظرها اللبنانيون.
ونبّه الحزب من أن أثقال ملف التحقيق في كارثة المرفأ بالانتقائية والاستنسابية في تحميل المسؤوليات على قاعدة الشبهة والاتهام غير المثبتين، يبدّد كل جهد مبذول، ويجهّل المجرمين الحقيقيين الذين أتوا بباخرة نيترات الموت الى مرفأ بيروت وحولوها الى قنبلة موقوتة انفجرت بلبنان واللبنانيين.
أما النائب غازي زعيتر فاعتبر في مؤتمر صحافي أن صوان تجاوز صلاحياته، “وتوجه إلى المجلس النيابي وزعم وجود شبهة على كل وزراء الأشغال والمال، كما أنه انحاز بموقفه وخالف الدستور”. وأضاف: “لا يوجد أي مستند أو أي ملف يقول إنني على علم بالباخرة حتى كتاب السفارة الروسيّة والذي لم يذكر فيه وجود مواد خطرة”. وقال زعيتر: “بئس القضاء إذا كان فيه قاضٍ كفادي صوان، ولن نسكت أو نصغي لأي أجندات سياسية وغير سياسية”.
وأشار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر تويتر الى أنه “لا يجوز وتحت أي اعتبار ان يقف التحقيق في كارثة المرفأ امام الحواجز الدستورية او الطائفية ولا بد أن يشمل الجميع بدون استثناء. ان انفجار المرفأ جريمة انسانية بحق بيروت وكل لبنان. تذكّروا المحكمة الدولية وتذكروا أننا طالبنا بلجنة تحقيق دولية في انفجار المرفأ. ما عدا وبدى”.
أما التيار الوطني الحر فأكد على لسان النائب أسعد درغام أن هناك ظلماً بحق الرئيس دياب في قضية مرفأ بيروت، وقال: “نحن ضد هذه الاستنسابية مع التشديد على أنّه يجب الوصول إلى الحقيقة”. وتابع: “من المسؤول صاحب الهوية المجهولة الذي نصح دياب بعدم زيارة مرفأ بيروت؟”. وشدد على أن “التدخل السياسي في القضاء مرفوض وأتمنى على القاضي صوان المشهود له بمناقبيته أن يكون أكثر حذراً في موضوع الادعاءات”.
المسار القضائيّ مستمر
وفيما وجّه قرار صوان الأخير ضربة قاسمة للتحقيقات ما سيضعف ثقة المواطنين بأي قرار سيتخذه لاحقاً في هذا الملف، من المتوقع أن يتراجع قاضي التحقيق خطوة الى الوراء بعدما تحوّل الملف الى قضية طائفية ومذهبية في ظل الغضب داخل الطائفة السنيّة ودعم الرئيس دياب فضلاً عن رفض حركة أمل وحزب الله وحلفائهما في 8 آذار للقرار القضائي.
إلا أن النائب العام التمييزي السابق القاضي حاتم ماضي أكد لـ”البناء” أن “قاضي التحقيق لن يتراجع تحت ضغط الظروف السياسية أو حملة التضامن مع الرئيس دياب، بل سيكمل بالمسار القضائيّ وفق الأصول المتبعة في هذه الحالة”.
قاسم
وألقى الخلاف حول القرار القضائي بثقله على الملف الحكومي، حيث زاد عقدة جديدة على مجموعة العقد التي تواجه تأليف الحكومة، واستبعدت مصادر مواكبة لعملية التأليف، ولادة وشيكة للحكومة لا سيما بعد التشكيلة الهجينة التي عرضها الحريري على رئيس الجمهورية ميشال عون والتي لم ينسّق فيها مع حزب الله ولا مع عون ما يجعل أي مسودة حكومية يطرحها الحريري بحكم الساقطة والمرفوضة.
وأكدت بأن لا حكومة في ظل التزام الرئيس المكلف بالشروط الأميركية، مشيرة الى أن رهان البعض على تغيرات في المشهد الأميركي بعد تسلم الرئيس المنتخب جو بايدن وانعكاسه على المنطقة رهان وهمي، فلا أحد يمكنه توقع كيف سينتهي الصراع في أميركا وكيف ستكون السياسات الجديدة والتي يمكن ان تأخذ أشهراً عدة وربما سنة لكي تتبلور بشكل واضح وجلي، فهل يمكن وضع لبنان بحالة انتظار طويلة في ظل خطر الانهيار المالي والاقتصادي والنقدي والسياسي الذي يواجهه لبنان؟”.
وفي سياق ذلك، اعتبر نائب الامين العام لحزب الله نعيم قاسم أن “لبنان لن تقوم له قائمة من دون تأليف حكومة تفتح الباب للمعالجة، واذا اتفق المعنيون في لبنان سيستجيب الغرب وأميركا غصباً عنهم، ومن يحتجّ في الخارج ويسوّف ويضيّع الوقت ويراكم الخسائر لن يجني شيئاً. المواطنون وصلوا إلى حد الاختناق والرهان الوحيد النافع هو التفاهم وتدوير الزوايا”. وشدد على أن “حزب الله” مع قيام الدولة وانتظام مؤسساتها، وهو دعامة من دعامات استقرار لبنان وحمايته واستقلاله وبنائه ونهضته، وسيكون دائماً شريكاً فاعلاً للباحثين عن الحلول وإعمار بيروت ولبنان ومعالجة المسائل الاقتصادية والاجتماعية”.
كوبيتش
وبعد صدور حكم المحكمة الدولية الغيابي بالسجن المؤبد لسليم عياش بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، برز موقف للممثل الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، أكد فيه أن “السلطة الوحيدة الشرعية التي يجب أن تكون موجودة في لبنان هي الدولة”. وشدّد على أن حصر السلاح بيد الدولة الرسميّة مسألة ملحّة، فـ”سلاح حزب الله يتنافى مع القرارات الدولية 1559 و1680 و1701″. ولفت إلى أن “الإصلاحات ضرورة ملحة للبنان اليوم، والشعب اللبناني لفظ الطبقة السياسيّة في 17 تشرين الاول”.
وأعلن كوبيتش أن تشكيل حكومة إنقاذ ضرورة، ودعا الساسة إلى أن يفعلوا ذلك بشكل عاجل، وأن يتحرّكوا لأنه لا يمكن للشعب أن يستمرّ في هذه المعاناة”.
عون
ورأى رئيس الجمهورية “ضرورة تحديد العلاقة بين المصارف والمودعين ووضع حد للغبن اللاحق بالمودعين نتيجة الإجراءات التي تتخذها المصارف اللبنانية منذ احداث 17 تشرين الأول 2019 والتي تزداد صعوبة على المودعين يوماً بعد يوم”. وأكد خلال استقباله وفداً من جمعية “صرخة المودعين في المصارف”، “ضرورة احترام القوانين التي تحفظ حقوق المودعين في المصارف احتراماً أيضاً للملكية الفردية التي حفظها الدستور للمواطنين ومنعت القوانين المساس بها إلا في حالات محددة قانوناً”. وأكد الرئيس عون ان “الدولة تراقب عمل المصارف كما سائر المؤسسات العامة والإدارات الرسمية في محاولة لوضع حد للتجاوزات”.