جاء في صحيفة الأخبار : قضي الأمر، وسيغادر رياض سلامة منصبه نهاية هذا الشهر. هذه هي خلاصة المناقشات التي جرت منذ ما قبل عطلة عيد الأضحى حول ملف الشواغر في مناصب رفيعة في الدولة. لكن السؤال عن مرحلة ما بعد سلامة بقي شاغلاً للقوى الأساسية داخل الحكومة وخارجها، وللخارج المعنيّ بالنظامين المالي والمصرفي في لبنان، وسط همس عن رغبة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالحصول على غطاء يجيز له إجراء تعيينات أصيلة. علماً أن قانون النقد والتسليف يحدد آلية ملء الشغور في موقع الحاكمية، وينص على تولي النائب الأول مهام الحاكم إلى حين تعيين بديل أصيل. إلا أن إسناد هذه المهمة للنائب الأول وسيم منصوري، المحسوب على الثنائي الشيعي، يُعيد تظهير هواجس ذات بُعد طائفي لدى كثيرين في لبنان.
الأسبوع الماضي حمل أكثر من تطوّر على هذا الصعيد، مع عودة منصوري من زيارة إلى واشنطن التقى خلالها مسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية ومكتب مكافحة تبييض الأموال وآخرين معنيين بملف القطاع المصرفي في لبنان. ونُقل عن منصوري أنه لمس عدم وجود اعتراض أميركي على تولّيه مهمات الحاكم، وأنه تم الاتفاق على التنسيق مع الجهات الأميركية المعنية في ما يتعلق بإدارة القطاع المصرفي والوضعين المالي والنقدي. إلا أن المسؤولين الأميركيّين، وفق مصادر مطلعة، شدّدوا أمام منصوري على ضرورة تعيين حاكم أصيل. وبحسب المصادر نفسها، لا يزال الأميركيون يدعمون إسناد الحاكمية إلى الوزير السابق كميل أبو سليمان رغم «خشية» الأخير من قبول المهمة في حال لم يتأمّن التوافق حوله، وخصوصاً أنه لمس في جولاته السابقة تحفّظات جدية، كما أن قوى بارزة في الحكومة وخارجها أبلغت الرئيس ميقاتي رفضها توليه هذا المنصب.
من جهة أخرى، تراجعت التسريبات التي رُصدت قبل سفر ميقاتي لأداء مناسك الحج حول اتصالات يقوم بها مع القوى السياسية لتفعيل عمل حكومته وتوسيع صلاحياتها لتشمل التعيينات، بما فيها تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان. وعلمت «الأخبار» أن ميقاتي طلب السير الذاتية لعدد من الأسماء للبحث فيها مع القوى السياسية. إلا أن القوى التي تشاور معها في هذا الشأن شدّدت على ضرورة أن يناقش الأمر مع القوى المسيحية خصوصاً.
وفي ظل التوتر المسيطر على البلاد بفعل الأزمة الاقتصادية وأزمة الشغور الرئاسي، لن يكون ميقاتي قادراً على اتخاذ قرار على هذا المستوى تجنباً لمزيد من التصعيد، فضلاً عن «حساسية» الموقع الذي «يتصرف الأميركيون على قاعدة أنهم يملكون حق الفيتو على أي اسم لا يرغبون به».
كما أن حاكم المصرف هو من ضمن «عدة شغل العهد الجديد»، ويرتبط عمله بـ«شكل الإصلاح الذي سينطلق وطريقة التعامل مع صندوق النقد الدولي»، ما يعني أن «تسميته لا بد أن تكون من ضمن سلة كاملة خاصة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية»، وفق مصادر حكومية أكدت أن ميقاتي لن يدعو إلى جلسة تعيينات، «وهو ربما يسعى من وراء هذا الطلب إلى الدفع لإعطائه صلاحيات استثنائية تسمح له باتخاذ عدد أكبر وأوسع من القرارات في ظل الشغور»، أو على الأقل «دفع الجميع للتسليم بدستورية القرارات التي تتخذها الحكومة».
هذا الواقع يعني أن لا بديل عن سلامة حالياً. ويعني أيضاً أن السيناريو الوحيد المتاح هو تولي منصوري المنصب، بمعزل عن كل ما يرد على لسان ثنائي أمل وحزب الله حيال «الخشية» من تولي شيعي مسؤولية هذا المنصب. وعلمت «الأخبار» أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لا يزال قلقاً من تسلّم منصوري مهام الحاكمية، لأن «الناس ستنسى رياض سلامة، وكل ما سيحصل لاحقاً سيجري تحميل منصوري والثنائي مسؤوليته من ضمن حملة منظمة، وخصوصاً أن وزارة المالية والنيابة العامة المالية من حصة الثنائي أيضاً».
صلاحيات وزير الدفاع والتعيينات العسكرية
في إطار سعي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى الحصول على صلاحيات أكبر لحكومة تصريف الأعمال، تدخل أيضاً تعيينات المجلس العسكري التي يشكو قائد الجيش جوزف عون من أن الخلاف السياسي حولها يمنع البت بها. إذ تنص المادّة 27 من قانون الدفاع على صلاحيّة وزير الدفاع باقتراح الأسماء لتعيين المفتّش العام ورئيس الأركان والمدير العام للإدارة، وهي المواقع الشاغرة حاليّاً في المجلس العسكري. وقالت مصادر مطلعة إن «ميقاتي لن يستطيع البت في التعيينات ما دام وزير الدفاع موريس سليم متمنعاً عن إرسال الأسماء»، معتبرة أن «مطالبته بها ترتبط بمقاربته موضوع التعيينات العسكرية من زاوية مختلفة عن ملف الحاكمية، فهو يريد إعادة وزير الدفاع إلى اجتماعات مجلس الوزراء لكسر مقاطعة التيار الوطني الحر». أما قائد الجيش فيعتبر نفسه أسير الفراغ في المجلس العسكري ولا يستطيع التحرك أو السفر إلى الخارج، فالضابط المكلّف بالإنابة عنه هو رئيس الأركان، والحديث عن تسلّم الضابط الأعلى رتبة في حال عدم تعيين رئيس للأركان «مخالف للقانون»، وفقَ ما تقول المصادر.
هل يستقيل أعضاء المجلس المركزي؟
ثمّة قلق إضافي عند المعنيين بملف مصرف لبنان، يتعلق بالوضع داخل المجلس المركزي لمصرف لبنان. إذ يعتقد كثيرون من أنصار الحاكم رياض سلامة أنه الوحيد الذي يعرف لعبة السوق ويمسك بمفاتيحها، وأنه يدير مباشرة العلاقة مع كل العاملين في السوق النقدي، ويتخذ القرارات من دون العودة إلى المجلس. ويتخوّف هؤلاء من تدهور الوضع، بعدما تحدثت مصادر بارزة عن رفض سلامة تولي منصب «مستشار الظل» بعد خروجه. وعلم أنّ سلامة لم يطلع وسيم منصوري بعد على «حقيبة الأسرار»، وسط اعتقاد بأنه «يتقصد ترك الساحة في حالة فوضى ليُقال إنه الوحيد القادر على ضبطها». وتقود هذه البلبلة إلى احتمال لجوء أعضاء المجلس المركزي إلى تقديم استقالة جماعية للضغط من أجل تعيين حاكم جديد. ومع ذلك، فإن الانقسام المسيحي حول البديل، يجعل الاستقالة غير ذات جدوى. علماً أن المجلس المركزي سيعقد اجتماعاً بعد عودة منصوري لمناقشة عدد من النقاط، ولا سيما في ما يتعلق بمصير منصة صيرفة، وسط استمرار الخلاف حول الاستمرار بها أو إلغائها أو إدخال تعديلات على عملها.