نقولا ناصيف – الاخبار:
أصبح قاضي التحقيق فادي صوّان بحاجة إلى من يضع له السلّم لينزل عن الشجرة التي تسلّقها بنفسه، بادعائه على حسّان دياب ويوسف فنيانوس وعلي حسن خليل وغازي زعيتر. القرار وإن كان «بادرة إيجابية» يُبنى عليها لإلغاء الحمايات السياسية، ولكنّ خلفياته الاستنسابية تُهدّد مستقبل التحقيق وتزيد من الشرخ السياسي في البلد. جبهتان تشكّلتا، واحدة تضم فريق العهد والثانية خصومه، تحديداً ثلاثي برّي – الحريري – جنبلاط. التشدّد هو عنوان المرحلة المقبلة، في ظلّ تأزّم الوضع المالي والاقتصادي يوماً بعد آخر
لم يعد «مُهمّاً» إن كانت جهة سياسية تقف خلف ادّعاء المُحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ، القاضي فادي صوّان، على رئيس الحكومة المستقيلة حسّان دياب والوزراء السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس وغازي زعيتر، كما يزعم خصوم النائب جبران باسيل، أم أنّ قرار صوّان أتى بمعزل عن المُناكفات السياسية. فالنقطة الأساسية تتمحور حالياً حول النتيجة التي أدّى إليها الادّعاء، وهي تكتّل كلّ خصوم التيار الوطني الحرّ ضدّه. من زار السرايا الحكومية وأصدر البيانات واتصل مُتضامناً مع دياب، لم يهدف سوى إلى تمتين الجبهة في وجه «فريق العهد» المُتّهم بأنّه يستغل القضاء لـ«تصفية الحسابات». في الوقت الذي قرّر فيه التيار الوطني الحرّ الدخول من بوّابة «مُكافحة الفساد» عبر تحريك ملفات قضائية، كاستدعاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والادعاء في ملفّ المُهجرين، والإثراء غير المشروع لعدد من الضباط أبرزهم قائد الجيش السابق جان قهوجي… لن يعتبر ثلاثي نبيه برّي – سعد الحريري – وليد جنبلاط نفسه معنياً في تقديم أي «تنازل» يراه يصبّ في مصلحة الرئيس ميشال عون وباسيل في مسألة تشكيل الحكومة. وبناءً على ذلك، جرى التمترس خلف قرار صوّان للمزيد من التعقيد في مفاوضات تأليف الحكومة، ما يدفع القوى السياسية الرئيسية في البلد إلى التأكيد: «لا حكومة». يحسم هؤلاء بأنّ «سير التحقيقات في قضية المرفأ سيزيد الضغائن والفرز بين القوى». وما «الدعم» الذي أُحيط به دياب سوى أحد مؤشرات مرحلة التوتّر.
قبل يوم من ادّعاء صوّان، كان رئيس الحكومة المستقيلة «من دون خيمة»، هو الذي «نُبذ» من الطائفة التي ينتمي إليها بمُجرّد قبوله بالموقع، ونُظّمت ضدّه حملات تحريض، ولا سيّما من «نادي رؤساء الحكومات السابقين». في غضون ساعات، تحوّل دياب إلى «نقطة التحام» للتعبير عن «رفض التطاول» على موقع رئاسة الحكومة. تقول مصادر الأخيرة إنّ «انفجار بيروت كان كارثة كبيرة، لكن لا يُمكن توجيه الاتهام إلى رئيس الحكومة دوناً عن آخرين، وكأنّه وحده المسؤول». لكنّ «المفاجأة» في كلّ «حملة التضامن» كانت الاتصال الهاتفي الذي تلقّته دوائر السرايا الحكومية من الحريري، مُبلغاً إياها أنّه في الطريق للقاء دياب. بالنسبة إلى أوساط الحريري، «هو لم يذهب إلى السرايا للتضامن مع دياب وحسب، بل للتأكيد أنّ موقع الرئاسة الثالثة ليس يتيماً». فالحريري يعتبر الادّعاء على دياب تمهيداً لاستهدافه ولـ«الموقع السنّي الأوّل» في الجمهورية، تماماً كما اعتبر كلّ من برّي وسليمان فرنجية بما خصّ علي حسن خليل ويوسف فنيانوس.
الحماية الطائفية لدياب ليست «استثناءً» في لبنان، بل تكرار لأحداث مُشابهة يتبدّل أبطالها حسب الملفّ. افتعال لضجّة غرائزية، غالباً ما تنتهي بـ«تطيير» التحقيقات، وكان «طبيعياً» أن يلجأ إليها دياب «خوفاً» من أي تبعات للقرار، كونه لا يملك غطاءً سياسياً. ولكن ردّة الفعل التي أخذت منحىً طائفياً، ستكون لها تبعات خطيرة. صحيحٌ أنّه ليس من العدل تحميل دياب مسؤولية أزمة عُمرها سنوات، ومن غير المنطقي استدعاء رئيس حالي للحكومة من دون أي وزير من حكومته، أو الادعاء على وزراء سابقين من دون رؤساء الحكومة في حينه، ولكن قد تؤدّي أحداث الـ48 ساعة الأخيرة إلى القضاء على أي إمكانية بالوصول إلى نتيجة في تحقيقات انفجار المرفأ. الملفّ حالياً أمام مُفترق طرق حسّاس، فإمّا يُعيد القاضي فادي صوّان الاعتبار للتحقيقات مُبعداً عنها صفة الاستنسابية من خلال توسيع مروحة المُدّعى عليهم، أو يُكمل في أسلوب قرارات «ردّات الفعل الشعبوية» ويمنع الوصول إلى الحقيقة في معرفة مُسبّبي جريمة 4 آب.
ولكن هل سيؤدّي ذلك إلى عرقلة تشكيل الحكومة؟ بالنسبة إلى أوساط فريق 8 آذار «كلّ خضّة كبيرة تُعرقل ملفّات أخرى، ما حصل سيُفرمل الدينامية التي خُلقت بتقديم الحريري مسودة الحكومة، والردّ عليها باقتراح من رئيس الجمهورية». كانت المرّة الأولى التي «يبرز فيها جو نقاش جدّي حول الحكومة، وقد وأده ادّعاء صوّان». ولكن، ستستمر محاولات إخراج التشكيلة قبل 22 كانون الأول، موعد وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان (أعلن الإيليزيه أنّ ماكرون سيزور لبنان في 22 و23 الشهر الجاري)، «وهو ما يضغط تجاهه الفرنسيون، وإلّا فإنّهم يُهدّدون بأنّ آلية عملهم ستتبدّل وسينتقلون إلى ممارسة المزيد من الضغوط على لبنان».
على أهمية وضرورة تشكيل حكومة في أسرع وقت لمحاولة تخفيف حدّة الانهيار الاقتصادي والمالي، ولكن لم يكن بنداً على أجندة السياسيين أمس، الذين تلهّوا بإصدار بيانات التضامن مع دياب، الذي أعلن الحريري بعد لقائه أنّه «أتيت إلى رئاسة الحكومة لأُعبّر عن رفضي المطلق للخرق الدستوري الواضح والفاضح الذي ارتكبه القاضي بالادعاء على رئيس الحكومة. رؤساء الحكومات يمثلون فقط أمام محكمة خاصة يشكلها المجلس النيابي. رئاسة الحكومة ليست للابتزاز». أما تيار المردة، فقد أصدر بياناً يصف ما جرى بـ«الاستنسابية غير المبنية على أسس صحيحة. الوزير السابق يوسف فنيانوس قام بواجباته كاملة وفقاً للأصول المرعية وضمن صلاحياته… إذا كان الهدف تدفيعنا ثمن مواقف سياسية معينة فهذه الأساليب لم تنفع معنا في السابق ولن تؤثر فينا اليوم».
كذلك اعتبر رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، أنّه «لا يجوز أن يُستعمل القضاء كقناع لعمليات بوليسية أو لتركيب اتهامات من أجل تصفية الحسابات السياسية أو للانتقام. وإذا كان هناك من حيادية حقيقية فمن الأولى أن يصار إلى طلب الاستماع إلى فخامة الرئيس الذي قال بعظمة لسانه إنّه علم بالأمر قبل 15 يوماً من التفجير». وأكّد مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان «دعمه لدياب ووقوفه إلى جانبه ورفضه التطاول على رئاسة الحكومة»، في حين اعتبر وليد جنبلاط أنّه «لا يجوز أن يقف التحقيق في كارثة المرفأ أمام الحواجز الدستورية أو الطائفية، ولا بدّ أن يشمل الجميع بدون استثناء». من جهته، أشار الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى أنّ «كارثة بهذا الحجم تستدعي إجراء تحقيقات شفّافة تُمسك بكلّ الخيوط، وهذا مسار يتطلّب مُتابعة حثيثة وإحاطة شاملة بما يُسهّل تحديد المسؤوليات وكشف الحقيقة».
وأضاف البيان أنّ تخطّي المرحلة «يتطلّب ابتعاداً عن الشعبوية في مقاربة الملفات». أما حزب الله فقد أصدر بياناً حاول فيه التوفيق بين إصراره على المُضيّ بالتحقيقات وبين التنبيه من الاستنسابية التي لجأ إليها صوّان، فبدأ البيان بالتأكيد على «تأييدنا المبدئي والتام للتحقيق القضائي، وكشف كل الجهات والأفراد المسؤولين عنها أياً كانوا»، مُنبهاً إلى عدم «سقوط التحقيق في متاهات الإجراءات الإدارية والتعقيدات الروتينية والإشكالات القانونية، بحيث تختفي الأدلة، ويُغيّب المُجرمون وتضيع الحقيقة، وتطفو على السطح الشبهات غير الموثوقة والاتهامات غير المسندة والادّعاءات غير الصحيحة». وشدّد حزب الله على أن «تكون جميع الإجراءات التي يتخذها قاضي التحقيق بعيدة عن السياسة والغرض وأن يتم الادّعاء على أسس منطقية وقانونية، وهذا ما لم نجده في الإجراءات الأخيرة، بالتالي فإننا نرفض بشكل قاطع غياب المعايير الموحّدة التي أدّت إلى ما نعتقده استهدافاً سياسياً طاول أشخاصاً وتجاهل آخرين دون ميزان حقّ، وحمّل شبهة الجريمة لأناس واستبعد آخرين دون مقياس عدْل، ما سيؤدي للأسف إلى تأخير التحقيق والمحاكمة بدلاً من الوصول إلى حكم قضائي مُبرم وعادل».