منال شعيا – النهار
… وصلنا الى القعر… حتى المرض ممنوع. الاستشفاء بات للمحظيين، وليحاول كل مواطن تدبير أمره، حتى بالنسبة الى الصحّة وحبّة الدواء.
وهل بات هناك من انهيار أكبر؟!
على لسان المعنيين، يصبح الوضع أكثر سوءاً. قالها صراحة نقيب الأطباء يوسف بخاش: “40 في المئة من المرضى يموتون بصمت وبطء في منازلهم”، فهل هناك من تعبير أكثر صدقاً للواقع المأزوم؟ ماذا يعني هذا الكلام؟
لا قدرة
هذا المؤشر لا يبدو جديداً، بل إنه يتعمق أكثر. وهنا خطورته. قبل نحو شهرين، وتحديداً في أواخر كانون الثاني الماضي، نشرت “الدولية للمعلومات” تقريراً مفصلاً جاء فيه حرفياً: “صحّة اللبنانيين في خطر، عدم القدرة على دخول المستشفيات”. وجاء مضمونه متكاملاً مع كلام نقيب الأطباء.
يكشف التقرير أن “أعداداً كبيرة من اللبنانيين لا يمتلكون القدرة على تحمّل تكلفة الاستشفاء في المستشفيات، سواء على نفقتهم الخاصّة أو على نفقة وزارة الصحّة العامّة أو الجهات الضامنة، ذلك أنّ الفاتورة أو حصّتهم فيها قد أصبحت مرتفعة جداً، متخطّية مئات الملايين من الليرات، في بعض الحالات”.
بتنا في قعر الانهيار الصحّي.
حين دق نقيب الأطبّاء ناقوس الخطر كان يعلم أن تأمين الصحة للمواطن بات في أدنى درجاته. يلاقي نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون هذه المعادلة بالقول: “نعم، لقد تراجع الاستشفاء 50 في المئة عند اللبنانيين، وثمة انخفاض فاضح في عدد الأسرّة في المستشفيات”.
يقول لـ”النهار: “خطورة هذه الأرقام أن عدداً كبيراً من المرضى لا يتمتعون بالقدرة المادية والمالية الكافية لتأمين الطبابة لهم. لقد وصلنا الى درجة الموت”.
النسبة التي أوردها نقيب الأطباء تعني أن هناك انخفاضاً ملحوظاً في نسبة إشغال المستشفيات، فأي خطورة مستقبلية لهذا الواقع؟
في تقرير “الدولية للمعلومات”، كان هناك، “قبل الأزمة، نحو 10 آلاف سرير، وراوحت نسبة الإشغال بين 60 في المئة و70 في المئة، أي نحو 6 آلاف الى 7 آلاف مريض. أما اليوم، فقد تم إغلاق أقسام عدة في عدد كبير من المستشفيات، وانخفض عدد الأسرّة إلى 6 آلاف سرير”.
معنى ذلك، بحسب أرقام “الدولية للمعلومات”، أن “نسبة الإشغال باتت تراوح اليوم بين 50 في المئة و60 في المئة، أي بين 3 آلاف إلى 3,600 مريض، أي ما يقارب نصف عدد المرضى قبل الأزمة”.
أرقام خطيرة
هذه الأرقام، يؤكد دقتها، نقيب المستشفيات الخاصة، يعلق: “هي أرقام خطيرة”.
يتابع: “قراءة هذه الأرقام تعني أن ثمة أناساً لا يتلقون العلاج اليوم، وهذه قمة البشاعة والخطر”.
قد يكون صحيحاً أنه في الفترة التي كانت سائدة ما قبل الأزمة، كانت هناك مبالغة في إشغال الأسرّة في المستشفيات لتوافر الكلفة عند عدد كبير من المرضى، ومن جانب وزارة الصحة أو الجهات الضامنة المتعددة، وهذا ما أشار إليه تقرير “الدولية للمعلومات”، أما اليوم فبتنا في المسار المعاكس الانحداري، فلا الوزارة قادرة ولا الجهات الضامنة صامدة، فيما المرضى لا يستطيعون، وحدهم، تأمين التكلفة الاستشفائية التي ترتفع تدريجاً وباستمرار.
ولا يبدو هارون متفائلاً: “كان اللبنانيون من قبل يستسهلون الاستشفاء نتيجة قدرة الجهات الضامنة، أما اليوم فيعدّون للمليون قبل دخول المستشفيات، لألف سبب وسبب مادي، وأحياناً أخرى لا يدخلون أصلاً المستشفى. إنه واقع نلمسه كل يوم، وسبق أن حذرنا منه”.
نقيب الأطباء أطلق تحذيره، فهل من يتحرك؟ باختصار، كان دخول المستشفيات أسهل. وصحيح أنه لطالما دق المعنيون بالملف الصحي ناقوس الخطر، ومنهم بخاش وهارون، إلا أننا اليوم، بتنا في قلب هذا الخطر، لا بل نعيشه.
لا دواء. لا استشفاء. فماذا بعد؟
المعادلة أكثر من واضحة. الدولة اللبنانية ليست لديها طاقات اليوم أو إمدادات لتأمين الطبابة، والجهات الضامنة الرسمية على تعددها، من وزارة الصحة الى التعاونيات ليس لديها قدرة البقاء والاستمرار أيضاً.
معنى ذلك، أن لا حل قريباً وسريعاً، فهل ستأتي المساعدات من الخارج لتخفيف حدّة المشكلة قليلاً.
ربما من استطاع تأمين الاستشفاء اليوم قد لا يستطيع في المستقبل.
الصورة أكثر من سوداوية: المدّخرات انتهت، والمرض إن لم يكن قاتلاً قد يؤجّل…