فراس الشوفي – الأحبار
فيما كان العدوّ الإسرائيلي يجرّ أذيال خيبته قبل الخروج من جنين، وصل إلى بيروت، فجر الثلاثاء، المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند، لعقد سلسلة اجتماعات حول العدوان الإسرائيلي في جنين، في مقدمها لقاء الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة.
إلّا أن اللقاء بين نخالة ووينسلاند، لم يحصل إلّا عصر الأربعاء، بعد خروج قوات الاحتلال من جنين مهزومة. فالاجتماع، الذي كان مقرّراً مسبقاً في 18 تموز، وجرى تقديمه إلى الأسبوع الحالي بسبب العدوان على جنين، لم ترغب قيادة الجهاد في عقده قبل التحقق من هزيمة الاحتلال في جنين، وأن لا تفاوض على وقف إطلاق النار.
وبحسب المعلومات، فإن الاجتماع ليس الأوّل بين ممثل الأمين العام للأمم المتحدة وحركة الجهاد في بيروت بوساطة من رئيس لجنة الحوار الفلسطيني ـ اللبناني باسل الحسن الذي حضر الاجتماع. بل الثالث أو الرابع منذ معركة «وحدة الساحات» في آب الماضي، والتي حاول فيها العدوّ الاستفراد بـ«الجهاد الإسلامي».
بالطبع، لم يأتِ الموفد الأممي من فراغ، إذ تؤكّد كل المؤشرات أن زيارة وينسلاند على عجل جاءت بطلب من العدوّ الإسرائيلي، إذ كانت تل أبيب تبحث عن كل من يمكن أن يلعب دوراً وسيطاً مع قيادة الجهاد للحصول على ضمانات بوقف النار مقابل خروج قوات الاحتلال من جنين. كما ظهرت نوايا لدى المبعوث الأممي للوصول إلى تفاهمات برعاية الأمم المتّحدة تتعلّق بالوضع العام في الأراضي المحتلةّ، لا سيّما في الضفة الغربية. الأمر الذي تعيه حركة الجهاد جيّداً، فكان الحرص على استمرار المواجهة المسلّحة وثبات جنين، ومنع العدوّ استغلال ورقة المعركة على المخيم في أي مكسب سياسي، ورفض أي وساطة قبل الانسحاب تحت ضغط الخسائر المادية والبشرية التي يخفي العدوّ الجزء الأكبر منها حتى الآن.
وأكد نخالة أن فصائل المقاومة في حالة تنسيق كامل سياسياً وميدانياً، والقرار عندها واضح، بأنها غير معنية بتقديم أية ضمانات لقوات الاحتلال من أي نوع، وأن حركة المقاومة ستستمر طالما هناك احتلال، وستبقى بعد غزو جنين كما قبله، بل ستشهد تصاعداً.
ويمكن القول إن اللقاء يحمل عنواناً واضحاً وهو البحث عن حوار استراتيجي مع الجهات القادرة والقويّة على الأرض في فلسطين والضفة الغربية تحديداً، حول مستقبل الوضع في الضفة، بعدما ظهّرت معركة جنين السقوط الأخير للسلطة الفلسطينية، حتى بدت الهزيمة في جنين مزدوجة، للاحتلال والسلطة معاً، خصوصاً أن العدوّ كان يستعد للهجوم على نابلس في حال نجاح عمليته في جنين.
وقد حاول المبعوث الأممي تقديم تطمينات أمام نخالة عن عدم انحياز الأمم المتحدة إلى جانب العدوّ الإسرائيلي، والتأكيد على إجراءات وضع إسرائيل على قوائم الانتهاكات لحقوق الإنسان والمرأة والأطفال وغيرها من أدوات الضغط الدبلوماسية. لكن نخّالة كان واضحاً في تفصيل مواقف حركة الجهاد لناحية عدم اهتمامها بأي تفاهم سياسي مع الاحتلال. وهو أوضح للموفد الأممي أن أي حديث عن تحوّلات دولية تجاه الجهاد وحركات المقاومة الأخرى، من قبيل رفع العقوبات أو نزع صفة «الإرهاب» الموضوعة بقرارات أحادية الجانب من الولايات المتحدة وتوابعها، مقابل التنازل عن الحقوق الفلسطينية، لا يمكن أن تمرّ، وأن ما فعله الغرب مع منظمة التحرير الفلسطينية مكشوف ومعروف من قبل الفصائل. وأكّد نخّالة أن حركة الجهاد غير معنيّة بأي تحوّل دولي ولا تكترث بالمواقف الدولية المؤيّدة للعدو الإسرائيلي، إنّما لحقوق الشعب الفلسطيني فقط.
وسرد نخالة أمام ضيفه المسارات السياسية منذ ما قبل اتفاق أوسلو، وكيف تصرف الاحتلال والأمم المتحدة والدول المؤيّدة للاحتلال تجاه حقوق الفلسطينيين، مشدداً على أن فصائل المقاومة اليوم لا يمكن أن تكرّر هذه التجربة.
لا ينفصل الاهتمام الأممي بالحوار مع فصائل المقاومة، لا سيّما حركة الجهاد، عن شبه القناعة التي تتشكّل عند اللاعبين الدوليين عن قرب موت السلطة الفلسطينية والحاجة إلى الحوار والتواصل مع الجهات التي تمثّل الشعب الفلسطيني. فحركة الجهاد، التي اعتقد العدوّ أنه استفرد بها في أكثر من معركة مؤخّراً مستهدفاً قياداتها العسكرية البارزة، تزداد قوّة على المستويات العسكري والسياسي والشعبي، خصوصاً في الضفة والداخل المحتلّ.
ولا يمكن إغفال الانزعاج الذي يصيب رام الله، جراء الحضور القيادي للجهاد وحماس في لبنان، وتحوّل بيروت إلى لاعب أساسي في دعم فصائل المقاومة الفلسطينية، ولعب أدوار دبلوماسية وسياسية وازنة في ملفّ الصراع مع العدوّ.
وعلمت «الأخبار» أن مدير الاستخبارات الفلسطينية العامة ماجد فرج، سيزور بيروت في 24 الجاري، وعلى جدول أعماله البحث في مسألة حضور الجهاد وحماس في لبنان، ومن المفترض أن يلاقي ردوداً سلبية على أكثر من مستوى، لأن جدول أعماله لا يخص مصالح الشعب الفلسطيني بقدر ما يحاكي طلبات العدو بالضغط على فصائل المقاومة داخل فلسطين المحتلة وخارجها؛ مع العلم أن فرج مطروح كخليفة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهو من يدير عمليات التنسيق الأمني اليومي مع قوات الاحتلال كما مع السلطات الأمنية الغربية ولا سيما الولايات المتحدة.
يذكر أن وينسلاند، التقى خلال زيارته رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري.