سابين عويس – النهار
منذ ان وضع صندوق النقد الدولي تقرير المادة الرابعة للمشاورات السنوية حول لبنان في تصرف الرأي العام، يحرص ممثل مكتبه في بيروت فريديريكو ليما على لقاء السلطات اللبنانية ومكونات اقتصادية وإعلامية بهدف شرح مضمون التقرير والرسائل التي رغب المجلس التنفيذي ان تصل الى اكبر شريحة ممكنة من اللبنانيين، وذلك بهدف وضع الجميع امام حجم الاخطار الداهمة، والحاجة القصوى والملحة للانخراط في المسار الإصلاحي الذي يوفره الصندوق عبر برنامج يحمل توقيعه تجاه الدول والمؤسسات المانحة.
في لقاء أراده مع مجموعة من السيدات العاملات في المجال الاقتصادي، كان ليما مستعرضاً ومستمعًا وداعياً الى نشر أوسع للواقع الذي بلغته البلاد اخيراً.
لم ينفِ أهمية مظاهر البذخ والوفرة وحماوة الموسم السياحي الذي يتجلى ربما في المطاعم والمقاهي والفنادق وعلى الطرق والمسابح، على نحو يبين بأن البلاد بألف خير، ولكن الحقيقة والواقع غير ذلك تماماً، وان كانت تلك المظاهر تعكس شيئًا من التحسن لكنها موقتة وغير كافية. فالازمة لا تزال حادة والبلاد لا تزال على مفترق طرق خطير، واخطار عدم السير في طريق الإصلاح كبيرة على اكثر من قطاع ولا سيما المالية العامة وحجم الدين والعجز والقطاع المصرفي، في ظل غياب الثقة والعجز عن اقناع المستثمرين بتوظيف الأموال.
يدرك الصندوق ان التقرير يمكن ان يكون تقنياً، ولكنه في الوقت عينه يعي بأنه من المهم ان يشارك المواطنون فيه ليكون لديهم القدرة على فهم ما ينتظرهم في ما لو استمر تلكؤ السلطات عن القيام بالإصلاحات المطلوبة. ذلك ان دور الصندوق في استعادة الثقة وتوفير التمويل يحتاج في المقابل الى الالتزام اللبناني بالإجراءات المسبقة المطلوب السير بها من اجل تحقيق الهدفين المشار اليهما.
يعي الصندوق التسويق الخاطىء لدوره، وقد سمع مسؤولوه كلاماً كثيراً حول عدم الحاجة الى المليارات الثلاثة التي سيوفرها البرنامج معه. وعلى هذه النقطة يشدد ممثله في بيروت ان البرنامج لا يقتصر على ٣ مليارات، بل يصل الى ١٢ مليار دولار من التمويل الذي ستوفره الدول والمؤسسات المانحة وفقا. لمدى التزام لبنان بالتنفيذ.
يطمئن ليما المشككين بأن التزام الصندوق تجاه لبنان ثابت وقوي، لكنه يرغب بأن يرى التزاماً مماثلاً من السلطات اللبنانية.
ليس لدى الصندوق ما يطمئن حيال الوضع الراهن. عندما يُسأل ممثله عن الفجوة المالية ومن يتحمل مسؤوليتها، يأتي الجواب ضعيفاً ويزيد ضعفاً عندما يضطر الى القول ان جزءاً من الفجوة التي تفوق السبعين مليار دولار تتحملها الدولة، اما الباقي فسيتحمله المودعون، مع حرص على التأكيد بإن جهوداً كبيرة تبذل من اجل ضمان حصول صغار المودعين على ودائعهم، وعلى أهمية ان يعرفوا ان تحقيق ذلك يشترط وجود برنامج مع الصندوق مرفق بإعادة هيكلة ورسملة القطاع المصرفي.
بعض التباينات في التقديرات والأرقام في التقرير يعزوها ليما الى عدم وجود قاعدة معلومات رسمية واضحة، كما انه يتعذر اجراء عملية تقدير دقيقة لمؤشرات الاقتصاد الموازي.
يخشى ليما على لبنان من استمرار حال المراوحة والتأجيل وتفويت فرصة السير بالبرنامج، لأنه يعي بأن الاهتمام الدولي اليوم ليس هنا بل في دول أخرى، مثل الصين او أوكرانيا. لذلك فإن الاسرة الدولية تبدي استعداداً للمساعدة وتفهماً للأوضاع الصعبة، ولكنها لن تكون في وارد تقديم أي دعم اذا لم يظهر لبنان تجاوباً والتزاماً.
أسئلة كثيرة تطرح حول موازنة ٢٠٢٣ والشروط التي يفرضها الصندوق، في ظل مطلب توحيد سعر الصرف وتحسين الإيرادات عبر زيادات ضريبية لن يكون لبنان قادراً على تحمل وزرها. والمشكلة ان توحيد سعر الصرف واعتماد سعر صيرفة في القانون سيكون حصراً على الإيرادات وليس على النفقات، ما يعني عملياً ان عمليات الاقتطاع من أموال الناس ستستمر، وان الإصلاح المنشود للقطاع العام سيطول. علماً ان كل الأفكار المقترحة لزيادة السلة الضريبية وفق مشروع الموازنة المقترح لا يراعي عدالة التوزيع ولا يذهب نحو مكامن الإيرادات مثل الضريبة على الثروة او الأملاك البحرية.
في الخلاصة اكثر من رسالة حملها ليما الى المشاركات في اللقاء، أهمها انه كلما مر الوقت من دون عمل، ازداد الوضع سوءًا ، وان الدولة لا يمكن ان تحقق التعافي والازدهار والنمو من دون اصلاح. لذلك، فان الصندوق يوصي بمجموعة نقاط أساسية أهمها إرساء القانون والحوكمة ، ضمان اعلى نسبة ممكنة من الودائع ، إعادة هيكلة رسملة القطاع المالي والمصرفي، خلق فرص العمل وتحقيق النمو، هيكلة القطاع العام لتحسين كفاءته وانتاجيته، استدامة الدين، إعادة بناء الثقة والصدقية لاستعادة التدفقات المالية والاستثمارية، توفير البنى التحتية لخدمات افضل تشكل الهم الأول للبنانيين (الكهرباء، المياه، الاتصالات، التعليم، فرص العمل…)
ولأن القرارات لا يمكن ان تفرض، لا بد من مشاركة كل مكونات المجتمع في القرار طالما ان السلطة استقالت من مسؤوليتها، ولم تخرج بعد من حالة الانكار امام بلد يتحلل. وكل ما ستظهر منه حفنة من الدولارات تتنقل بين بضعة مطاعم وملاهي، عاكسة صورة لا تشبه حال اكثر من ٨٠ في المئة من اللبنانيين!