بلقيس عبد الرضا – المدن
اعتاد الناس على رؤية الكثير من الأطفال يجولون الشوارع العامة في العاصمة بيروت. بعضهم يبيع الأقلام، وآخرون الورود، وفئة أخرى تقوم بمسح أحذية المارة. لكن هذه الصورة المسيئة للأطفال بدأت تتوسع أكثر في مناطق عديدة في لبنان، ولم تعد هذه المهن البسيطة هدفاً للأطفال، بل باتت الكثير من الورش الصناعية، ومحال ميكانيك السيارات، وغيرها من المهن الصعبة تستوعب المئات من الأطفال وتحديداً دون سن العاشرة.
ممنوع…بالقانون
عمالة الأطفال ممنوعة في لبنان فحسب قانون العمل الصادر عام 1946 وتعديلاته، يحظر بصورة مطلقة استخدام الأحداث قبل اكمالهم سن الثالثة عشرة في أي أعمال. كما يحظر تشغيل الاحداث الذين تتراوح اعمارهم ما بين السادسة عشرة والثامنة عشرة في بعض الأعمال الخطرة بطبيعتها او التي تشكل خطرا على حياتهم أو صحتهم أو سلامتهم أو سلوكهم الاخلاقي. ولا يجوز أن يعمل القصّر قبل اكمالهم سن الثامنة عشرة في أعمال تحرمهم من حقهم في التعليم، وذلك يعتبر أسوأ أشكال عمالة الأطفال. إلا أن هذه القواعد القانونية لا تمت بصلة إلى الواقع الحالي، خصوصاً وأن الأزمة الاقتصادية لاتزال ترخي بظلالها على الفئات الأكثر ضعفاً والأكثر هشاشة.
يعمل أحمد في ورشة لتصليح السيارات في منطقة الضاحية الجنوبية. لم يبلغ من العمر أكثر من 8 سنوات، إلا أن والده لم يتمكن من تسديد مصاريف المدرسة من جهة، وتأمين مستلزمات البيت من جهة ثانية. لذا قرر منذ بداية العام ترك المدرسة والالتحاق بورشة لتصليح السيارات، علّه يصبح ميكانيكياً في سن مبكر. يتباهى أحمد أمام باقي الأطفال في ورش السيارات بقدرته على قراءة بعض الحروف وكتابة كلمات بسيطة. يتقاضى أسبوعياً نحو 750 ألف ليرة وقد تصل إلى مليون ليرة، أي ما يقارب نحو 9 دولارات أسبوعياً، أي ما يقارب من 36 دولاراً شهرياً، لكن بحسب أحمد، فإن أجرته عادة ما ترتفع وتصل إلى أكثر من 50 دولاراً، ذلك بفضل الإكراميات التي يتلقاها من الزبائن.
تقرير اليونيسف…مقلق
اضطرت الكثير من العائلات وتحديداً في المناطق البعيدة عن العاصمة، سواء في الجنوب أو الشمال والبقاع إلى الاستغناء عن تعليم الأبناء، رغم مجانية التعليم الرسمي، بسبب حاجاتهم إلى مداخيل شهرية لتسديد النفقات العامة؛ وهو ما لفت الانتباه إليه تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة- اليونسيف الأخير، إذ أوقفت نحو 15 في المئة من الأسر تعليم أطفالها، مسجلة بذلك ارتفاعاً من 10 في المئة قبل عام واحد، فيما خفّضت نحو 52 في المئة من العائلات إنفاقها على التعليم، مقارنة بنسبة 38 في المئة قبل عام، أي بزيادة تقدر بنحو 14 في المائة.
أضف إلى ذلك، اضطرت أكثر من أسرة واحدة من بين كل 10 أسر إلى إرسال الأطفال إلى العمل كوسيلة للتكيف مع الأزمات العديدة، ويرتفع هذا الرقم إلى ما يقارب أسرة واحدة من بين كل أربع من أسر النازحين السوريين أرسلت أطفالها إلى العمل.
يقول مقرر لجنة حقوق الإنسان النيابية السابق غسان مخيبر لـ “المدن”: إن فكرة التعليم تعد حقاً وواجباً، ولابد من احترام ذلك، إلا أنه في ظل الأوضاع السياسية الحالية والاقتصادية، فإن فكرة التسرب المدرسي بهدف العمل تأتي ضمن أولويات العيش”. ويضيف” على الرغم من أن ذلك يعد مخالفاً لحقوق الإنسان وتحديداً حقوق الطفل، لكن لا يوجد أي تشريع في لبنان يجبر الأهل على تعليم الأبناء، أو بمعنى أدق لا يوجد عقوبة تطال الأهل في حال التفريط في حق أولادهم بالتعليم”. من جهة أخرى، لفت مخيبر إلى أن عدد المقاعد المدرسية في لبنان لا يكفي أعداد الطلاب، وهي مشكلة أخرى، ترخي بظلالها على عمالة الأطفال.
“أريد اطعام عائلتي”
يقضي عبد الله (14 عاماً) يومه بالكامل في فرن للمناقيش، يبدأ العمل الساعة 5 فجراً حتى الساعة 10 صباحاً، بعدها تبدأ رحلة جديدة في توصيل طلبات الطعام إلى المكاتب أو البيوت القريبة من الفرن. عند الساعة الرابعة، أي بعد عمل لأكثر من 11 ساعة، يذهب إلى بيته. يقول لـ “المدن”: “أحاول قدر المستطاع تأمين لقمة العيش لعائلتي. والدي لا يعمل، ولدي أخوة صغار. العمل في الفرن، يساعدني على مستويات عديدة، فمن جهة، صاحب الفرن كريم جداً معي، ويعطيني ما تبقى من العجين، كما أن الزبائن لطفاء معي”. بحسب عبدالله، ساعده العمل في إبعاد شبح الجوع عن عائلته، لافتاً إلى أن العائلة ومنذ عام تقريباً باعت الكثير من أثاث المنزل لشراء الطعام، ولذا كان خيار العمل أساسي بالنسبة له، واضطر إلى ترك المدرسة.
في مناطق البقاع، الوضع يبدو أصعب، خاصة وأن الأطفال دون سن السابعة يعملون مع أهاليهم في المزارع والحقول تحت أشعة الشمس، وبأجر يومي لا يتخطى 50 ألف ليرة، أي ما يقارب نصف دولار تقريباً.
يشير مخيبر إلى أن تردي الأوضاع الاقتصادية جعلت عمل الأطفال جزءاً من الدخل خصوصا في المناطق الأكثر حاجة، أو المناطق البعيدة عن العاصمة، ولذا كانت هناك محاولة للبنك الدولي ضمن برنامج “التعلم وسيلة لمحاربة الفقر”، وهي مبادرة تقوم على منح العوائل الفقيرة مقابلا ًماديا من أجل تعليم أبنائهم، كفعل عملي على أرض الواقع.
لا يوجد إحصاء دقيق لعدد الأطفال العاملين في لبنان، لكن مصدر في وزارة العمل، لفت إلى أن نسبة الأطفال العاملين ارتفعت بسبب الأزمة، وقد تصل النسبة إلى ما يقارب 30 في المئة من إجمالي عدد الأطفال في لبنان. ووفق المصدر، تسعى الوزارة إلى مواجهة هذا الواقع بمشاركة وزارة التربية، لكن الأوضاع الحالية لا تساعد في إيجاد اي حل لهذه المشكلة.