ابراهيم بيرم – النهار
على طاولات القراءة والقرار لدى الدوائر المعنية في الثنائي الشيعي، مقاربة منجزة للتطورات المرتقبة والاحتمالات تقوم على اساس رؤية استشرافية مبنية على تقييمه لما ارتسم خلال الاشهر التسعة الماضية التي تلت الشغور الرئاسي من وقائع ومعطيات. ومن العناوين العريضة الواردة في هذه المقاربة:
– ان مرحلة المراوحة السياسية والعجز عن انضاج طبخة رئاسية من شأنها ان تنهي الشغور الرئاسي الفارض نفسه عنيدا تبدو طويلة، وتبدو مطلوبة للبعض، خصوصا بعد تبديد نذر تقدم ايجابي لاح لبعض الوقت لمصلحة الثنائي وحلفائه تبدى في الاشهر الثلاثة الماضية وتوقع من خلاله الثنائي ترجيح كفة مرشحه الحصري للرئاسة سليمان فرنجيه.
– ان الثنائي استشعر في لحظة معينة وتحديدا عشية جلسة الانتخاب الاخيرة في 14 حزيران الماضي، ان ثمة محاولة جادة للالتفاف عليه وتطويقه خصوصا بعد طرح المرشح جهاد ازعور في المنافسة والمنازلة الرئاسية، علما انه كان هو نفسه اوحى لكثر ومن بينهم الثنائي انه ليس في وارد الدخول الى السباق الرئاسي إن لم يكن مرشح اجماع وتوافق كونه غير مستعد لمنافسة أحد أو تحديه. والمفارقة الاكبر بالنسبة للثنائي والتي أخافته فعلا تتجسد في لعبة تركيب ائتلاف سياسي غير منسجم بغية رفد أزعور بالاصوات المعتبَرة.
– عليه، يعتبر الثنائي انه استدرك الوضع وأمسك بالمبادرة وشرع في هجوم مضاد أفضى برأيه الى ترسيخ معادلة توازن سلبي داخل المجلس أبطلت مفاعيل هجوم الخصوم المنظم.
– ومن علامات ذلك الهجوم المضاد للثنائي مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الاعلان صراحة انه ليس في وارد تحريك ساكن في موضوع الرئاسة مادامت باريس لم تنهِ مبادرتها التي تجلت ذروتها في جولة الاتصالات التي اجراها موفدها جان – إيف لودريان في بيروت.
واكثر من ذلك، وضع بري نفسه في تصرف هذه المبادرة وانه ينتظر عودة لودريان الموعودة بعد ان يستكمل محطاتها الخارجية. وقد بدا الرئيس بري في موضع الواثق من ان تلك المبادرة ستنتهي الى طاولة حوار وطني تصب في خانة دعوته المبكرة لهذه الطاولة والتي لم تجد التجاوب المطلوب. واللافت ان بري تحدث في لقائه الاخير مع وفد نقابة المحررين وكأنه يرى طاولة الحوار منصوبة راي العين.
– ومن الاشارات الدالة على اعتبار الثنائي ان هجومه المضاد ناجح ان ركنه الثاني “حزب الله” بات يعتقد انه “ادى ما عليه في هذا الهجوم عندما نجح اخيرا بتوجيه ضربة ناعمة ومباغتة للتحالف الداعم لأزعور”، عندما خرج رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل ليكشف بلسان صريح عن اعادة بعث الروح في تفاهم “التيار البرتقالي” والحزب وعودتهما الى حظيرة التواصل والتحاور بعد أشهر من القطيعة والعداوة.
وبصرف النظر عن النتائج المرتقبة لهذا التطور وحجم المراهنة على ما يمكن ان ينتج عنه، واستطرادا مَن أجبر الثاني على النزول عند رغبات الآخر وشروطه، إلا ان الحزب يتصرف ضمناً على اساس انه حقق انجازا في هذه اللحظة من شأنه ان يعيد خلط كل الاوراق والحسابات السياسية وفي مقدمها ورقة الاستحقاق الرئاسي.
– وعلى الحدود الجنوبية، كان الحزب يسعى خلال الشهرين الماضيين الى مراكمة مجموعة معطيات ووقائع متفرقة تشي بأمر اساسي، منها ان اليد الاسرائيلية مغلولة من جهة وان الحزب قادر على ممارسة ضغوط معاكسة للضغوط التي تمارس عليه من خلال احداث حدودية تضع المنطقة برمتها على حافة الهاوية.
وهكذا تصرّف الثنائي الشيعي وخصوصا “حزب الله” في الايام القليلة الماضية على اساس انه أمّن لنفسه “تحصينات” تعصمه من اي مفاجآت يحتمل ان تأتيه من الداخل او من الخارج على حد سواء. وبناء على هذه الثقة الزائدة بالنفس بعث الثنائي في الايام الأخيرة برسائل الى مروحة الخصوم اذ اطلق الرئيس بري اشارات توحي انه ليس في وضع المكبل والعاجز عن الفعل والمبادرة من جهة، وانه ليس في وارد التخلي عن ثابتين عنده هما دعم مرشحه للرئاسة الاولى فرنجيه، واقامة طاولة الحوار الوطني في مجلس النواب، معتبرا ان ساعتها آتية ولاريب.
اما “حزب الله” فقد بدا ان قيادييه الاربعة الرئيسيين وهم امينه العام السيد حسن نصرالله ونائبه الشيخ نعيم قاسم ورئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين ورئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد، قد اعتمدوا اخيرا خطابا شبه موحد يقوم على الاسس الآتية:
– اطلاق “فلسفة” متكاملة تبرر اختيار الحزب لمرشح بعينه والتصميم عليه دون سواه هو فرنجية، وتقوم على اساس الثقة بالشخص الذي لا يمكن ان يطعن ولا ان يغدر من خلال النموذجين السابقين الرئيسين اميل لحود وميشال عون، ولا بد ان يستكمل بمرشح مثل فرنجيه الموثوق به.
– ان “نفَس الحزب وصبره طويل” وانه ليس من النوع الذي يتسلل اليأس والقنوط الى نفسه، والتجارب دليل واضح.
– ان المستجد في خطاب الحزب هو الافصاح عن رغبته في مغادرة الدعوة الى الحوار، اي اللازمة التي التصقت بخطابه منذ البداية، بعدما صارت مملّة وتقابل برفض المدعوين الى هذا الحوار.
– في الحسابات التي بدأ الحزب يسمح باطلاقها عبر الاعلاميين الذين اعتادوا النطق بلسانه والكشف عن بواطنه يتجلى ان امكان وصول فرنجيه الى قصر بعبدا بعد جولة الانتخاب الاخيرة، صار مضمونا اكثر والعين في هذا الاطار تتركز على كتلتين نيابيتين من شأن اصواتهما ان ترجح الكفة في لحظة معينة.
وفي كل هذه الرؤية فان الحزب يحاذر أمورا وألاعيب يفكر بعض من في الداخل في لعبها بالتعاون مع جهات خارجية من خلال الدفع باتجاه مزيد من الانهيار المالي والنقدي على شاكلة ما حصل خلال الساعات الماضية ليكون ذلك تمهيدا لمرشح دون غيره. ومع كل ذلك فان الحزب يراها تجربة عديمة النفع، خصوصا ان ثمة مَن جرّبها.