جمال خليل-
لفت وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى الى ان مدينة صور علّمتنا جميعاً أنّ ثمّة إنتصاراً آخر لا يقلّ أهميةً هو الانتصار على كلِّ عوامل التفرقةِ والانقسام في مجتمعٍ متمايزٍ متعدد متنوّع. فكانت وما زالت المثالَ الصالح والأنموذجَ الحيَّ والصورةَ البهيَّةَ عن الوطنيّةِ الحقة، وعن التنوع ضمن الوحدة، وعن ثقافة التمسّك بالآخر والحرص عليه والفرح به. هذا المجتمعُ الصوري ، بل هذا المصهرُ الإنسانيُّ يشكَّلُ النقيضَ الواضح للمفاهيم التي قام عليها الكيانُ المغتصب ويفضح بشاعته ويسقطه أخلاقياً. فنحن المسلمين والمسيحيين، بمقدار ما نثبتُ في عيشِنا وأرضنا وحقوقِنا معًا، ننتصر على كل المكائد ونسقط مشاريع أعداءَ الإنسانية ونغلبهم هم وسائر أعدائنا المنظورين وغيرَ المنظورين .”
كلام الوزير المرتضى جاء حفل افتتاح مركز صور للتراث الثقافي الذي تم تجهيزه بهبة من القطاع الغربي لقوات اليونيفيل وذلك في موقع البص الأثري – صور بحضور حشد من الشخصيات السياسية والثقافية والتربوية تقدمهم قيادات عسكرية لبنانية وايطالية ، رئيس اتحاد بلديات قضاء صور حسن دبوق ورؤساء مجالس بلدية واختيارية ، عضو قيادة اقليم جبل عامل في حركة امل علوان شرف الدين، ممثل سفير السلام لدى الامم المتحدة داني الاشقر رئيس جمعية الاكاديميين خليل الاشقر ، مدير جامعة المدينة في صور الدكتور مصطفى الكردي ومدير العلاقات العامة في الجامعة المربي نبيل بواب وقيادات من حركة امل وحشد من الحضور٠
بعد نشيد الامم المتحدة والنشيدين اللبناني والايطالي عرف مدير موقع صور الاثري علي بدوي عن المركز واهميته والقى رئيس اتحاد بلديات صور حسن دبوق كلمة رحب في مستهلها بالحضور والوزير مرتضى ، مشيراً الى ان هذا الموقع يتميز بثمة ثقافية كبيرة والعلم والمعرفة كما انه معبر حضارات مرت عبر التاريخ على بلدنا لبنان ، منوهاً بعمق العلاقة التاريخية التي تربط بين لبنان وايطاليا والتي تجزرت اكثر من خلال الوحدة الايطالية التي نرى بصماتها في العديد من المشاريع الثقافية وغيرها
وتحدث قائد القطاع الغربي في اليونيفيل الجنرال روبرتو فورغوري حيث اكد التزام ايطاليا بحفظ السلام عبر اليونيفيل والتزام الاستقرار والامن في جنوب لبنان عبر التعاون الوثيق والعمل يومياً جنباً الى جنب مع الجيش اللبناني اضافة الى دعم المشاريع الخدماتية لفائدة السكان المحليين
ومما جاء في كلمة الوزير المرتضى:”السلام على صور التي يرقى عُمرانُها البشري إلى ثلاثة آلافِ عامٍ قبل الميلاد،
السلام عليها وهي التي أهْدَتِ العالم الأبجدية وشظفَ المراكبِ ورفاهيةَ الأرجوان،
السلام على صور التي زارَها السيّدُ المسيحُ وشفى إبنة المرأةَ الكَنعانيَّةَ عند تخومِها،
السلام على صور التي امتلأ فضاءُ صَخْرِها وملحِها بميراث الحضارات المتعاقبة منذ فينيقيا حتى بيزنطية،
السلام على صور التي تعطَّرَ ليمونُها بهتافِ “الله أكبر” يصدح من مآذنِها: وبأصداء أجراسِ الآحادِ والأعياد،
السلام على صور التي اغتسلت دروبُها بطهارة خُطى إمامِها الحاضرِ دائمًا السيد موسى الصدر،
السلام على صور أحمد قصير الذي بلحمه ودمه وروحٍ حسينية أسس لفجر الإنتصار والتحرير والحريّة فأشعل شمساً ما برحت تزداد توقّداً حرّرت الجنوب وما برحت تَعِدُ بالانتصار جَنوبَ الجنوب… من بعد الناقورةِ حتى رفح.
السلام على صور التي لم تختصر الإنتصار بدحرِ الاحتلال الإسرائيلي وإرساءِ معادلة النارِ بالنار لحماية لبنان وشعبه وثرواته… فصور علّمتنا جميعاً أنّ ثمّة إنتصاراً آخر لا يقلّ أهميةً هو الانتصار على كلِّ عوامل التفرقةِ والانقسام في مجتمعٍ متمايزٍ متعدد متنوّع. فكانت وما زالت المثالَ الصالح والأنموذجَ الحيَّ والصورةَ البهيَّةَ عن الوطنيّةِ الحقة، وعن التنوع ضمن الوحدة، وعن ثقافة التمسّك بالآخر والحرص عليه والفرح به. هذا المجتمعُ الصوري ، بل هذا المصهرُ الإنسانيُّ يشكَّلُ النقيضَ الواضح للمفاهيم التي قام عليها الكيانُ المغتصب ويفضح بشاعته ويسقطه أخلاقياً. فنحن المسلمين والمسيحيين، بمقدار ما نثبتُ في عيشِنا وأرضنا وحقوقِنا معًا، ننتصر على كل المكائد ونسقط مشاريع أعداءَ الإنسانية ونغلبهم هم وسائر أعدائنا المنظورين وغيرَ المنظورين .
السلام على صور الذي وأنت فيها ترى المواطنين متساوين وتلمس تعاظم المشتركات التي توحدهم وتزداد يقيناً بأنّه ليس أفضَلَ من نَموذَجِ صور يعكِسُ حوارَ الثَقافاتِ وتنوّعَها،
مصيبة لبنان الكبرى ونقمته أيها الأحبّة ليست في حالة التنوّع القائمة فيه… التنوّع نعمةٌ…مصيبة وطننا ونقمته تتمثّل في ذلك الكيان الشيطاني الذي زرعته يد الشرّ الى الجنوب من حدودنا ليعيث فساداً في منطقتنا ويبثّ الفتن بين مكوّناتنا…. مشكِلَتنا الأخرى أيها الأحبَّة أننا من حيث لا ندري وبعضنا من حيث يدري ننفّذ مشروع اسرائيل الذي يريد أن يزرع في نفوس اللبنانيين قناعةً مفادها أنّ تجربة لبنان العيش الواحد بين المسلمين والمسيحيين مشروع فاشل وأن ليس ثمّة ما يجمع بين المسلمين والمسيحيين وأن على المسيحيين أن يختاورا أما الإنعزال والتقوقع والتقسيم أو الهجرة وترك الكيان.
لهذا السبب نأتي اليوم الى صور، نأتي اليها لننهل من ثقافة عيش المعيّة التي تسمو على كلّ ثقافة…. صور عانَت واستَعانَت. عانَت مِن الإحتلالِ الإسرائيلي واستَعانَت بالله ورِجالِ الله لِدحرِه. هذه ال “صور” التي تتداخَلُ في أزقّتِها التراتيلُ والأدعيَةُ، الأجراسُ والمآذِنُ، القساوِسَةُ والأئِمَةُ في تحفَةٍ مِن تُحَفِ العَيشِ مَعاً التي مارسَهَا قَولًا وفِعلًا إمامُ الإنفِتاحِ وعيش المعيّة سَماحةُ الإمامِ المغيّبِ مَوسى الصّدر الذي ومن صور تحديداً واجَه الحربَ بالمحبَّة والفِتنَةَ بالتآخي والطائفيَّةَ بالوطنيَّة.
أيّها الاحبة أن أكثر ما يحتاجه لبنان في هذه المرحلة رئيسٌ صادقٌ أمين يبثُّ روح صور في نفوس جميع اللبنانيين، يأتي ليتعاون مع الشرفاء الوطنيين لوأد مكائد التقسيم، واضحٌ في قناعاته ومؤمنٌ بأن وطننا وعيش المعيّة صنوان وأنّ زوال عيش المعيّة يُفضي الى زوال لبنان، رئيسٌ يتصدّى الى المساعي الخبيثة الرامية الى تثبيت النزوح السوري في لبنان المتزامنة مع الضخّ الاعلامي الذي يعمل على تيئيس المسيحيين من الصيغة اللبنانية ويحضّهم على الهجرة افراغاً للكيان من مكوّنه العزيز، رئيسٌ يقولها واضحةً صريحةً لا لجلجة فيها: اسرائيل هي عدوي وعدو المسيحيين وعدو كل اللبنانيين، والمقاومة حصنهم ودرعهم الواقي ووسيلة التحرير واداة الردع في وجه آلة الاحتلا والقتل والتشريد والتدمير،
أيّها الأحبّة،
نريد لهذا المركز الثقافي وكلّ مركزٍ ثقافي أن يكون منبراً لصناعة الرأي العام الواعي المصوِّبِ للبوصلَة الوطنيَّة، أن يكون منارةً للمعرفة التي تَبني. التي تبثّ الوعي. الوعي الذي يُرسّخ أنَّ التنوّعَ ليسَ تنابُذًا بَل لُبنَةً لإبقاءِ بلدِنا رسالَةً يتعلَّم مِنها العالَمُ كيفَ تَبني التعدّديَةُ نِظامًا تَشاركيًّا. البعضُ يسوّق مَفهومًا تَدميريًّا للثقافَة عَلى خلفيَّة أننا مُختَلِفون وأنَّ تَجاوُرَنا لا يُفضي إلى تَحاوُرِنا وهذه خَطيئَة مميتَة. ويذهَبُ هذا البَعض إلى الترويجِ إلى الفدرَلَةِ التي هي مقدِّمَةٌ للتقسيم على الخلفيَّةِ نفسِها في محاوَلَةٍ لِتدميرِ النّظام والكِيانِ والدولَة والمجتَمَع مَعًا.
لا تصدّقوهُم يا إخوَتي وتعلَّقوا بالتآخي لأنه العامود الأساس في صِيانَة النظام اللبناني القائِم على الديمقراطيَّة التوافقيَّة وعلى الميثاقيَّة وأيُّ خروجٍ عَن هاتَين الصيغَتَينِ المؤسِّسَتَين لنِظامِنا السياسي سيطيحُ بالنّظامِ والكِيانِ مَعًا.
لَقَد صَمَدَت صور وواجَهت الأعاصيرَ والإحتلالاتِ والفِتَنَ والإغتيالاتِ حاولوا أن تعبرَ الفَوضى من صور فعبَرَ الإستِقرار منها بِفَضلِكُم. هذه الإنجازاتُ أنتم صُنّاعُها لأنّهُ مِن يتشبَّثُ بالأرض يَستَحِقُّها وأنتم تشبثتُم بأرضِكُم، أرجُلُكُم مَزروعَةٌ في التراب وأيديكُم مُبتَهِلَةٌ إلى السَّماء. وتذكَّروا كلَّ صَباحٍ أنَّ المسيحَ مرَّ مِن هنا والإسراءُ والمِعراجُ مَرّا مِن هُنا وأنَّ مَدينَةً شَهِدَت هذا الكَمَّ مِن رِعايَةِ الله ستعيشُ مئآتِ السنين بَعدُ وستلهم كلّ اللبنانيين بِرعايَةِ الله والمؤمَنينَ بِه مسيحيين ومسلمِين.
ليسَت مُهِمة يثّ الوعي سهلةً ولَكِننا وكما قال الامام عليه السلام لن نستَوحِشَ طَريقَ الحَقِّ لِقلّةِ سالِكيه ولن نجعل مكائد أعداء الإنسانية تعثرنا على ما قال السيّد المسيحَ عندما قال ” أهذا يُعثِرُكُم؟!
لن تعثَر صور وأهلها ولن تتعثّر وستستمر في جعل اللبنانيين الصادقين يغرفون الوعي من لدنها. والأهم الأهمّ. ستبقى صور النموذج البهيّ عن لبنان الحَقيقي لأنَّ لبنان صور أجمَلُ مِن لبنانات مَدارِسِ البَغضاء والأحقادِ والعمالة والشرذمة والفرقة والمَغانِم.
مبارك هذا المركز
بوركت صور وأهلها ودامت مدينةً للصمود والكرامة وعيش المعيّة
عشتم وعاش لبنان