المحامي د. ابراهيم العرب – اللواء
إنّ تداعيات انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مخيفة، إن لجهة فلتان سعر صرف الدولار في السوق الموازية أو لجهة عودة المضاربة عليه، لا سيما بعدما ارتفع ظهر السبت الماضي سعر صرف الدولار بشكل مفاجئ، ووصل إلى حدود المئة ألف ليرة لبنانية. والأنكى من ذلك، أنّ الأمر سوف ينعكس سلباً على كل القطاعات، الغذائية والسياحية والخدماتية والتجارية، وفقاً لما صرّح به رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، مما يرهق المواطن اللبناني ويجعل مصيره مجهولاً، وبيد كبار التجّار والمحتكرين والمضاربين. في حين أنّ الحاكم سلامة قد تمكّن بفضل خبرته التي استمرّت ثلاثين سنة في حاكمية مصرف لبنان، أنّ يضبط سعر صرف الدولار من خلال منصة صيرفة، التي يريد البعض إلغائها، كما استطاع أن يمنع التضخم في الكتلة النقدية اللبنانية، الأمر الذي أبقى سعر صرف الدولار منذ أكثر من أربعة أشهر في حدود الـ 92 ألف ليرة. وبالتالي، هل سيتحمّل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المسؤولية عن تداعيات انهيار قيمة العملة اللبنانية بعد 31 تموز المقبل، في حال لم يقم بالتمديد لسلامة بانتظار تعيين حاكم مصرف جديد، كما حدث في 4 أيلول 1984 عندما أصدرت حكومة الرئيس رشيد كرامي في عهد الرئيس أمين الجميّل القرار الرقم 3 بناءً على اقتراح وزير المال الرئيس كميل شمعون وموافقة كرامي، وقضت بالطلب إلى حاكم مصرف لبنان ميشال الخوري متابعة ممارسة مهماته إلى أن يتم تعيين حاكم جديد. لا سيما أنّ ولاية ميشال الخوري كانت قد انقضت وتعذّر الاتفاق على خلفه، مما دفعه للاستمرار في منصبه طوال أربعة أشهر إضافية، إلى أن عيّن مجلس الوزراء في 15 كانون الثاني 1985 الدكتور إدمون نعيم خلفاً له بالمرسوم الرقم 2189.
وإذا كان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي كان قد أعلن أنه لن يعيّن حاكم مصرف لبنان جديد ولن يمدّد للحاكم سلامة، فإنه يتحمّل مسؤولية الكوارث التي ستصيبنا بعد انتهاء ولاية سلامة، لا سيما أنّ معهد التمويل الدولي في دراسته الأخيرة قد أشار في تقرير «مخاطر غرق التيتانيك» كما سمّاها، إلى احتمال كبير لوصول سعر صرف الدولار الواحد إلى 1,6 مليون ليرة في الأعوام الثلاث المقبلة، خصوصاً بالحال التي لا يلتزم بها لبنان بالإصلاحات. واللافت أن دراسات هذا المعهد الدولي الخاصة بلبنان دقيقة جداً، وسبق لها أن تنبأت منذ بضعة سنوات لوصول سعر صرف الدولار إلى مئة وعشرة آلاف ليرة لبنانية، وهذا ما حصل فعلاً. وبالتالي، فعلى دولتنا المصونة أن تسارع لتدارك المخاطر الاقتصادية المقبلة، والتي قد تؤدي إلى كوارث اجتماعية، فماذا سيصبح ثمن ربطة الخبز في حال تفلّت سعر صرف الدولار؟ وهل سيكون بمقدور اللبناني دفع فاتورة مولّد الكهرباء، أم ستعمّ العتمة في أرجاء المعمورة؟ وهل سيتمكن مريض السرطان والسكري والضغط من شراء الدواء له ولعائلته؟ وماذا سيصبح ثمن حليب الأطفال أو سعر المحروقات؟ وهل سيتمكّن المواطن المسكين من تعليم أبنائه في المدارس والجامعات؟ أو دفع بدلات إيجار منزله، خصوصاً في ظل تحرّر الإيجارات القديمة، وخروج مئات الآلاف من السكان من مساكنها في الأعوام القادمة؛ وفي ظل دقّ منظمة الأسكوا ناقوس الخطر وتحدّثها عن أكثر من 82% من الفقر على مستوى الأبعاد الثلاثة الاقتصادية، محذّرةً من قفزات جنونية للدولار وثورة اجتماعية في الشارع اللبناني مجدداً في المرحلة المقبلة؛ وفي ظل حكومة تصريف أعمال تتصرّف بالحد الأدنى، وفراغ وشغور رئاسي، ومجلس يُشرّع في الحالات الضرورية فقط، ودولة مجمّدة وغير منتجة. الأمر الذي يدفعنا للتساؤل: ماذا ستفعل حكومة ميقاتي في الأيام المقبلة؟ وهل سيتحمّل كل من وقف بوجه التمديد لسلامة المسؤولية عن مصير وطننا الاقتصادي، وتداعياته الاجتماعية، أم أنهم سيتنصلون منها كما تنصلوا من مسؤولية التخلّف عن سداد ديون لبنان من السندات الأجنبية المستحقة، والكوارث المالية التي حلّت بنا؟ سؤالان برسم الإجابة.