الكاتب: سلوى بعلبكي – النهار
في لبنان، كل مَن شاء، يمكنه أن يقول ما يشاء، مفيدا كان للإقتصاد، أم مضرا، مسببا لمزيد من الإنهيار، أم مساعدا على الاستقرار. فـ “التويتر” وأترابه من وسائل التواصل الاجتماعي، مفتوحة الهواء 24/24، وحاضرة “ناضرة” لنشر كل ما يُكتب، صحيحا كان وموثّق المصدر، أم يعتريه الخطأ ومجهول الأب.
وفيما البلاد في حال ترقب وخوف وانتظار مرير لما يمكن أن يحصل، عند انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، في آخر تموز الجاري، نرى بعض مَن يُفترض بهم تبريد الأجواء، وتخفيف منسوب الإرتباك لدى المواطنين، يساعدون عن قصد أو عن حماسة اعتراضية غير مبررة، في تعميق مشاعر الخوف، وإشاعة أجواء سلبية، لا تخدم الاستقرار المنشود بقوة، أقله في هذه المرحلة الاقتصادية والنقدية العصيبة، والفراغ الذي يشل إدارة الدولة.
المؤسف في هذا التوقيت تحديدا، ذي الحساسية والتأثير الكبيرين على وضع الليرة واستقرار سعر صرفها، تورط مسؤولين ماليين، ومحللين إقتصاديين، في هذه العجالة، واسترسالهم في إطلاق التهم، ونشر الأرقام، وتحليل الميزانيات، من دون العودة الى القواعد العلمية، والمصادر الجدية التي يجب استقاء الأرقام والمعلومات منها وحدها فقط.
المؤسف أيضا ما نقله الإعلام خلال الأسبوعين الأخيرين من تصاريح وتسريبات لبعض نواب الحاكم، وحدود الدور المنوي أن يلعبوه في إدارة منصة صيرفة، واحتياطات مصرف لبنان بالعملات الصعبة، إذ أضافت تلك التصريحات مسحة تشاؤم على مستقبل الليرة، وديمومة الاستقرار النسبي الذي تنعم به منذ أشهر ثلاثة خلت.
في الأيام الاخيرة، تداول خبراء اقتصاد ومحللون ارقاما تفيد بأن مصرف لبنان يقوم بطبع كميات كبيرة من العملة الوطنية مستندين بذلك الى ارقام مصرف لبنان وتحديدا ما يُعرف بالـ M1 على اساس أنها تعبّر عن كميات النقد بالتداول التي ارتفعت برأيهم الى 135 الف مليار ليرة “نتيجة طباعة مصرف لبنان كمية كبيرة من الليرات”، وتحديدا في الأسابيع الماضية بطباعته أكثر من 23 ألف مليار ليرة، علما أن النقد بالتداول (كاش) يدرج تحت بند M0 في الموازنة الشهرية لمصرف لبنان، وهو حاليا دون الـ 80 تريليون ليرة.
هؤلاء اعتبروا أن جزءا من هذه الليرات سيُستخدم لطلب الدولارات، بما يعني أنه كلما زاد الطلب ارتفع تلقائيا سعر صرف الدولار. وكان سبق لبعض المحللين أن أكدوا ارتفاع النقد بالتداول الى 135 الف مليار ليرة نتيجة طباعة مصرف لبنان كمية كبيرة من الليرات، مشيرين الى ان “المصرف المركزي طبع كمّية جنونية من العملة، وهذا خطأ نقدي وخطير جدا لاستقرار سعر الصرف، بما سيتسبب بانفلات الدولار من عقاله”، متوقعين تدهور سعر صرف الليرة على نحو دراماتيكي.
مصادر مصرف لبنان أكدت أن الارقام المتداولة غير دقيقة بتاتا، ولا تمثل النقد بالتداول، بل هي عبارة عن مجموع النقد بالتداول والودائع المصرفية بالعملة اللبنانية(M1) ، علما أن هذه الودائع ارتفعت أخيرا نتيجة الزيادة في الايداعات على منصة صيرفة، الامر الذي يبرر ارتفاع الرقم أخيرا. وما يبرر الزيادة ايضا في M1 هو انطلاق العمل بالتعميم 165، الخاص بالتحاويل والشيكات “الفريش”، حيث بادر الكثير من التجار الى ايداع ودائع جديدة بالعملة اللبنانية في حساباتهم “الفريش” لتسديد ضرائب نقدية للخزينة ولاعمال تجارية اخرى. وأوضحت ان “المؤشر الدقيق للنقد بالتداول هو ما يظهر في الموازنة النصف شهرية لمصرف لبنان والتي اظهرت انخفاضا في النقد بالتداول”. اما بالنسبة لطباعة النقد، فقد أشار مصرف لبنان الى ان لا طباعة جديدة للعملة اللبنانية تمت أخيرا.
وفق الميزانية النصف شهرية التي يصدرها مصرف لبنان، فقد ارتفع الاحتياط الصافي من العملات الاجنبية في مصرف لبنان (من دون احتساب الذهب) نحو 100 مليون دولار في النصف الاول من تموز، مسجلا نحو 9.4 مليارات دولار. في المقابل انخفض النقد بالتداول نحو الفي مليار ليرة ليبلغ 79 الف مليار ليرة لبنانية في النصف الاول من تموز.
ماذا يعني ذلك؟ وفق مصادر متابعة، “ان الاجراءات والتدابير التي اتخذها مصرف لبنان فعلت فعلها في المحافظة على الاستقرار في سعر الصرف من دون المسّ بالاحتياط من العملات الاجنبية، حتى أن الاحتياط ارتفع بنحو 100 مليون دولار اميركي في اسبوعين، وترافق ذلك مع انخفاض النقد بالتداول الفي مليار ليرة وهو دليل ايجابي ايضا”. وبرأي المصادر أنه “على رغم الانتقادات، تظهر الارقام وعلى عكس ما يدلي به بعض المحللين وأحد نواب الحاكم، ان مصرف لبنان وحاكمه تمكن من تمويل منصة صيرفة من دون المسّ بما يسمى الاحتياط الالزامي، وتمكن اضافة الى ذلك، من تأمين نفقات الدولة “الاساسية” بالدولار الفريش لا سيما رواتب القطاع العام البالغة نحو 80 مليون دولار شهريا، و35 مليون دولار لدعم الادوية شهريا ونحو 20 مليون دولار ايفاء لقروض للبنك الدولي وغيره مستحقة على الدولة كمعدل شهري، اضافة الى تأمين 200 دولار اميركي شهريا لكل مودع يستفيد من التعميم 158 وعددهم حاليا لا يقل عن 100 الف مودع. كذلك ارتفعت قيمة الذهب نحو 230 مليون دولار، لتصبح 18 مليار دولار في النصف الاول من تموز”.