فرح نصور – النهار
يعتزم مصرف لبنان إنهاء العمل بمنصة “صيرفة” تدريجاً بعد نهاية فترة حاكم مصرف لبنان، التي تنتهي في 31 تموز الجاري. وفي إطار المفاوضات التي يجريها لبنان مع صندوق النقد الدولي، ذُكرت الحاجة إلى تحييد منصة “صيرفة” لافتقارها إلى الشفافية والحوكمة. وستُستبدل “صيرفة” بمنصة إلكترونية بالتعاون مع “رويترز” و”بلومبيرغ” لتحديد أسعار الصرف.
لكن ما يهم المواطن في هذا الإطار هو سعر الصرف وانعكاسه على مصاريفه اليومية بعد أن صارت كافة الفواتير المتعلقة بالقطاع العام والدولة تصدر على سعر “صيرفة”، وستصبح الآن على سعر المنصة الجديدة حيث لن يتدخّل المركزي بدعم دولاراتها.
“سعر صرف الليرة سيزداد انهياراً عاجلاً أو آجلاً، وسنشهد ارتفاعاً كبيراً في سعر الدولار”، هذا ما يؤكّده رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق، الدكتور باتريك مارديني في حديثه لـ”النهار”.
ويرى مارديني أنّ “من المحتمَل أن يُعمل على توقيت إلغاء “صيرفة” بالتوازي مع تفاقم انهيار سعر صرف الليرة”، لكن هذا التزامن لا يعني السببية. بما معناه أنّ سعر صرف الليرة لن ينهار لأنّه سيتم إلغاء “صيرفة”، بل بسبب طبع الليرة الكثيف. فحجم الكتلة النقدية بالليرة قفز من 80 إلى حوالي 135 تريليون ليرة،
وبسبب فاتورة الطباعة هذه، لن يتمكّن مصرف لبنان من خسارة المزيد من الدولارات، لذلك سيضطر إلى التضحية بسعر الصرف.
ويجدر التمييز بين هدفين لمنصة “صيرفة”. الأول هو تحديد سعر صرف مرجعي على أساسه تُحدّد الفواتير العامة كافة إلى جانب الرواتب والأجور. أمّا الهدف الثاني فهو السماح للمصرف المركزي بالتدخل في سوق القطع من أجل تثبيت سعر الصرف. لكن اليوم، وفق مارديني، لا يمكن إلغاء “صيرفة” بهدف تحديد سعر صرف مرجعي، دون تأمين البديل.
وفيما يُتحدث عن المنصة الإلكترونية الجديدة، يجب إطلاقها بالتزامن مع إلغاء “صيرفة” للتمكّن من فوترة جميع النفقات والإيرادات. ولا يجب فقط استبدال “صيرفة” بمنصة إلكترونية أخرى، بل توسيع نطاق عمليات التداول لتعكس حقيقة السوق.
ولهذه الغاية، يجب أن تُسجَّل عليها جميع العمليات، وهذا الأمر لن يتم إلّا عبر المصارف. ولتتمكّن المصارف من شراء وبيع الدولار، يجب أن يُسمح لها ببيع وشراء الدولار على سعر السوق أي التداول بسعر صرف السوق السوداء (المنصة الجديدة) وهو السعر الجديد للدولار، فسعر 15000 ليرة هو سعر وضع للدولار القديم لتطبيق الكابيتال كونترول على الدولار القديم في المصارف. لذلك، إذا استطاعت المصارف تنفيذ هذه الخطوة، يمكن الحديث عن منصة تعكس حقيقة السوق، و”هنا يكون لبنان قد انتقل من نظام سعر صرف ثابت إلى نظام سعر صرف عائم”، بحسب مارديني.
وبينما كل أسعار الصرف والإيرادات والنفقات كانت على “صيرفة”، يمكن اعتبار أنّ “صيرفة” هي التي كانت سعر الصرف الرسمي. والاتجاه العام في موازنة 2023 هو اعتماد سعر “صيرفة” كسعر صرف رسمي. وإذا ما اعتمدنا منصة جديدة، ننتقل من “صيرفة” إلى المنصة الجديدة، وسيُعتمد سعرها كسعر رسمي متداوَل للإيرادات والنفقات ورواتب القطاع العام، بسعر عائم غير ثابت.
في حديثه لـ”النهار”، يورد عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي عدنان رمال أنّه بمجرد إلغاء “صيرفة” ستشهد القطاعات كافة مشكلة كبرى أولها سعر صرف الدولار، في حال إنشاء منصة تداول إلكترونية ولم تكن قد أمّنت الدولارات المطلوبة يومياً. بالتالي سيصبح سعر الصرف متحركاً كل ساعة وليس كل يوم، ما سيعيد الأسواق إلى الفترات المتقلّبة السابقة.
ومن خلال “صيرفة” استطاع المركزي تأمين الدولارات وتوفير استقرار سعر الصرف، وأمّن ثبات قطاعات كبيرة ومن هذا الثبات استطاع تأمين رواتب موظفي القطاع العام والخاص الذين يتقاضون رواتب بالليرة، وإن كان استقراراً مصطنعاً ومدعوماً لكنّه أمّن ثباتاً للأسواق والقطاعات وإن كان جزئياً أو موقتاً.
وفي ما يتعلّق يالاستيراد، برأيي رمال، ستحدّد الجمارك سعر الصرف بشكل يومي أو أسبوعي للرسوم الجمركية، ما سيغيّر من أسعار السلع بالليرة.
وقد يكون سعر الصرف الجديد ثابتاً لأشهر، لكن بالطريقة التي سيطلقون بها المنصة الجديدة، لن يكون هناك سعر ثابت وواحد، وهنا سنواجه أولاً أزمة رواتب في القطاع العام، إذ ستُصرف على سعر السوق السوداء وقيمتها لن تكون ثابتة.
وبحسب رمال، دعم الدولارات على “صيرفة” هو أوفر على الخزينة من أن يكون سعر الدولار عائماً. فالقطاع الخاص يقع ضحيّة القرارات العشوائية وتخبّط السياسات غير الواضحة، وهو الذي عانى منذ بداية الأزمة لكنّه صحّح نفسه بنفسه بمبادراته الفردية، ولو جزئياً، وهو اليوم ينمو ببطء.
من جهتها، ترى الخبيرة الاقتصادية الدكتورة ليال منصور في حديثها لـ”النهار”، أنّ تداعيات إلغاء “صيرفة” الآن أقلّ بكثير من إلغائها سابقاً لأنّ فارق السعر حالياً بينها وبين سعر الدولار في السوق السوداء ليس كبيراً، إضافة إلى أنّ الاقتصاد بنسبة 90 في المئة منه، مدولر. لكن مع إلغاء “صيرفة” سيزيد الطلب على الدولار في السوق السوداء، ما سيؤدي إلى ارتفاع طبيعي لكن بسيط في سعر الدولار. لذلك، برأي منصور، جميع الفواتير من كهرباء واتصالات وسواها ستكون على سعر دولار السوق السوداء. ولن تكون المنصة الجديدة سوى مرآة للتداول الشفاف في السوق السوداء.
أمّا عن أسعار السلع، فترى منصور أنّها “سترتفع بالليرة طبعاً مع ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، ولا سيما مع غياب تدخّل المركزي مع إلغاء “صيرفة” سيظهر سعر الدولار الحقيقي في السوق السوداء”.