طارق ترشيشي – الجمهورية
ما أن انتهى اجتماع الدوحة الخماسي الاثنين الفائت بفشل أركانه الخمسة في التوصل الى مقاربة موحّدة للاستحقاق الرئاسي اللبناني، حتى سارع الفريق المعارض لترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية إلى تسويق معلومات مفادها انّ المبادرة الفرنسية القائمة على معادلة فرنجية رئيساً للجمهورية ونواف سلام أو الرئيس تمام سلام رئيساً للحكومة، قد انتهت وانّ البحث يتجّه الى استنباط مبادرة جديدة.
وقد تسلّح المعارضون لتسويق «النهاية» المزعومة للمبادرة الفرنسية بما احتواه البيان الختامي للاجتماع الخماسي من دعوة الى «القيادة اللبنانية» للإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية مشفوعة بتلويح باتخاذ «إجراءات» ضدّ كل من يعرقلون إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري، فيما اهمل البيان موضوع الحوار الذي يعمل الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان على ترتيبه لينعقد في مقرّ مجلس النواب او في «قصر الصنوبر» حيث مقر السفارة الفرنسية في بيروت. وقد ذهب بعض المسوقين الى حدّ استبعاد زيارة لودريان للبنان المقرّرة في 24 من الجاري، لاعتقادهم انّ اجتماع الدوحة «أسقط» المبادرة الفرنسية نهائياً وألغى التفويض الاميركي لباريس بالسعي مع الرياض والقاهرة والدوحة ومع الأفرقاء اللبنانيين، لإيجاد حل للأزمة الرئاسية مقدّمة لحل شامل للأزمة اللبنانية يضطلع بها رئيس الجمهورية المنتخب بالتعاون مع الحكومة التي تنطلق في بداية ولايته.
اول استنتاج خرج به الذين تتبعوا وقائع اجتماع الدوحة ونتائجه كان انّ المجموعة الخماسية التي كانت متفقة من حيث المبدأ على المبادرة الفرنسية ومندرجاتها قد انقسمت على نفسها، بدليل انّها ألقت مسؤولية انجاز الاستحقاق الرئاسي وملحقاته السياسية والاصلاحية وغيرهاعلى القيادات اللبنانية، وكأنّها لا تدرك حجم الانقسام العمودي القائم بين هذه القيادات والقوى السياسية حول هذا الاستحقاق، ومعتقدة انّ التلويح باتخاذ «اجراءات» (وربما المقصود عقوبات) ضدّ من سمّتهم «أولئك الذين يعرقلون إحراز تقّدم في هذا المجال» ولم تسمِ اياً منهم بالاسم، يمكن ان «يخيف» هؤلاء وتجعلهم يجزعون ويسهّلون إنجاز هذه العملية الدستورية.
والواقع، يقول قطب سياسي، «انّ احداً لا يمكنه القول إنّ المبادرة الفرنسية انتهت او لم تنتهِ، فلا بيان دول الاجتماع الخماسي تضمّن اي اشارة الى هذا الامر، ولا صدر اي موقف عن الجانب الفرنسي صاحب هذه المبادرة يعلن سقوطها، بدليل انّ لودريان اجرى في الرياض والدوحة قبل الاجتماع الخماسي وبعده، محادثات مع مسؤولين سعوديين وقطريين كباراً، تناولت هذه المبادرة في ضوء نتائج هذا الاجتماع، وما زال ما توصل اليه ملكه ولن يُعرف اي شيء منه إلّا بعد لقائه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وعودته الى بيروت بعد يومين، إن لم يطرأ ما قد يؤخّرها. ولهذا فإنّ كل كلام عن مصير المبادرة الفرنسية من انّها مستمرة او انتهت يبقى مجرّد تكهنات الى ان يقول الجانب الفرنسي كلمته الفصل فيها، وعندها يمكن لأي فريق داخلي او خارجي ان يبني على الشيء مقتضاه».
ويقول هذا القطب، «لنفرض جدلاً انّ الفرنسيين حاولوا حلّ الأزمة عبر مبادرتهم ولكنهم لم يوفقّوا، او انّهم بذلوا جهداً ولم يوفقّوا فيما وقف الآخرون في المنتصف، فمن المعروف انّ الأزمة طويلة وانّ أوان حلّها لم يحن بعد، فكل أوان لا يستحي من أوانه، اما ذهاب البعض الى تسويق ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون كبديل من المبادرة الفرنسية، فهو امر ليس بهذه البساطة، لأنّ دون تسويقه عقبات كثيرة، ولذلك عند كل محطة يقوم البعض بـ»بروباغندا» ولكن في النهاية يدوب الثلج ويبين المرج».
على انّ الثنائي الشيعي وحلفاءه، يضيف القطب، «ما زالوا يدعمون ترشيح فرنجية ولم يغيّروا او يبدّلوا، والامر بالنسبة اليهم هو إن لم يصل إلى رئاسة الجمهورية عبر المبادرة الفرنسية فإنّه يمكن ان يصل عبر غيرها والوسائل في هذا الصدد غير معدومة، خصوصاً انّ دعمهم لترشيحه ليس مبنياً على مواقف شخصية وانما على مسائل وحسابات داخلية وخارجية مرحلية واستراتيجية تتصل بمستقبل لبنان ودوره العربي والدولي».
ولذلك، يؤكّد القطب نفسه، انّ «المسألة طويلة لكن لا يمكن التكهن بموعد لإنجاز الاستحقاق الرئاسي وغيره من الاستحقاقات، سواء عاد الموفد الفرنسي لودريان الى لبنان الآن أم لا. وقد أوحى مضمون البيان الخماسي بما احتواه بأنّ الأزمة طويلة، والأخطر انّه اوحى انّ المجموعة الخماسية منقسمة في الموقف في ما بينها، فكيف لها ان تعالج الانقسام العمودي اللبناني في هذه الحال، لكنها مع ذلك حاولت التعمية على هذا الانقسام بإلقاء المسؤولية على الأفرقاء اللبنانيين عبر قولها انّ اركانها اجتمعوا «لمناقشة الحاجة الملحّة للقيادة اللبنانية للتعجيل في إجراء الانتخابات الرئاسية، وتنفيذ اصلاحات اقتصادية ضرورية من اجل الوفاء بمسؤولياتها تجاه مواطنيها، ويعتمد إنقاذ الاقتصاد وتأمين مستقبل اكثر ازدهاراً للشعب اللبناني على ما ستقوم به القيادة اللبنانية». لكن كان اللافت هنا هو استخدام المجموعة الخماسية مصطلح «القيادة اللبنانية» للمرّة الاولى في هذا الموقف ولم تتحدث عن الأفرقاء او القوى السياسية اللبنانية، ما يطرح علامات استفهام كثيرة عمّا قصدته بهذا المصطلح.
كذلك، يقول احد السياسيين، انّ مضمون البيان الخماسي دلّ في وضوح إلى انّ الأوان الخارجي لحلّ الازمة اللبنانية لم يحن بعد، ربما لأنّ بعض دول المجموعة الخماسية يتريث او ينتظر تطورات او تحقيق انجازات معينة تندرج في إطار تداعيات الاتفاق السعودي ـ الايراني وكذلك تداعيات الانفتاح المتبادل بين السعودية وسوريا، وربما ينتظر هذا البعض ايضاً تداعيات اخرى تتجاوز لبنان والمنطقة الى ما هو اوسع، في ضوء التطورات الدولية المتلاحقة، وذلك قبل إسقاط «الكلمة السحرية» التي تُخرج الحل اللبناني، بدءاً بالاستحقاق الرئاسي، من دائرة التعقيد والانتظار.
الاّ انّ ذلك، لا ينفي وجود عراقيل سياسية داخلية لبنانية كبيرة تعوق إنجاز الاستحقاق الرئاسي، اولاً نتيجة النزاع على النفوذ بين القوى السياسية عموماً ولا سيما منها المسيحية خصوصاً، فضلاً عن وجود «نزاع مالي» إذا جاز التعبير، خصوصاً انّ الحديث عن «شنط» مالية وغيرها يدور في بعض الكواليس، في محاولة لاستخدام المال في معركة الانتخابات الرئاسية لترجح كفّة مرشح على آخر، حتى ولو بلغت كلفة الصوت مليون او مليوني دولار، على ذمّة احد النواب الذي قال انّ بعض هذا المال استُخدم في جلسة 14 حزيران، وكاد ان يحقّق اختراقاً لولا تطيير النصاب في الدورة الثانية من الاقتراع، ما حال دون تسلّم البعض «المعلوم» وفّوت على الراشين فرصة النفاذ بمرشحهم.
على انّ احد السياسيين توقّف عند كلام البعض عن وجوب انضمام ايران الى المجموعة الخماسية لتصبح سداسية، على قاعدة إشراك طهران في الحل اللبناني، ولكن هذا الامر لم يحصل لالتزام الجانب الايراني موجبات الاتفاق السعودي ـ الايراني الذي رعته الصين وألزم الجانبين بعدم التدخّل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، بدليل انّ الموقف المحايد الذي تتخذه الرياض في الشأن اللبناني، حيث اعلنت مراراً انّها لا تدعم اي مرشح ولا تضع «فيتو» على مرشح وانّها تريد للبنانيين ان يتفقوا على رئيس او خوض الانتخابات الرئاسية بمنافسة ديموقراطية. وقيل انّ طهران عندما فوتحت بأمر المشاركة في الخماسية او التدخّل بالشأن الرئاسي اللبناني رفضت التدخّل ونأت بنفسها متخذة الموقف السعودي نفسه.