اشتهر الفن اللبناني منذ عقود، برقي الأغاني والمقطوعات التي يقدمها، حيث كتب عمالقة الفن اللبناني القديم، تاريخاً عريقاً للفن، من حيث الكلمات والألحان، والمقاطع التمثيلية التي تقدم إلى جانب الأغنية، أو ما تعرف في يومنا هذا بـ “الفيديو كليب”.
إلى جانب كبار الفنانين القدامى، قدّم العديد من الفنانين اللبنانيين الحاليين فناً متنوعاً، وبدرجات متفاوتة.
ولكن سوق الأغاني يشهد في يومنا هذا، نوعاً من “الانحراف الاخلاقي”، إلى الحد الذي دفع عدداً من النجوم “الكبار” في لبنان، من أمثال راغب علامة ووليد توفيق وسيرين عبد النور وإليسا، إلى التسويق للإنحراف وتقديمه كـ”مادة فنية” في أغانيهم الجديدة.
اللوحات الراقصة، والمقاطع التمثيلية للأغنية، تبتعد كل البعد عن الفن الراقي!
انتشرت ثقافة “الانحلال الأخلاقي” بشكل كبير تحت شعار “التحرر”، في آخر إصدارات للفنانين المذكورين.
ابتعد وليد توفيق مثلا بأغنيته الجديدة “أصحاب السعادة”، عن “ستايل” الأغاني الذي يقدمه عادة، مركّزاً على وجود عارضات شبه “عاريات” في “فيديو كليب” الأغنية، كعامل جذب للمشاهد. بالإضافة إلى أسلوب الرقص المنافي للحشمة الذي يظهر بالفيديو، وطريقة اقتراب العارضات من المغني، والايحاءات الجنسية التي يقدمها، وهذا ما يجعل من المشهد نافراً جداً، بسبب تقدم توفيق بالعمر وتراجعه بمدى الإلتزام بالضوابط الأخلاقية، على الأقل بما يتناسب مع عمره البيولوجي والفني!
أما راغب علامة، فقد ارتكز “الفيديو كليب” لأغنيته الأخيرة “في كتير حلوين” على تقديم الرقص “الإيحائي” بشكل واضح وكبير، حيث أن كل المقاطع تركز على العارضات اللواتي تمثّلن في الفيديو إلى جانب علامة، بلباس عار تقريباً، بحركات راقصة “منحرفة”.
ولعله الهدف من الفيديو كان ضمان أعلى نسبة مشاهدة، فالجمهور اليوم يسوّق للفكرة “الهابطة”، إما لأنها نالت إعجابه، أو من باب النقد، وفي الحالتين الهدف المنشود قد تحقق عبر تسجيل نسب مشاهدة مرتفعة.
ومن الواضح، أن معظم الرقصات التي تم عرضها في الفيديو كليب، محاولة تقليد “هابطة” للرقص الغربي.
على الرغم من شهرتها الواسعة في لبنان والعالم العربي، وأغانيها المحفوظة عن “ظهر قلب”، قدّمت إليسا مشاهد لا تليق بـ”ملكة الإحساس”، عبر “الفيديو كليب” المرافق لأغنيتها الأخيرة “بتمايل على الـ “بيت”.
فقد ظهرت إليسا وهي ترقص ممسكة بالعامود، والتي تعبر عن نوع من أنواع الرقص المعتمد في الملاهي الليلية، إلى جانب “الزنطرة” في الملابس.
إليسا التي قدمت “بتمون” و”بيستحي” و”عبالي حبيبي”، كانت في أغنيتها الأخيرة “عكس اللي شايفنها” في ماضيها الفني “الجميل”.
وفي آخر أعمالها، شكلت أغنية الفنانة والممثلة سيرين عبد النور، “هزهزة”، صدمة حقيقية، حيث قدمت نفسها كممثلة إغواء لا مطربة، وهذا ما كان مستغرباً من سيرين التي تحمل في جعبتها أعمالاً درامية كبيرة إلى جانب كبار الفن اللبناني والسوري والمصري، والتي حصلت فيها على بطولات إلى جانب النجوم عابد فهد وتيم حسن ومكسيم خليل ومحمد هنيدي وعمار شلق ومجدي مشموشي وسواهم.
ما كان صادماً في “هزهزة” الأغنية بذاتها، لأنها تفتقر للمضمون والمعنى، إضافة إلى نوع الموسيقى الذي لا يشبه ذوق سيرين المتعارف عليه، بالإضافة إلى أزياء سيرين في الأغنية وتمايلها والإيحاءات التي تم تمثيلها خلال الفيديو.. حتى عرك المشاهد عينيه قائلاً “سيرين أم هيفا”؟
المشكلة الحقيقية أن الفن اللبناني اليوم على شفير الهاوية، فالمضمون الذي يقدمه الفنانون يجعل من “الهوارة” و”على دلعونا” آخر صيحات الفن الحقيقي، المشكلة ليست فقط بالإنحلال الأخلاقي بالمشاهد التي ترافق الأغنية، بل أيضاً بالإنحلال بـ”الذوق الفني” الذي يرافق اختيار الكلمات والموسيقى والألحان والتوزيع.
فبلنان “صباح”، و”وديع الصافي” وطن النجوم و”فيروز”، وموسيقى ملحم بركات، لم يعد الوطن الذي يشدو له “الحسون” و”البلابل”، بل غدا “مطبعة” نجوم يرون بالتعرّي والإنحراف جسر عبور سهل للشهرة والمال.
فما عاد وليد توفيق يريد أن “يقسم القمر” مع “طير صغير”، و”دارت الأيام” مع راغب علامة، ولم يعد يرغب “أن يخبيها وما يخلي حدا يحاكيها”، بل أصبح يتباهى بإظهاره حبيبته المفترضة في الفيديو شبه عارية.
ويبقى السؤال، أين النقابات المعنية من هذه المواد التي تبث عبر شاشات التلفزة في وضح النهار، في الوقت الذي يكون جهاز التحكم بأيدي الأطفال والقاصرين؟
زينب سلهب
Follow Us: